الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله) : (مسألة 22): إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صح، ولا ينافي وجوب المباشرة، بل يمكن أن يقال: إذا كان شخص يصب الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد وجعل هو يده أو وجهه تحته صح أيضا ، ولا يعد هذا من إعانة الغير أيضا))[1] .

وهذا لما تقدم من انه يشترط في الوضوء المباشرة بل في كل فعل واجب ، والمباشرة معناها نسبت الفعل الواجب الى العامل ، فكل مورد اذا تحققت نسبة الفعل الواجب الى الفاعل والعامل فيكون هذا قد اتى بالفعل مباشرة ، وفي المقام هو جعل وجهه تحت هذا الماء الذي ينصب من الميزاب او جعل يده تحت هذا الميزاب الذي ينصب الماء منه ، فغسل الوجه وغسل اليد انما هما مستندان الى هذا الشخص الفاعل مباشرة فليس هنا لا اعانة ولا استعانة بل نسب الفعل واستند الى الفاعل والنسبة مباشرية لا بالواسطة.

ثم قال ويصح الوضوء لما عرفت من تحقق المباشرة في هذا الفعل واذا تحققت المباشرة صح الوضوء حينئذ.

بل قال انه لو صب شخص الماء من مكان عالٍ لا بقصد ان يتوضأ به أحد فتوضأ به متوضئ أي غسل وجهه من هذا الماء وغسل يده بهذا الماء صح وضوئه ايضا ولا اشكال فيه اذ ان هذا الفعل ايضا مستند اليه ، ونفس الدليل الذي ذكرناه في ماء الميزاب او ماء المطر يجري في المقام.

ويمكن الاستشهاد في الفرع السابق بالوضوء تحت المطر بعد إلغاء الخصوصية اذ لا خصوصية لماء المطر اذا توضأ به بل يشمل كل ماء ينصب من فوق.

انما الكلام فيما اذا صب شخص الماء من مكان عال تارة يقصد به وضوء الغير واخرى ى يقصد به وضوء الغير انما يصب هذا الماء فقط ، فقد ذهب السيد الماتن (رحمه الله) الى انه في الصورة الثانية اذا حصل الغسل فان هذا الغسل مستند اليه ولا اشكال فيه لان الفعل صدر مباشرة من هذا الشخص ولا اشكال فيه ، بل يمكن ان نقول ان كل مورد يكون في احد الاطراف قصد وفي الاخر غير قصد فان الفعل ينسب الى القاصد دون الغافل ولذلك قالوا في بحث الضمانات ان الضمان ينسب الى المسبب القاصد ولا ينسب الى الفاعل الغافل ، كذا في المقام فان الفاعل في المقام هو المتوضي فقد قصد الغسل بهذا الماء فينسب الفعل اليه واما الذي يصب من مكان عال لا يقصد الوضوء حينئذ فلا ينسب الفعل اليه وهذا واضح.

مضافا الى ان الاعانة والاستعانة اما ان تكون انطباقية قهرية او تكون قصدية ولا سبيل الى الانطباقية القهرية أي يصدق الاعانة والاستعانة حتى لو لم يكن قصد بل كان غافلا ولا سبيل للأول اذ لم يكن المتوضي قاصدا للاعانة والاستعانة والشخص الذي يصب من مكان عال ايضا غير قاصد الاعانة.

اما الصورة الاولى وهو ما اذا كان الذي يصب من مكان عالٍ الماء بقصد ان يتوضأ الغير به فهل هذا يصدق عليه اعانة واستعانة ام لا؟

فان الظاهر صحة الوضوء ايضا ولا تصدق عليه الاستعانة اذ الاستعانة لابد ان تكون قصدية ولابد ان يصدق عليه عرفا انه استعان بالغير فان المتوضي انما توضأ بهذا الماء واستند الجزء الاخير منه وهو غسل الوجه وغسل اليدي الى فعله مباشرة وكفى ذلك في صدق المباشرة لأفعاله ولا يصدق عليه الاستعانة.

نعم الاعانة انما يشترط فيها ان تكون قصدية أي مع وجود القصد كما ذكرناه في بحث حرمة الاعانة على الاثم فلابد ان يكون هناك قصد من احدهما والا فلا يصدق عليه اعانة ، ربما يصدق على هذا المقام اعانة الا ان العرف لا يرى ان هذا اعانة لهذا المتوضي وقد ذكرنا سابقا انه ليس كل اعانة محرمة ، فالذي ورد في الروايات هو الاستعانة كما في رواية العلل والوشاء والمرسلتين الذي ورد هو الاستعانة وقد نهى عن الاستعانة بالغير والاستعانة هنا لا تصدق باعتبار ان هذا المتوضي لم يكن قاصدا بالاستعانة وانما جعل وجهه تحت هذا الماء الذي يصب والذي يصب هو الذي قصد ولكن قصده ليس له دخل وانما المتوضي فعل الفعل مباشرة فيمكن القول بصحة الوضوء حتى لو كان هناك قصد من الذي يصب من مكان عالٍ.

ففي كلتا الصورتين يمكن القول بالصحة ولكن في الصورة الثانية المباشرة فيها واضحة.

ثم قال السيد الماتن (رحمه الله) : مسألة 23): إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب، وإن توقف على الأجرة، فيغسل الغير أعضاءه وينوي هو الوضوء ، ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده ويصب الماء فيها ويجريه بها، هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك، وإن كان الأقوى عدم وجوبه، لأن مناط المباشرة في الإجراء، واليد آلة، والمفروض أن فعل الإجراء من النائب، نعم في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها ، ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعض))[2] .

والدليل على جواز الاستنابة عند العجز عن اتيان افعال الوضوء مباشرة.

اولاً:- الاجماع ، ولا اشكال فيه فقد تسالم الفقهاء ولا خلاف بين الفقهاء في جواز الاستنابة عند العجز عن المباشرة وهذا واضح ، وان ناقش فيه بعض الفقهاء ولكن سياتي الكلام فيه.

ثانياً:- قاعدة الميسور اذ ان طبيعي الوضوء هو الذي يكون ولو كان هذا الطبيعي متحققا في ضمن الاستنابة وطبيعي الوضوء بقيد المباشرة فاذا لم يتحقق هذا القيد فالميسور هو طبيعي الوضوء ولو كان في ضمن استنابة ، اذن هنا طبيعيان للوضوء طبيعي الوضوء بقيد المباشرة وطبيعي الوضوء ولو كان بالاستنابة فاذا لم يتمكن من الاول يتحقق الثاني وهو الميسور ، فان قاعدة الميسور تجري في المقام.

واستشكل على الاستدلال بقاعدة الميسور كبرى اذ قالوا ان قاعدة الميسور ليست ثابتة ولا يمكن الاعتماد عليه.

وصغرى هو ان طبيعي الوضوء بقيد المباشرة وطبيعي الوضوء بغير قيد المباشرة متباينان عرفا فكيف يكون هنا ميسور ومعسور؟ فان الميسور والمعسور لابد ان يكون الميسور في ضمن افراد المعسور فاذا كانا متباينان فكيف يصدق عليهما ان هذا ميسور وهذا معسور.

والجواب عن هذا.

اما الكبرى فان القاعدة يمكن الاعتماد عليها كما تقدم ذكر القاعدة وذكر الادلة التي يمكن الاستدلال بها على قاعدة الميسور.

واما الصغرى فانه لا تباين عند العرف بين طبيعي الوضوء بقيد المباشرة وطبيعي الوضوء لا بقيد المباشرة اذ ان هذا يعتبر من افراد ذلك ، فان النظر العرف فيه مسامحة اكثر من النظر العقلي ، فان العقل يمكن ان يقول انهما متباينان الا ان النظر العرفي فيه مسامحة لا توجد في غيره.

ثالثاً:- مرتكزات المتشرعة حيث انهم يعلمون بان للوضوء بدل وهو التيمم فاذا لم يتمكن من الوضوء ينتقل حكمه الى التيمم وفي المقام اذا كان عاجزا عن بعض افعال الوضوء فانهم يرون ان هذا قادر على اتيان الوضوء بمرتكزاتهم ولا ينتقلون الى البدل مع ان مقتضى القاعدة ان ينتقل الى البدل وحينئذ ارتكاز المتشرعة في المقام حيث لا يأتون بالبدل عند عجزهم عن بعض افعال الوضوء.

رابعاً:- الروايات فقد رود روايات متعددة في المقام.

منها:- ما ورد في المجدور والمكسور وغيرهما حيث ذكر انهم ييممون وهذا معناه انه اذا لم يتمكن من المباشرة والتيمم فحينئذ ييمم أي بفعل اخر يستنيب في ذلك.

ولا يقال ان هذه الروايات واردت في التيمم ولا نعتمد عليها في الوضوء فانه يقال انه لا فرق بين التيمم الغسل والوضوء قطعا لا فرق بينهما بل ادعي الاتفاق على ذلك ، فاذا وردت الروايات في المجدور والمكسور فينسحب الحكم الى الغسل والى الوضوء.

منها:- صحيح سليمان ابن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ـ أنه كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فحملوني ووضعوني على خشبات، ثم صبوا عليّ الماء فغسلوني)).

أي انه لم يتمكن من الغسل مباشرة لأجل الوجع فاستعان بالغير وهذه صحيحة لا اشكال في السند ولا اشكال في الدلالة وردت في خصوص الغسل وينسحب الحكم الى الوضوء ايضا لعدم الفرق بين الطهارات الثلاث قطعا.

واستشكل على هذه الرواية.

اولاً:- انها واردة في الغسل وتلك واردة في التيمم فلا يمكن سحب الحكم الى الوضوء اذ القاعدة ان في الوضوء تيمم واذا لم يتمكن منه ينتقل الحكم الى التيمم واذا كان شيء مخالفا للقاعدة فلابد من الاقتصار على مورد النص ومورد النص في خصوص الغسل والتيمم فلا يجري في الوضوء.

ولكن الجواب عن ذلك من انه ادعي القطع على عدم الفرق بين الطهارات الثلاث فالنص ورد في الغسل وفي المجدور في التيمم ولكنهم قطعوا بعدم الفرق بين هذه الثلاث.

ثانياً:- ان هذا وارد في الاحتلام فانه قد اصابته جنابة وقد ورد في النص ان الامام عليه السلام لا يحتلم فهذه الرواية مخالفة لتلك.

لكن الظاهر من هذه الرواية ان الاصابة اعم من الاحتلام كما هو واضح فلا تنافي.

ثالثاً:- انها معارضة بصحيح محمد ابن مسلم حيث انها وردت في انه يغسل ، محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة، ولا يجد الماء ـ إلى أن قال: ـ وذكر أبو عبدالله (عليه السلام) أنه اضطر إليه وهو مريض، فأتوه به مسخنا، فاغتسل، فقال: لابدّ من الغسل)).

فهذه الرواية تدل على الغسل مباشرة مع انه مريض.

ولكن هذه الرواية ظاهرة في المباشرة وتلك ناصة في الاستنانة فلابد من رفع اليد عن الظهور ببركة النص.


[1] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص424، ط جماعة المدرسين.
[2] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص424، ط جماعة المدرسين.