الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله) : (مسألة 10): إذا غير مجرى نهر من غير إذن مالكه وإن لم يغصب الماء ففي بقاء حق الاستعمال الذي كان سابقا من الوضوء والشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال ، وإن كان لا يبعد بقاؤه ، هذا بالنسبة إلى مكان التغيير، وأما ما قبله وما بعده فلا إشكال))[1] .

اذا جاء شخص اجرى نهرا كبيرا ثم اتى شخص اخر وغير نفس المجرى لغرض ولكن لا بقصد غصب الماء فهل يصح الوضوء من الماء الذي جرى في هذا المجرى الجديد وهل يجوز الشرب منه او لا؟

الجواب:- لا ريب ولا اشكال في ان كلامنا في مكان التغير كما لو كان مستقيما واراد ان يجعله دائريا او كان دائريا واراد ان يجعله مستقيما واما في غير مكان التغير فجواز الاستعمال باق على حاله للسيرة.

ذكر السيد الماتن (رحمه الله) انه لا يصح الوضوء ولا يجوز الشرب من هذا الماء لغير الغاصب اما الغاضب فحكمه واضح فلا يجوز له التصرف.

فاما ان يكون هذا المجرى خارج فيكون حينئذ تصرف في ملك الغير بغير اذنه ولا يجوز التصرف ونرجع الى عمومات ادلة المنع.

الا انه يمكن التمسك باستصحاب جواز حق الاستعمال فان هذا الماء كان حيث كان جاريا في النهر الكبير يجوز التصرف فيه ويستعمله للسيرة التي ذكرناها ولكن الآن نشك في جواز الاستعمال فاستصحاب جواز الاستعمال جار.

ولكن الاستصحاب محكوم دائما بالاطلاقات والعمومات فاذا استفدنا من ادلة المنع اطلاق او عموم ليشمل المقام فلا مجرى للاستصحاب ، اذن المناط في وجود السيرة ، فهل هنا سيرة تشمل المقام او لا توجد سيرة؟

الظاهر ثبوت السيرة في المقام أي يجوز له التصرف والاستعمال ، هذا ما ذكره السيد الماتن (رحمه الله).

اذن في مكان التغيير الاشكال يأتي من ناحية العمومات والاطلاقات والجواز يأتي من ناحية الاستصحاب والسيرة فان اثبتنا وجود السيرة فلا مجرى للاطلاقات والعمومات وان لم يمكن لنا اثبات السيرة فالاستصحاب ممكن الاعتماد عليه لو لم يكن اطلاق ولكن الظاهر عدم بقاء الاطلاق والعمومات على حالها لوجود السيرة.

ثم قال السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 11): إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر ، ولو توضأ بقصد الصلاة فيه، ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه، بل هو معلوم في الصورة الثانية ، كما أنه يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط ولا يجب عليه أن يصلي فيه، وإن كان أحوط، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه والتمكن منها))[2] .

وتوجد صور في هذه المسالة.

الاولى:- لو توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد فوضوئه صحيح وصلاته صحيحة لوجود الامر وتحقق المأمور به.

الثانية:- ما لو توضأ في الحوض وقصد من البداية انه لا يصلي في ذلك المسجد فقالوا بعدم صحة الوضوء.

الثالثة:- ما لو توضأ من الحوض كان قصده الصلاة في المسجد ولكنه بعد الوضوء اما انه بدى له ان يصلي ف غير ذلك المسجد او انه لم يتمكن من الصلاة في ذلك المسجد.

اما الصورة الثانية فقد استدلوا على بطلان الضوء فيها بانه بقصد عدم الصلاة خرج عن مورد الاذن فاذا خرج عن مورد الاذن كان عاصيا ولا يمكن التقرب بالفعل الذي يكون فيه عصيان وهذا الدليل صحيح لا اشكال فيه.

الا ان بعض الفقهاء ادرج المقام في مسالة الشرط المتأخر فقال ان الوضوء لأجل الصلاة في هذا المسجد فتكون صحة الوضوء مشروطة بالصلاة في هذا المسجد أي صحة الوضوء مشروط بهذا (الصلاة في هذا المسجد) الشرط المتأخر وبما انه لم يتحقق هذا الشرط فصحة الصلاة مشكل.

ولكن هذا تبعيد للمسافة بل ان الشخص بقصده عدم الصلاة في ذلك المسجد هو قد خالف الاذن وعصى ولا يمكن التقرب بالفعل الذي عصى فيه ، وهذا واضح ولا حاجة لإدراجه في الشرط المتأخر وان كان صحيح.

ومن اجل ادراجه في موارد الشرط المتأخر ذهب بعضهم الى ان المورد من الدور أي صحة الوضوء متوقفة على الصلاة في المسجد وصحة الصلاة في المسجد متوقفة على صحة الوضوء وهذا دور.

ولكننا نعرف ان هذا ليس من الدور فان صحة الوضوء انما تكون بقصده الصلاة في المسجد اما اذا كان قصده عدم الصلاة فان وضوئه قد خالف الاذن فلا يكون صحيحا.

ولو تنزلنا وقلنا ان هناك توقف فيمكن رفع الدور باختلاف الحيثية والجهة فان توقف الصلاة على الوضوء توقف شرعي لان الوضوء مقدمة للصلاة بينما توقف الضوء على صحة الصلاة توقف جعل من قبل المولى حيث ان المولى جعل الوضوء في هذا الحوض لابد ان يكون بقصد الصلاة في هذا المسجد ، اذن احدهما توقفه يكون شرعيا والاخر يكون توقفه جعلياً.

اما الصورة الثالثة وهو ما اذا قصد الوضوء لأجل الصلاة في المسجد ولكن بعد الوضوء بدى له ان يصلي في مكان اخر فقد ذهب السيد الماتن وجمع اخرين الى صحة وضوئه لأنه حين وضوئه كان قاصدا للصلاة في المسجد فوقع الوضوء جامعا للشرائط ومنها قصد التقرب فيصح وضوئه ثم بدى له ان لا يصلي فهذا البداء لا يغير الواقع ، وكذا لو لم يتمكن من الصلاة في المسجد ففي البداء وهو امر اختياري فقد قلنا بصحة وضوئه واستصحاب الصحة جار فاذا لم يتمكن من الصلاة في المسجد فالصحة اولى هنا لان عدم التمكن خارج عن قدرته ونقول بصحة الوضوء لاستصحاب الصحة.

الا ان بعض الفقهاء استشكل في المقام يأتي ذكرها ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص410، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص410، ط جماعة المدرسين.