الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان الكلام في الانهار الكبار والشطوط وامثال ذلك غير المباحات الاصلية بحيث ان لها مالكين معينين اما مالك معين واما مالكين على نحو الشركة فهم اجروا هذا النهر الكبير وهم اجروا هذه القناة.

وذكرنا ان المشهور يذهبون الى جواز التصرف بمثل الوضوء والغسل والصلاة ونحو ذلك لان مثل هذه التصرفات قامت السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) على جوازها.

ولكن هذه السيرة دليل لبي ليس له عموم او اطلاق حتى نتمسك في كل مورد نشك فيه في اطلاق هذه السيرة وعمومها ، فان العموم والاطلاق يثبتان فيما اذا كان الدليل لفظيا والسيرة ليست من الادلة اللفظية حتى يثبت لها عموم او اطلاق ، اذن لابد من الاقتصار على المورد المتيقن.

فاذا كان نهرا او قناة كبيرة فحينئذ نقول ان السيرة جارية على جواز التصرف فيه بالوضوء او الغسل او الصلاة.

ولكن لو شككنا في ان هذا النهر كبيرا او القناة انها كبيرة فلا يجوز التمسك بالسيرة فنرجع الى اطلاقات وعمومات الادلة الدالة على المنع من التصرف في مال الغير ، اذن كل مورد نشك في شمول السيرة له فلابد من الرجوع عمومات المنع.

فلا فرق بين ان يكون المالكين كبار او يكون المالكين صغار او مجانين وكذا لو كان عدم رضيً من المالك فيمكن القول بان السيرة جارية بل سياتي انهم قالوا ان مع النهي ايضا لا يجوز التصرف بل سياتي ان لنا كلام حتى مع نهي المالكين.

القول الثاني:- لا يجوز التصرف فيما اذا كان المالك صغيرا او مجنونا او نهى عن التصرف في مثل هذه الانهار او كان الولي لا يحق له ان يأذن بذلك اذ الولي انما يأذن بالتصرف في اموال الصغار والمجانين (أي المولى عليهم) فيما اذا رجع التصرف الى ما فيه مصلحة لهم ولا مصلحة في ان يأتي شخص اخر ويتوضأ او يغتسل من ماء هذا النهر الكبير الذي يملكه هذا الصغير او المجنون ، اذن حتى اذن الولي لا يكفي في المقام لان اذنه انما يصح فيما اذا كان هذا التصرف فيه مصلحة للصغير والمجنون والمفروض عدم تحقق هذه المصلحة للصغير او للمجنون.

واستدلوا على ذلك بانه يشك في ثبوت السيرة واذا شككنا في ثبوت السيرة فالمرجع اصالة عدم جواز التصرف بغير الاذن.

ولكن جوابه:- انه في صورة المالكين الصغار ايضا السيرة قائمة فنفس السير القائمة على جواز التصرف في اموال البالغين هي جارية على جواز التصرف في اموال الصغار والمجانين.

وكذا مع نهي المالك اذ ان المناط في هذه السيرة هو كون هذا النهر او القناة كبيرا ، فان نهي المالك من التصرف في هذه الانهار الكبار هو يلام عليه من قبل العرف ولا يلام من توضأ او اغتسل ، وكذا لا تضر هذه التصرفات اليسيرة بمصلحة المالكين ابدا سواء كانوا صغار او كبار او مجانين.

ثم ذكر صاحب هذا القول قال انه يشترط ان يكون الماء جاريا في ملك هذا المالك. ولكن من اين جاء بهذا التقييد ، والسيرة موجودة ولا يفرق بين ان يجري هذا الماء في ملك المالك او لا.

النتيجة ان الحق ما ذكره المشهور والسيد الماتن (رحمه الله).

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله) : ((وإذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأول، بل يمكن بقاؤه مطلقا ، وأما للغاصب فلا يجوز، وكذا لأتباعه من زوجته وأولاده وضيوفه، وكل من يتصرف فيها بتبعيته))[1] .

كما لو استولت الحكومة الغاصبة على هذه الانهار الكبار فيجوز له الوضوء او الغسل او الصلاة ، والدليل على ذلك.

اولاً:- استصحاب الجواز فانه كانت قبل ان يأخذها الغاصب يجوز التصرف فيها للسيرة والآن نشك في ذلك فاستصحاب الجواز جار.

ولكن هذا الاستصحاب مردود بإطلاقات وعمومات الادلة الدالة على المنع من التصرف في مال الغير.

ثانياً:- التمسك بالسيرة أي نفس السيرة الجارية على جواز التصرف بهذه الانهار الكبار فيما اذا كانت تحت تصرف مالكيها هي قائمة ايضا حتى لو كانت هذه الانهار تحت تصرف الغاصب.

وتقييد هذه السيرة بما لو كان النهر جاريا في ملك المالك يحتاج الى دليل.

قد يقال:- ان تصرفنا بهذا الماء وهو تحت يد الغاصب يكون تأييدا عمليا لفعل الغاصب.

وجوابه:- ان تحقق هذا النوع من التأييد العملي بعيد جدا.

ثم قال (رحمه الله) انهلا فرق بين ان يكون الماء جاريا في هذا النهر قبل الغصب او لا يكون جاريا فان السيرة قائمة بلا فرق.

هذا كله بالنسبة الى غير الغاصب.

اما نفس الغاصب فهل يجوز الوضوء منه او الغسل او الجلوس للاستراحة فالظاهر عدم شمول السيرة له لأننا نحرز عدم رضا المالك وحينئذ نشك في شمول السيرة له فنرجع الى اطلاقات ادلة المنع من التصرف في اموال الاخرين.

ولا فرق بين ان يكون نفس الغاصب او ولده او زوجته او تابعيه او ضيوفه فالمناط في عدم الجواز واحد وهو الشك في شمول السيرة له.

ثم قال الماتن (رحمه الله) : ((وكذلك الأراضي الوسيعة يجوز الوضوء فيها كغيره من بعض التصرفات، كالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ينه المالك ولم يعلم كراهته، بل مع الظن أيضا الأحوط الترك، ولكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال: ليس للمالك النهي أيضا))[2] .

فان الكلام في الاراضي الواسعة هو نفس الكلام في الانهار الكبيرة فان السيرة قائمة على جواز الجلوس للاستراحة او الصلاة ، وكذا الفروع التي ذكرناها تجري في المقام.

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص408، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص408، ط جماعة المدرسين.