الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان الكلام في انه هل يكتفى بالرضا التقديري ام يشترط في الرضا ان يكون فعليا حتى لو لم يكن اذن في البين ، وقلنا انه يكتفي بالرضا وطيب النفس ولو لم يكن مقرونا بالإذن الخارجي من فعل او لفظ لما ورد في موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، فإنه لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه))[1] ، فان طيب النفس هو الرضا الباطني وان ورد في التوقيع الرفيع التوقيع الخارج إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) قوله (عليه السلام) فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه))[2] ، فان قوله ((الا بإذنه)) الظاهر في الرضا الخارجي وجمعنا بينهما جمعا عرفيا بان المناط على الرضا الواقعي وان اكتشف هذا الرضا الباطني عن طريق الاذن والمبرز الخارجي فلا منافاة بينهما.

ثم قلنا انه هل يكتفي بالرضا التقديري او لا يكتفى بل يحتاج الى الرضا الفعلي بحيث غافلا حين التصرف ولكنه لو التفت لرضي بذلك؟

الجواب:- ذكر جمع من الفقهاء بل هو المشهور جواز الاكتفاء بالرضا التقديري بحيث لو التفت المالك لاذن وطابت نفسه بالتصرف.

الا انه قد يقال:- هذا يصطدم بظاهر موثقة سماعة التي ورد فيها الا بطيب نفس منه فان ظاهرها ان المناط على طيب النفس الفعلي لا التقديري.

ولكن يقال:- السيرة قائمة على ذلك وهذه السيرة كافية ولذا احتاط جمع من الفقهاء بان الرضا التقديري يمكن الاخذ به اذا اقترن بفعل مثل انه يقدم الطعام ولكنه غافل عن التصرف بمثل الوضوء فمن هذا الفعل نستكشف التقديري بحيث لو التفت لاذن.

الا ان الحق ان السيرة قائمة على الاكتفاء بالرضا التقديري ولا اشكال فيه.

ثم ان هذا الرضا التقديري مختص بالتصرفات الخارجية واما التصرفات الاعتبارية مثل البيع ونحوه فلا يكتفي بالرضا التقديري اذ انهم اتفقوا على ان الرضا التقديري انما يعتمد عليه في التصرفات الخارجية كالوضوء والغسل ونحو ذلك ، اما التصرفات الاعتبارية مثل انشاء العقود ونحوه فلا يكفي الرضا التقديري بل لابد من الرضا الفعلي سواء كان مقرونا بإذن او لا.

الا ان بعض الفقهاء اكتفي بالرضا التقديري وذكر ذلك في بحث الفضولي ولكن المعروف بين الفقهاء عدم الاكتفاء به بل لابد من الرضا الفعلي.

كما انه يوجد فرق آخر وهو ان الرضا التقديري لا يصار اليه في العقود[3] والانشائيات ابدا لان العقود مبنية على الرضا الانشائي فلابد ان يكون لفظ في البين وانشاء في البين او فعل في البين كالمعاطاة واما الرضا التقديري فلا يكتفى به ولم يقل احد بصحته.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 7): يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار سواء كانت قنوات أو منشقة من شط، وإن لم يعلم رضى المالكين، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين، نعم مع نهيهم يشكل الجواز ، وإذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأول، بل يمكن بقاؤه مطلقا ، وأما للغاصب فلا يجوز، وكذا لأتباعه من زوجته وأولاده وضيوفه، وكل من يتصرف فيها بتبعيته، وكذلك الأراضي الوسيعة يجوز الوضوء فيها كغيره من بعض التصرفات، كالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ينه المالك ولم يعلم كراهته، بل مع الظن أيضا الأحوط الترك، ولكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال: ليس للمالك النهي أيضا))[4] .

ذكرنا فيما سبق ان الماء لو كان موجودا في ظرف خاص لمالك معين فلا يجوز التصرف فيه الا بإذن من مالكه وهذا تقدم.

واخرى يكون الماء في الانهار الكبار والقنوات الطبيعة والعيون مما تكون مباحة في الاصل فهذا لا اشكال في جواز التصرف فيه والوضوء منه لاخبار كثيرة منها ((الناس شرع ثلاث في ثلاثة الماء والكلاء والنار)) فان هذه الرواية منصرفة الى المباحات الاصلية.

اما الانهار الكبار المأخوذة من الشطوط الاصلية والقنوات التي يحفرها مالك معين او ملاك على نحو الشركة او العيون لمالكين حفروها فعل يجوز التصرف بهذا الماء بالوضوء او الشرب او الغسل ومثل هذه التصرفات اليسيرة العبادية اولا؟

الجواب:- اختلف الفقهاء رحمهم الله في ذلك.

القول الاول:- وهو المشهور والمعروف بينهم وهو الجواز.

واستدل على ذلك.

الدليل الاول:- السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصوم ولا اشكال في وجود هكذا سيرة فاذا كان عنده مثل هذا الماء فلا ينتقل حكمه الى التيمم لجواز التصرف بهذا الماء.

الدليل الثاني:- ما ذكره المحدث المجلسي (رحمه الله) والمحدث الكاشاني (رحمه الله) من انه يوجد حق للمسلمين في هذا الماء لعموم قوله (عليه السلام ((الناس شرع في ثلاث الماء والكلاء والنار)).

واشكل عليه بان ثبوت هذا الحق ممنوع ، فمن اين اثبتنا مثل هذا الحق اذ يمكن ان يكون هذا الحديث كما هو محتمل قويا ان يكون منصرفا الى المباحات الاصلية لا مثل هذه الانهار والشطوط والقنوات العيون التي استخرجها وحفرها ملاك معينون ولا تشمل غيره.

الدليل الثالث:- هو شاهد الحال فان شاهد الحال يدل على جواز التصرف.

ولكن ايضا هذا شاهد الحال لا يمكن الاعتماد عليه اذ هو غير مطرد في جميع الموارد وان كان يمكن ان يكون هناك شاهد حال في بعض الموارد ولكنه غير مطرد فلا يمكن الاعتماد عليه.

الدليل الرابع:- انه نوجد معارضة بين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير وبين ما دل على جواز الشرب من الماء ما لم يتغير ، وعلى فرض التعارض بينهما يتساقطان ، وكذا المعارضة بين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير وبين ادلة نفي الحرج فان الالتزام بعدم جواز الوضوء بهذه المياه يستلزم الحرج فنرفع اليد عن الحكم بعدم جواز التصرف بماء الغير ، وكذا توجد معارضة بين ادلة حرمة التصرف بمال الغير وبين ما دل على جواز الشرب من الانهار الكبار غير المملوكة فنرفع اليد عما دل على حرمة التصرف.

وجوابه:-

اما نفي الحرج فانه لا يمكن ان يكون هنا موجبا لرفع اليد عن ادلة حرمة التصرف بمال الغير اذ ان نفي الحرج كما هو ثابت للمتوضي هو ثابت للمالك ايضا.

مضافا الى انه من اين ثبت الحرج؟ اذ انه مع عدم جواز الترف بهذا الماء فانه ينتقل الى التيمم وهو البدل.

واما المعارضة مع الروايات التي دلت على انه يجوز التصرف بالماء ما لم يتغير فهي ايضا غريبة فان مورد هذه الروايات خاص في باب النجاسات ولا تعارض بين هذه الروايات وروايات حرمة التصرف لان هذه الروايات تدل على عدم النجاسة الى ان يتغير الماء.

واما ان ادلة حرمة التصرف في ملك الغير منصرفة عن المقام فان الانصراف يحتاج الى دليل حتى نتعبد به ولا دليل في البين على الانصراف.

اذن المرجع هو السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام).

الا ان هذه السيرة يمكن الاعتماد عليه فيما اذا لم يكن شك في الموضوع لجة من الجهات كما اذا علمنا ان هؤلاء الملاك بينهم تنازع شديد وقد حرم احدهم على الاخر ان يتصرف في هذا الماء فهنا توجد قرينة على عدم رضاهم بالتصرف او شككنا في ان هذا النهر من النهر الكبير او الصغير فلابد ان نقتصر على القدر المتيقن من هذه السيرة والا فالمرجع اصالة عدم جواز التصرف في ملك الغير.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج5، ص120، ابواب مكان المصلي، الباب3، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج25، ص386، كتاب الغصب، الباب1، ح4، ط آل البيت.
[3] أي يكون البيع والشراء من المالكين من دون رضى فعلي.
[4] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص408، ط جماعة المدرسين.