الموضوع:- شرائط الوضوء.

ذكر السيد الماتن (رحمه الله) : (مسألة 6): مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف ويجري عليه حكم الغصب ، فلا بد فيما إذا كان ملكا للغير من الإذن في التصرف فيه صريحا أو فحوى أو شاهد حال قطعي))[1] .

كان الكلام في حكم الشك وذكرنا صور اربعة الى قوله (او شاهد حال قطعي) فانه قيد شاهد الحال بالقطعي.

والسر في ذلك انه يوجد خلاف بين العلماء فبعضهم اعتبر كل شاهد حال كاف ولو اورث الظن كما ذهب الى ذلك المحقق القمي في القوانين وغير وبعضهم قال ان الظن لا اعتبار به لأصالة عدم حجية الظن الا انه يجب ان يكون مع شاهد الحال حجة معتبرة فهل الحجة منحصرة بالعلم الاجمالي وهو الذي ذكره السيد المتن في كلامه ام انه لا حاجة الى ذلك فان الاطمئنان ايضا حجة عقلائية والبينة ايضا حجة شرعية فكل حجة معتبرة يعتمد عليه؟

فان السيد الماتن انما قيد شاهد الحال بالقطعي لاخراج الظن لان الظن لا اعتبار له الا اذا ثبت بدليل شرعي وهو الظن الخاص.

ويحتمل ان كلامه في قبال الظن فبما ان الظن لا اعتبار به وهذا معناه ان كل ما كان حجة معتبرة انما يعتمد عليه سواء كان علما وجدانيا ام كان حجة شرعية ام كان اطمئنان وهي حجة عقلائية او حجة شرعية معتبرة وحينئذ كلامه لا يختص بخصوص العلم الوجداني بل يشمل الاطمئنان ويشمل الحجة المعتبرة الشرعية كالبينة لأنه يريد اخراج الظن وكل هذه تقابل الظن فيصح الاعتماد في شاهد الحال على كل حجة معتبرة.

ولكن بعض الفقهاء قيدوه بان يكون هناك استكشاف خارجي من فعل خارجي فلا يكفي ان يأتي بالماء ويضعه في مكان معين ، اذن في شاهد الحال لابد ان يقترن بفعل حتى يثبت هذا النوع من الاطمئنان ومجرد شاهد الحال لا يكفي اذ يوجد اصل اصيل في البين وهو اصالة عدم جواز التصرف في ملك الغير ومال الغير الا باذنه فلو شككنا في ذلك فلا يجوز التصرف.

كذا بالنسبة الى الاذن والفحوى فتارة يثبتان بعلم وجداني واخرى يثبتان باطمئنان وثالثة يثبتان بحجة معتبرة شرعية كالبينة ، وقد ذكر صاحب الجواهر من ان لفظ العلم في الكتاب والسنة يراد به الاطمئنان لا العلم المصطلح في علم المنطق وهو القطعي بل المراد منه الاطمئنان ، اذن الامر لا يختص بشاهد الحال بل يجري الى الاذن والفحوى.

هذا ما يتعلق بالمسالة السابقة.

اذن لابد ان يوجد رضا من قبل المالك فلا يمكن الخروج عن الاصل الموجود في المقام وهو اصالة عدم جواز التصرف في ملك الغير الا ان يكون هناك اذن او رضا من قبل المالك وذكرنا في الموثقة قوله عليه السلام (بطيب نفس منه) وفي التوقيع الرفيع (باذن منه).

ولكن السيد الخوئي (قدس سره) ناقش في التوقيع الرفيع من حيث السند ، الا ان مناقشته موهونة جدا لان مضمون هذا الحديث مما ثبت بالضرورة ومما تطابقت عليه الشرايع الالهية فلا يحتاج الى ملاحظة السند في مثل هذا المضمون الذي ثبت بمثل هذه الكيفية.

نعم اذا كان فيه لفظ الاذن وفي موثقة سماعه فيه لفظ الرضا فاذا امكننا الجمع بينهما كما تقدم الجمع بينهما اذن ان المناط على طيب النفس وتارة طيب النفس نحرزه عن طريق الاذن واخرى نحرزه بغير طريق الاذن فيكون الاذن كاشفا عن الرضا ، فلا حاجة للمناقشة في حكم ثابت هو من ضروريات الدين ، وتوجد فروع.

الفرع الاول:- ان هذا الرضا تارة يكون رضى فعليا صادرا من المالك واخرى رضى تقديريا يكون المالك غافلا ولكنه لو التفت الى ان هذا الشخص يتوضأ من ماله رصي بذلك. فهل يعتمد على الرضا التقديري او يحتاج الى الرضا الظاهري؟

ظاهر موثقة سماعة الرضا الظاهري فعلي لا الرضا التقديري. ولكن سيرة العلماء وسيرة المتشرعة انهم يكتفون بالرضا التقديري ، وان كانت مقتضى الاحتياط ان يقترن بشيء لكي يثبت الرضا الباطني.

الفرع الثاني:- لو علم ان المالك قد اذن لزيد ولم يأذن لعمر وتوضأ ولم يعلم بان هذا هو الذي اذن له او غيره الذي لم يأذن له.

وهذا من الجهل في الموضوع والجهل بالموضوع عذر فيصح وضوئه.

الفرع الثالث:- ما اذا اذن لشخص شك هذا الشخص بانه هل يشمله الاذن او لا يشمله؟

وحينئذ نرجع الى اصلة عدم جواز التصرف بمال الغير من دون اذنه.

الفرع الرابع:- لو اذن بالوضوء ولكن لم يأذن بشيء اخر وشك هذا المكلف في انه هل يشمل اذنه ازالة الوسخ الموجود على يدية؟ لا يجوز له التصرف الا فيما يعلم انه مأذون به وهو الوضوء وهو القدر المتيقن والزائد يرجع فيه الى صالة عدم جواز التصرف في ملك الغير.

ففي كل مورد يشك المكلف ان الاذن يشمله لو لا يشمله فالمرجع اصالة عدم الجواز.

ثم ذكر السيد المتن (رحمه الله): (مسألة 7): يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار سواء كانت قنوات أو منشقة من شط، وإن لم يعلم رضى المالكين، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين، نعم مع نهيهم يشكل الجواز ، وإذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأول، بل يمكن بقاؤه مطلقا ، وأما للغاصب فلا يجوز، وكذا لأتباعه من زوجته وأولاده وضيوفه، وكل من يتصرف فيها بتبعيته، وكذلك الأراضي الوسيعة يجوز الوضوء فيها كغيره من بعض التصرفات، كالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ينه المالك ولم يعلم كراهته، بل مع الظن أيضا الأحوط الترك، ولكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال: ليس للمالك النهي أيضا))[2] .

كلامنا لحد الان فيما اذا كان الماء محصورا في مكان معين ولكن لو فرض ان هناك نهر كبير فهل يصح الوضوء منها حتى لو لم يكن هناك رضى لو لا يصح؟

الانهار تارة تكون من المباحات كشط الفرات وشط دجلة فلا ريب ولا اشكال في جواز التصرف اذ ليس لهذه الانهار مالك معين حتى يقال اننا نحتاج الى رضا المالك فانه قد ورد (الناس سواء في الماء والكلاء). وكلام الماتن ليس في هذه الانهار الكبار التي ليس لها مالك معين بل هي من المباحات.

واما اذا كانت هناك انهار قد حفرها شخص معين لبستانه او قناة هو حفرها بنفسه فهذه الانهار والشطوط والقنوات التي لها مالك معين سواء كان المالك واحدا او متعددين فهل يصح الوضوء ولو بدون احراز رضا المالك او لا يصح؟

الجواب:- توجد اقوال في المسالة.

القول الاول:- يصح الوضوء ولو بدون رضا المالك.

القول الثاني:- لا يصح الا اذا كان هناك رضا واذن منه.

القول الثالث:- يصح وضوئه ما لم يكن نهي منه.

القول الرابع:- يصح اذا لم يكن في المالكين صغار او مجانين.

واستدل على القول الاول بأمور.

الاول:- السيرة الجارية على هذا فعندما نذهب الى بستان ونرى هذا البستان في نهر كبير فنتوضا منه من دون اذن منهم والسيرة قائمة على هذا.

وقد استدل بأمور اخرى ولكنها قابلة للمناقشة.

الا ان هذه السيرة هل هي كاشفة عن مستند شرعي اولا؟

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص408، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص408، ط جماعة المدرسين.