الموضوع:- شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 5): إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل المباح للباقي، وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده ويصح الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأول ، لأن هذه النداوة لا تعد مالا وليس مما يمكن رده إلى مالكه، ولكن الأحوط الثاني. وكذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الإعادة هل يجب عليه تجفيف ما على محال الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف أو لا؟ قولان، أقواهما الثاني، وأحوطهما الأول.

وإذا قال المالك: إنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها، لا يسمع منه، بناء على ما ذكرنا، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك، ولا يجوز المسح بها حينئذ.))[1] .

ذكرنا ان هذه المسالة تشتمل على ثلاثة فروع وتقدم الكلام في الفرع الاول وهو ان المكلف اذا توضأ بالماء المغصوب جهلا او نسيانا ثم التفت بعد الغسلات فهل يجوز له المسح بالبلة الباقية او لا يجوز؟

وذكرنا ان في المسالة قولان وتقدم الكلام في القول الاول والآن نذكر القول الثاني.

القول الثاني:- ذهب اليه جمع من الفقهاء وهو عدم جواز المسح بهذه البلة الباقية لبقاء ملكيته على مالكه فلو اذن المالك صح ولو لم يأذن المالك لابد من اعادة الوضوء.

ودليلهم ما ذكرناه سابقا وهو.

الاول:- وهو ان هذه الرطوبة ان لم تعد مالا فهي ملك للطرف الآخر ولو شككنا في زوال الملكية عنها فاستصحاب بقاء الملكية موجود ، وكذا لو شككنا في زوال المالية عنها فاستصحاب بقاء المالية موجود.

الثاني:- لو تنزلنا عن ذلك ولكن حق الاختصاص ثابت فان هذا وان سقطت المالية والملكية الا ان حق الاختصاص موجود فلا يجوز ان يتصرف أي احد فيما للاخر فيه حق الاختصاص

الثالث:- ان الضمانات هل هي معاوضة او هي غرامة فان قلنا بمقالة اهل التحقيق من انها معاوضة فالامر واضح والمسح جائز لان ذمته تشتغل بالبدل سواء كان مثلا او قيمة وهذا عوض عن هذا المال التالف فتصير هذه الرطوبة ملكا له.

واما بناء على القول بانه الضمان غرامة فيبقى هذا الشيء التالف على ملكية مالكه الاصلي فلابد من الاذن.

ولكن جميع تلك الادلة اجبنا عنها سابقا ، والحق هو القول الاول وان كان الاحتياط يقتضي القول الثاني.

الفرع الثاني:- ذكر الماتن (رحمه الله) : ((وكذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الإعادة هل يجب عليه تجفيف ما على محال الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف أو لا؟ قولان، أقواهما الثاني، وأحوطهما الأول))[2] .

ودليله نفس دليل الفرع الاول فانه اذا تعمد الوضوء بالماء المغصوب ولكنه اراد الاعادة فحينئذ هل يجب عليه تجفيف هذه الرطوبة الموجودة على محال الوضوء او الصبر حتى تجف او لا يجب؟

الجواب:- يوجد في المسالة قولان.

القول الاول:- عدم وجوب التجفيف وعدم وجوب الصبر اذ ان هذه الرطوبة قد سقطت عن المالية والملكية وانتقلت الذمة الى البدل فهي بحكم التالف ويجب على هذا الغاصب اعطاء البدل من المثل او القيمة ، ونفس الكلام الذي قلناه في الفرع الاول يأتي هنا.

القول الثاني:- يجب التجفيف او يجب الصبر لما ذكرناه سابقا في الفرع الاول مما استدل به من استصحاب الملكية او استصحاب المالية او ثبوت حق الاختصاص او ان الضمان غرامة وليست معاوضة وقد عرفتم الجواب عن ذلك.

اذن الاقوى هو القول الاول والاحوط هو الثاني.

ولكن وجوب التجفيف او وجوب الصبر هو ليس وجوبا تكليفيا وانما هو وجوب شرطي لصحة الوضوء أي ان الوضوء لا يصح مع وجود الرطوبة ، لأنه لو كان وجوبا تكليفيا فلا فرق بين الصب عليه وتجفيفه كلاهما يعد تصرف في ملك الغير.

الفرع الثالث:- قال الماتن (رحمه الله): ((وإذا قال المالك: إنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها، لا يسمع منه، بناء على ما ذكرنا، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك، ولا يجوز المسح بها حينئذ.))[3] .

ففي هذه المسالة اما تكون الرطوبة لا نفع ولا انتفاع بيه او يكون فيها نفع وانتفاع.

اما في صورة عدم وجود النفع والانتفاع ما ذكرناه في الفرعين السابقين يجري أي ان هذه الرطوبة المتبقية على اليد ليست مالا وليست ملكا ولا يمكن ان يكون هناك حق للاختصاص بعد حكم العرف بانه لا مالية ولا ملكية في البين فيسقط حق الاختصاص ، فلو قال ابحت لك التصرف لو قال لا ابيح لك التصرف لا يفيد كلامه شيئا.

واما اذا كان في هذه الرطوبة منفعة فان النزاع بين العلماء في هذه الصورة صغروي ن لان العلماء يرجعون الى العرف في هذا فهل يحكم العرف ان في هذه الرطوبة منفعة او مالية اولا يوجد؟

فمن حكم بانه لا يجوز اذا صرح المالك بعدم الرضا فقد رجع الى العرف واستقى من العرف ان هذه مال او ملك ومن حكم من الفقهاء ان هذه الرطوبة سقطت عن المالية وسقطت عن الملكية ولا حق اختصاص فحينئذ لا قول المالك وتصريحه بعد الرضاب التصرف لا يؤثر في البين فيصح المسح بهذه الرطوبة.

ختام:- وفيه فروع.

الفرع الاول:- لا ريب انه لا يجوز التصرف في مال الغير وفي ملك الغير بدون اذنه ورضاه فقد تطابقت الشرائع الالهية على ذلك وحكم العقل ايضا به لأنه من الظلم والعدوان , وحينئذ لابد من وجود اذن من المالك.

وهذا الاذن اما ان يكون اذنا صريحا من المالك كالفظ مثل قوله ابحت لك واذنت لك ، او يكون الاذن بالأولوية في البين كما لو قد الماء لشخص اخر ليتلفه فلا ريب انه يقبل بالوضوء به بطريق اولى ، وتارة اخرى الاذن يستكشف من شاهد الحال اذ من استضاف شخصا وقدم له الطعام والشراب فلا ريب ان هناك شاهد حال في جواز التصرف بالماء الموجد بالوضوء والتطهير بشرط عدم الاضرار.

الفرع الثاني:- الاباحة تارة تكون انما تستند الى شخص بعنوانه وشخصيته كان يكون مالكا فيجوز التصرف فيها ، واخرى تكون الاباحة من الاباحات الاصلية كالأنهار والبحار فيجوز التصرف والتوضي من ماء الانهار والآبار وثالثة تكون الاباحة حاصلة من العناوين العامة او العناوين الخاص كالاوقاف العامة او الاوقاف الخاصة بحيث ينطبق عنوان الوقف الخاص على المتوضيء ايضا يصح التصرف لهذا الاذن ، وتارة تكون الاباحة حاصلة من مملوكية المنفعة كما في موارد الاجارة.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص405، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص405، ط جماعة المدرسين.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص407، ط جماعة المدرسين.