الموضوع:- شرائط الوضوء.

تقدم ذكر ادلة من قال ببطلان وضوء الجاهل والناسي وايضا ناقشناها وقلنا انه بالمناقشة العلمية يمكن ان نقول بان هذا الضوء الذي صدر من هذا الجاهل المقصر انما هو وضوء عذري بالنسبة اليه فانه قد تمشى منه قصد القربى وكانت شروط الوضوء متوفرة فيصح وضوئه حينئذ ويسقط الامر باتيان هذا المأمور به.

الا ان الاجماع قائم على بطلان عبادة الجاهل المقصر ، فقد اجمع الفقهاء على ان الجاهل اذا كان مقصرا في تعلم الاحكام او في تعيين الموضوعات على بطلان عبادته ومع وجود هذا الاجماع فلا يمكن القول بصحة وضوء هذا الجاهل المقصر.

اذن بحسب القواعد وظواهر الادلة يمكن تصحيح وضوئه ولكن الاجماع قائم على بطلان وضوئه.

وكذا فيما اذا كان النسيان يعد تساهلا في الدين ولا مبالات في الاحكام ايضا مثل هذا لا يعد معذورا ، وادلة العذر منصرفة عن هذا.

وكذا الجاهل القاصر اذا كان متساهلا في امور دينه ولا يبالي بدينه ، فحكموا ببطلان وضوء الجاهل مطلقا قاصرا او مقصرا وبطلان وضوء الناسي المتساهل.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر وجه الاحتياط في كلام السيد المتن (رحمه الله) حيث ذكر ان وضوء الجاهل مطلقا صحيح وكذا الناسي الا انه قال والاحوط الاعادة ن بل نقول الاقوى ذلك.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 5): إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل المباح للباقي، وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده ويصح الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأول ، لأن هذه النداوة لا تعد مالا وليس مما يمكن رده إلى مالكه، ولكن الأحوط الثاني. وكذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثم أراد الإعادة هل يجب عليه تجفيف ما على محال الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف أو لا؟ قولان، أقواهما الثاني، وأحوطهما الأول.

وإذا قال المالك: إنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها، لا يسمع منه، بناء على ما ذكرنا، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك، ولا يجوز المسح بها حينئذ.))[1] .

اذن اذا توضأ ولم يعلم بغصبية الماء فلماء الى المسح التفت الى الغصبية فهل يصح له ان يمسح بهذه البلة الباقية او لا يصح له ان يمسح بهذه البلة الباقية بل لابد من اعادة الوضوء؟

الجواب:- يوجد قولان في المسالة.

القول الاول:- صحة المسح بهذه البلة الباقية على يده وذهب اليه جمع من الفقهاء منهم المحقق الاردبيلي في مجمع البرهان حيث ذكر نظير هذه فقال لو خاط ثوبه بخيط مغصوب صح الصلاة في هذا الثوب المغصوب لعدم كون هذا الخيط من المال ، ثم قال وقيل بجواز المسح بالبلة الباقية على اليد اذا التفت الى ان الماء مغصوب.

ودليل هذا القول بان هذه البلة لاتعد مالا ولا ملكا فاذا لم يكن مالا ولا ملكا صحة المسح بهذه البلة الباقية.

نعم يتعين على هذا المتوضيء دفع العوض الى المالك الا ان العرف لا يرى ان هذه البلة وهذه الرطوبة مال ولا ملك اذ ان المال والملك عنوانان يشتركان في حكم واحد وهو عدم جواز التصرف فيهما الا بإذن مالكهما ، ولكنما يختلفان في ان الملك ربما لا تكون له عوض كحبة الحنطة والمال انما يجب التعويض اذا اتلفه بالمثل او القيمة.

والكلام في هذه البلة والرطوبة الموجودة على اليد هل هي ملك او هو مال او لا ينطبق عليه لا عنوان الملك ولا عنوان المال؟

الجواب:- الذي يستفاد من كلام السيد الماتن (رحمه الله) في المقام من ان هذه الرطوبة الباقية لا هي مال ولا هي ملك لأنه لا يمكن الانتفاع به فلا ملكية له وكذا هو ليس بمال اذ لا يمكن ارجاعه الى المالك حينئذ لأنه اذا قلنا انه مال حينئذ يجب ارجاعه الى مالكه ولكنه لا يمكن ارجاعه الى المالك لأنه قد تلف ، اذن لا ينطبق عليه عنوان الملك ولا ينطبق عليه عنوان المال ولكن يتعين على الغاصب اعطاء العوض الى المالك.

ونظير هذا انه لو غصب ماء وصبه على الارض فانه وان كانت توجد رطوبة في الارض ولكن هذه الرطوبة لا تسمى ملكا لعدم امكان ارجاعها الى المالك ولا تسمى مالا لعدم الانتفاع به.

وكذا لو غسل ثوبه بماء مغصوب والرطوبة باقية في هذا الثوب فتجوز الصلاة في هذا الثوب لان هذه الرطوبة لا ملك ولا مال ، كذا لو غسل بدنه بماء مغصوب فتصح الصلاة قبل جفاف الرطوبة الموجودة على البدن لان هذه الرطوبة لا ملك ولا مال.

هذا ما ذكروه وهو الذي يساعده الفهم العرفي فان هذه البلة والرطوبة الموجودة على اليد لا تسمى عند العرف لا ملكا ولا تسمى مالا لعدم ترتب اثار الملكية ولا اثار المالية عليها لا الانتفاع منها ولا ارجاعها فيتعين عليه العوض.

الا انه اشكل عليه بوجهين:-

الوجه الاول:- وهو انه وان سقطت المالية وسقطت الملكية ولكن حق الاختصاص باق فان المالك له حق الاختصاص في هذا ويجب على الغاصب الارجاع لأجل حق الاختصاص.

وجوابه:- ان العرف يرى ان مثل هذا الحق ساقط فاذا كان الشيء قد سقطت ماليته وسقطت ملكيته فان العرف لا يرى في هذا حق الاختصاص وانما يتعين عليه دفع العوض فيجب على الغاصب دفع العوض مثلا او قيمة.

الوجه الثاني:- ان الاستصحاب جارٍ في المقام فإننا نشك في ان الرطوبة الباقية على اليد هل انه يوجب الخروج عن الملكية ولكن استصحاب بقاء الملكية واستصحاب بقاء المالية جار فيمكن ان نقول انها ملك او مال فلا يجوز التصرف.

وجوابه:- ان الموضوع اختلف فان العرف لا يرى لهذه الرطوبة الموجودة على اليد لا يرى لها لا ملكية ولا مالية وانما يرى انه على الغاصب العوض ، اذن اذا انتفى الموضوع فلا مجرى للاستصحاب.

وقد تقدم في بحث المكاسب انه هل الضمانات عوض او الضمانات غرامة ، فان قلنا بان الضمان معاوضة بالمثل او القيمة كما ذهب اليه صاحب الجواهر (قدس سره) والشيخ الانصاري (قدس سره) والسيد الماتن (قدس سره) في حاشيته على المكاسب وكذا المقدس الاردبيلي (قدس سره) وجمع من الفقهاء فيكون الامر واضح في المقام فان الرطوبة الباقية التي يريد ان يمسح بها صارت ملك للغاصب ويجب عليه دفع العوض الى مالك هذه الرطوبة.

واما اذا قلنا ان الضمان غرامة وليست معاوضة فيمكن الاستشكال في المقام بان هذه غرامة وهذه الرطوبة باقية على ملك المالك وانما يجب عليه غرامة هذه الرطوبة فلا يجوز المسح بهذه الرطوبة ولكن ذكرنا من الادلة ما يدل على ان الضمان ولو كان غرامة الا هذا لا ملك ولا مال عرفا فيصح الوضوء.

القول الثاني:- ذهب اليه جمع من الفقهاء وهو عدم جواز المسح بهذه البلة الباقية لبقاء ملكيته على مالكه فلو اذن المالك صح ولو لم يأذن المالك لابد من اعادة الوضوء.

اما دليله سياتي ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص405، ط جماعة المدرسين.