الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- شرائط الوضوء.
كان الكلام في شرطية اباحة ماء الوضوء هل انه شرط واقعي او شرط ذكري؟ وذكرنا انه بالنسبة الى اطلاق الماء وطهارته وعدم المانع هي من الشروط الواقعية وليست هي من الشروط الذكرية فلو توضأ بالماء المضاف نسيانا او جهلا لم يصح منه الوضوء وكذا لو توضأ بالماء النجس جهلا او نسيانا لم يصح الوضوء وكذا لو توضأ وكان على احد مواضع الوضوء حاجب جهلا او نسيانا او غفلة فلا يضح الوضوء لان هذه الشروط واقعية.
ولكن هل الاباحة في هذه الموارد الاربعة ـــ اباحة ماء الوضوء واباحة المكان واباحة الظرف واباحة المصب ـــ شرط ذكري ام انه شرط واقعي؟
الجواب:- اختلف الفقهاء في هذا على اقوال.
القول الاول:- ان هذه الشروط الاربعة هي شروط ذكرية فلو توضأ الجاهل بالماء المغصوب او في الظرف المغصوب او المكان المغصوب او في المصب المغصوب فيصح منه الوضوء مطلقا سواء كان هذا الجهل جهل بالحكم او جهل بالموضوع وسواء كان هذا الجهل عن تقصير او عن قصور وكذا في صورة النسيان، وهذا هو الذي اختاره السيد الماتن (رحمه الله) بل هو المشهور عند المتأخرين.
واستدل على هذا القول بأمور.
الامر الاول:- ان هذا الفعل الذي صدر من المكلف النهي فيه[1] نهي نفسي يكشف عن مبغوضية هذا الشيء ومع الجهل لا مبغوضية اذ الفرض انه جاهلا بالحكم او بالموضوع او ناسيا للموضوع او ناسيا للحكم، لان النهي انما يكون موجبا للمبغوضية اذا كان فعليا في حق المخاطب واما اذا لم يكن فعليا لأجل الجهل مطلقا او النسيان مطلقا فانه لا مبغوضية في البين.
الامر الثاني:- حديث الرفع فان حديث الرفع له اطلاق يشمل ما اذا كان النسيان عن تقصير او غير تقصير وكذا يشمل الجهل مطلقا فيصح منه الوضوء.
الامر الثالث:- ان الاجماع الذي ادعي في المقام معقده مختص في صورة العمد أي مع العلم والالتفات، اما في صورة غير العلم والالتفات فلا اجماع في البين وهو خارج عن معقد الاجماع، بل عن صاحب مفتاح الكرامة (رحمه الله) انه ادعى الاجماع على صحة الوضوء من الجاهل سواء كان جاهلا بالحكم او الموضوع.
الامر الرابع:- ان هذه العبادة التي صدرت من هذا الجاهل يمكن التقرب بها لأنه لا يمكن التقرب بها الا فيما اذا كان عالما بالغصبية اما اذا كان جاهلا بالغصبية او كان ناسيا للغصبية فيمكن ان يحصل منه قصد القربى ويمكن التقرب بهذا الشيء، والمبغوضية الواقعية لا تكون مانعا عن صحة التقرب بالعمل اذا كان جاهلا او ناسيا للحكم او الموضوع.
القول الثاني:- قالوا انه لا يصح الوضوء من الناسي اذ ذكر العلامة في القواعد في ان من سبق منه العلم فهو كالعالم والناسي سبق منه العلم فهو كالعالم ونحو هذه العبارة ايضا في التذكرة.
واستدل على ذلك بان الناسي بمنزلة العلم لأنه قد فرط في نفسه فهو بمنزلة العالم.
واشكل عليه:-
اولاً:- ليس كل نسيان هو تفريط من ناحية المكلف، نعم قد يكون الانسان غير مبالٍ وهذا يعتبر عند العرف بمنزلة العالم وهو مفرط ولكن قد لا يكون مفرط بالنسبة الى نفسه، اذن هذا نزاع صغروي.
ثانياً:- حديث الرفع يشمل كلاهما فان النسيان احد التسعة الموجودة في حديث الرفع وهو يشمل ما اذا كان عن تفريط او غير تفريط.
ان قيل:- ان معذرية الجاهل في هذا الحديث مع انه قد لا يكون معذورا في بعض الموارد وحينئذ ليكن الناسي مثله، ففي الشبهات الحكمية قالوا ان الجاهل غير معذور الا بعد الفحص، فليكن الناسي مثله غير معذور.
قلت:- ان في الجاهل دليل خاص أي ورد ان الجاهل في الحكم لا يشمله حديث الرفع قبل الفحص وارسلوا ذلك ارسال المسلمات ولم يرد مثل هذا الدليل في النسيان فلذا قالوا بإطلاق حديث الرفع بالنسبة الى النسيان.
القول الثالث:- نفس هذا القول لكن اذا كان هناك تفريط من الناسي، فان الناسي معذور فيما اذا لم يكن مفرطا في حق نفسه اما اذا كان مفرطا في حق نفسه فهو غير معذور.
ويرد عليه:- ان اطلاق حديث الرفع يشمل كليهما، والاشكال عليه بانه في الجاهل غير معذور في بعض الموارد فليكن الناسي مثله وجوابه نفس الجواب.
القول الرابع:- ان الجاهل بالحكم او الموضوع غير معذور وسواء كان قاصرا او مقصرا، وكذا بالنسبة الى النسيان اذا كان عن تفريط واما اذا لم يكن مفرطا فهو معذور وهذا القول اختاره بعض الفقهاء ويذكره المصنف.
واستدل عليه:- بان ما ذكروه اصحاب القول الاول ـــ من ان هذا العمل اذا كان مبغوضا واقعا فان الجاهل والناسي يتمشى منه قصد القربى فاذا تحقق العمل جامعا للشرائط ومن تلك الشرائط تحقق قصد القربى فيصح العمل ويسقط الامر بالنسبة اليه ـــ لا يجري في المقام لأنه لا يمكن ان يكون العمل في حد نفسه مبغوضا عند المولى واقعا ومع ذلك يتقرب به للمولى حتى لو كان هذا المكلف جاهلا، ففي صورة الجهل لا يمكن التقرب به فلا يصح ولذا استحق الجاهل في المقام العقاب لأجل العمل المبغوض لا لأجل ترك التعلم.
وجوابه:- انه قد ظهر مما ذكرنا ان المبغوضية الواقعية لا تضر اذا صدر العمل من المكلف جامعا للشرائط ومنها قصد القربى، فمجرد كون الفعل مبغوضا في الواقع وانه معذورا في اتيانه لا يضر.
اما ظاهر الحديث هو ان العقاب على ترك العمل لأنه جاهل وقد ترك العمل بالكلية لا مجرد ارتكاب العمل المحرم بل العقوبة لأنه ترك التعلم الذي يؤدي الى ترك العمل، ولو شككنا في عموم العقاب ليشمل هذا الجاهل فنقول هذا العموم مردود.




[1] - أي النهي بالتوضأ بالماء المغصوب.