الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- احكام الوسواسي.

(مسألة 47): يشكل صحة وضوء الوسواسي إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء من جهة لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الأوقات، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلة الكف دون رطوبة سائر الأعضاء يجئ الإشكال في مبالغته في إمرار اليد، لأنه يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع))[1] .

تعلمون ان في كثير من الاوقات الوسواسي يمسح على اليد لحصول اليقين عنده بوصول الماء الى البشرة ، ولكن زيادة المسح ـــ بالماء على اليسرى ـــ يضر بالوضوء لان المناط في صحة الوضوء هو المسح بالبلة الموجودة على الكف الباقية بعد الغسل الواجب ن فلو زاد في غسل اليد مرارا بعد تحقق الغسل الواجب فهذا المسح الزائد وزيادة الماء مما يصدق عليه انه ليس من البلة بل هو ماء جديد فيشك في صحة هذا البلل فلا يصدق عليه.

هذا اذا قلنا ان وضوء الوسواسي في الجملة صحيح ، واما اذا قلنا ان وضوء الوسواسي وعمل الوسواسي باطل في حد نفسه لأنه من اطاعة الشيطان والعمل هذا مبغوض ولا يمكن التقرب بهذا العمل المبغوض لله فحينئذ لا يمكن القول بصحة هذا الوضوء ابدا.

اذن الامر يدور بين ان نقول ببطلان عمل الوسواسي لأنه من اطاعة الشيطان وهذا باطل واما ان نقول ان عمل الوسواسي في الجملة صحيح الا اذا خرج عن الحد المتعارف جدا ، فان هذا النوع من المسح الزائد الذي يزيد الماء على غسل اليد فيمسح كثيرا ويغسل كثيرا بعد تحقق الغسل الواجب انما هذه زيادة من الماء وحينئذ يوجب ان لا تكون البلة الموجودة على اليد من بلة الوضوء ولو كانت هذه البلة متحققة من المزج بماء الغسل فلا يصدق عليه هذا العنوان فيبطل وضوئه من هذه الناحية ، هذا هو الذي ذكره السيد الماتن (رحمه الله).

ولكن يذكر فرعا آخر في ضمن هذه المسالة (بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلة الكف دون رطوبة سائر الأعضاء يجئ الإشكال في مبالغته في إمرار اليد، لأنه يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع)

تارة الوسواسي يصب الماء كثيرا على اليد ويمسح على اليد ويغسل اليد ويغسل الذراع وهذا هو الفرع الاول وهو عبارة عن زيادة الماء بعد تحقق الغسل الواجب فلا تبقى البلة من الغسل الواجب.

واخرى يمسح كثيرا على الماء بعد تحقق الغسل الواجب فيمسح ويمرر يده كثيرا. وتوجد حالتان:-

الحالة الاولى:- ان قلنا سابقا بانه يكفي بلة الوضوء حتى من رطوبة سائر الاعضاء فيمكن الفول بصحته لأنه عضو ، فان هذا يمرر يده مرارا وكرارا على اليد وهذه الرطوبة من رطوبة اعضاء الوضوء فلا اشكال من هذه الناحية.

الحالة الثانية:- ان قلنا بانه لابد ان يمسح بالبلة الباقية بعد تحقق الغسل الواجب فإمرار اليد كثير بعد تحقق الغسل الواجب ايضا رطوبة خارجة لا تسمى بلة الكف الباقية وحينئذ يبطل الوضوء من هذه الناحية.

اذن وضوء الوسواسي على نحوين فتارة يزيد الماء ليتحقق الغسل الواجب عنده مع ان الغسل الواجب قد تحقق مرة واحدة وحينئذ هذه البلة ليست بلة الوضوء وليست البلة الباقية ، واخرى يمرر يده على اليد كثيرا للإستيقان بان الماء وصل الى اجزاء البشرة فان الغسل الواجب قد تحقق ولكن هذه زيادة ، وحينئذ ان قلنا ان الرطوبة من سائر الاعضاء لا توجب بطلان المسح فالامر صحيح واما اذا قلنا بان البلة على الكف من بقية الوضوء ومن بعد الغسل الواجب فتكون هذه رطوبة خارجة عن البلة الباقية فيبطل الوضوء من هذه الناحية.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 48): في غير الوسواسي إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه أنه غسل واحد ، نعم بعد اليقين إذا صب عليها ماء خارجيا يشكل وإن كان الغرض منه زيادة اليقين، لعده في العرف غسلة أخرى، وإذا كان غسله لليسرى بإجراء الماء من الإبريق مثلا وزاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعد غسلة واحدة))[2] .

اما غير الوسواسي فان بالغ في امرار اليد على اليسرى فانه اذا كان غسلا واحدا فلا اشكال فيه لأنه غسل واحد وهذه البلة هي بلة الباقية من الغسل الواجب وليست زائدة فيه ، فيفترق عن الوسواسي بان الوسواسي ما كان فعله من الشيطان ولذا ابطل وضوئه من هذه الناحية ، واما غير الوسواسي فهو يريد اليقن بإيصال الماء الى البشرة فيمرر يده على اليسرى مرارا فما دام انه يصدق عليه غسل واحد وهو الغسل الواجب فلا يضر امرار اليد حينئذ.

الا ان غير الوسواسي عندما يمرر يده كثيرا على اليسرى فهذا لأنه يشك في وصول الماء الى البشرة فيستصحب حينئذ ولذلك اعتمد الفقهاء على هذا الاستصحاب وهو استصحاب الصحة فلا اشكال في وضوئه ، بخلاف الوسواسي فان هذا النوع من الاستصحاب لا يجري في حقه فهو وان كان بالنسبة الى الوسواسي وغير الوسواسي على حد سواء ويجري في حقهم الاستصحاب الا ان الاستصحاب منقطع بالنسبة الى الوسواسي لان شكه زائد عن المتعارف بينما غير الوسواسي لو قلنا ببطلان الوضوء بالنسبة اليه فهو يستلزم الحرج بالنسبة الى سائر المتوضين اذ كثير من المتوضين لا ينفك عن مثل هذا الشك فلو ابطلنا وضوئه بمثل ما ابطلنا وضوء الوسواسي لوقع الناس في الحرج ولذا قالوا بصحة وضوء غير الوسواسي لو كان امرار اليد كثيرا لتحصيل اليقين بالبراءة.

ثم قال (رحمه الله) ولو كان هذا الشخص غير الوسواسي يصب الماء على يده كثير بان اخذ الابريق ويصب الماء على اليد ويغسل اليد حينئذ فأيضا في هذا القسم قال بانه لا اشكال فيه ، فهذا الفرع مثل الفرع الاول في الوسواسي.

ولكن لو دققنا لوجدنا انه لا فرق بين الوسواسي وغير الوسواسي من هذه الجهة فهو زيادة ماء على اليد وزيادة الماء بعد تحقق الغسل الواجب فهذه الزيادة ليست من بلة الوضوء فيبطل مسحه حينئذ.

الا ان الاستصحاب يجري في حق غير الوسواسي ولا يجري في حق الوسواسي فيختلفان من حيث الحكم التكليفي فان عمل الوسواسي بحد نفسه اطاعة للشيطان فيكون حراما بينما عمل غير الوسواسي لا يكون كذلك فلا يكون حراما ، واما ان صب الماء كثيرا من غير الوسواسي فهو لا يضر فانه لم يصل الى الاسراف المحرم كما تقدم سابقا.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 49): يكفي في مسح الرجلين المسح بواحدة من الأصابع الخمس إلى الكعبين، أيها كانت حتى الخنصر منها))[3] .

وهذا للاطلاق وظهور الاتفاق وصرح به جمع من الفقهاء ايضا فيجوز مسح الرجل باصبع واحد من اصابع اليد ولو كان ذلك الاصبع هو الخنصر.

وبذلك ينهي الكلام في مسائل الوضوء ويدخل في فصل شرائط الوضوء.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص397، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص397، ط جماعة المدرسين.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص398، ط جماعة المدرسين.