الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتـقـيـة.
ذكرنا ان المسح على الخفين ان كان لأجل ضرورة غير ضرورة التقية فقد ذكروا انه لا فرق بين المبادرة والابطال قبل دخول الوقت فتجب المبادرة الى الوضوء ويحرم الابطال وبعد دخول الوقت.
اما في التقية فاذا كانت الضرورة ضرورة التقية فقلنا انه يجوز له ترك المبادرة ويجوز له ابطال وضوئه لان في التقية سعة لا توجد هذه السعة في سائر الضرورات فان الادلة التي دلت على مشروعية التقية تدل على ان مصلحة التقية يتدارك بها مصلحة الواقع، وانه لا يشترط في مورد التقية عدم وجود المندوحة والمقام من هذا القبيل.
ولكن يقد يقال:- ان هذه الاطلاقات والعمومات قد تعارض بروايات اخرى تدل على جواز التقية في مورد المسح على الخفين، فلو ترك الوضوء ولم يبادر الى الوضوء لوقع في المسح على الخفين تقية او كان متوضأ وابطل وضوئه فوقع في ضرورة المسح على الخفين تقية فقد ذكرنا ان الاطلاقات والادلة تشمل ذلك ولا اشكال في مورد التقية فيجوز المسح على الخفين فان مصلحة التقية تقوم مقام مصلحة الواقع.
الا انه توجد روايات تدل على عدم جواز المسح على الخفين ولا تقية في الخفين، وحينئذ هل نرفع اليد عن الاطلاقات لأجل هذه الروايات ام نرفع اليد عن هذه الروايات اما لضعف اسانيدها او لضعف دلالتها ونبقى على اطلاقات ادلة التقية وعموماتها.
والكلام في ذلك يقتضي ذكر الروايات وذكر ما يتعلق بها.
الرواية الاولى:- صحيحة زرارة ((قال: قلت له: (في مسح الخفين) تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج.  قال زرارة: ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا))[1].
فقوله ((لا اتقي منهن احدا)) توهم الراوي والسائل وهو زرارة على انه هذه التقية مختصة به (عليه السلام) إذ لو كان عاما لقال (لا يتقى) ولا يقول (لا اتقي)، واذا كان كذلك فهذا معناه ان هذه الرواية مختصة بالإمام (عليه السلام) ولا تشمل غير الامام وحينئذ تجوز التقية في هذه الثلاثة ايضا، فلا تعارض بين هذه الرواية والاطلاقات والعمومات.
الا ان هذه الرواية معارضة برواية اخرى صريحة في ان التقية عامة للإمام وغير الامام وهي من نفس هذا الراوي وهو زرارة.
الرواية الثانية:- صحيحة زرارة التي رواها الكليني ((قال قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه ‌السلام)  : فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ تَقِيَّةٌ؟ قَالَ : «لَا يُتَّقى فِي ثَلَاثَةٍ». قُلْتُ : وَمَا هُنَّ؟ قَالَ : «شُرْبُ الْخَمْرِ ـ أَوْ قَالَ : شُرْبُ الْمُسْكِرِ ـ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ))[2].
وقوله (لا يتقى) يعني الجميع سواء كان امام او غيره، فما توهمه السائل في تلك الرواية قد ارتفع بهذه الصحيحة، وهي صريحة في عدم اختصاص الحكم بالامام (عليه السلام).
الرواية الثالثة:- ما رواه الكليني عن درست الواسطي، عن محمد بن فضل الهاشمي ((قال : دخلت مع اخوتي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلنا له : إنا نريد الحج وبعضنا صرورة، فقال : عليك بالتمتع، ثم قال : إنا لا نتقي أحدا بالتمتع بالعمرة إلى الحج، واجتناب المسكر، والمسح على الخفين، معناه أنا لا نمسح))[3].
الرواية الرابعة:- ما رواه المشايخ الكليني والبرقي والصدوق (قدس الله اسرارهم) عن ابي عمر الاعجمي ((عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ انه قال : لا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين)). وزاد في الخصال ((وزاد : إن تسعة أعشار الدين في التقية))[4].
هذه الرواية انما ورد فيها اثنان فقط في النبيذ وفي المسح على الخفين ولم يرد فيها متعة الحج ولكن لا ضير في ذلك بعد ورود متعة الحج في روايات اخرى.
فهذه هي الروايات الواردة في المقام التي تدل على عدم التقية في الموارد الثلاثة.
فاذا كانت الاطلاقات والعمومات تدل على ان التقية في كل شيء فلابد من تخصيصها بهذه الموارد الثلاثة.
ولكن هذه الرواية الرابعة لم يذكر فيها متعة الحج الا ان المحقق الهمداني (رحمه الله) رواها في كتابه مع ذكر مع ذكر متعة الحج، ولعله عثر على ما لم نعثر عليه.
واورد على هذه الروايات:-
الاشكال الاول:- قد اشكل السيد الخوئي (رحمه الله) على تلك الروايات بضعف سند الاخيرة فقد ورد فيها ابي عمر الاعجمي، فقال انه مجهول من جميع الجهات فهو مجهول من جهة تشيعه وعدمه ومجهول من جهة وثاقته، وكذا اشكل على الرواية الثالثة فقال ان ابي الفضل الهاشمي ضعيف مجهول الحال وكذا دروست مجهول الحال فلا يمكن الاعتماد على هاتين الروايتين.
ولكن ذكرنا مرارا انه ليس المدار على وثاقة الراوي بالعمل في الروايات بل المدار على الوثوق بالصدور وبما ان مضمون هاتين الروايتين وارد في روايات صحيحة اخرى فيكفي ذلك في الوثوق في الصدور.
مع ان كل مجهول الحال لابد من طرحة فهذا يأتي بحثه في محله.
الاشكال الثاني:- ان الرواية الاولى وهي صحيحة زرارة حيث انه السائل فهم من هذا الحكم مختص بالامام (عليه السلام) ولم يرد شيء يدل على ان هذا عام لجميع الشيعة.
اما الصحيحة الاخرى التي ورد فيها (ثلاثة لا يتقى فيهن) فهي تامة من حيث الدلالة وتامة من حيث السند ولكن هذه الرواية تعارضها رواية ابي الورد الدالة على ان التقية جارية حتى في مسح الخفين فيقع التعارض بينهما، فان قلنا ان رواية ابي الورد تامة من حيث السند والدلالة فيقع التعارض بينهما فلابد من العلاج بينهما لان رواية ابي الورد تدل على الجواز وهذه الرواية تدل على المنع والجمع بينهما بان نحمل هذه الرواية على الكراهة وهذا من اظهر موارد الجمع بين النفي والايجاب، واما اذا قلنا بان رواية ابي الورد ضعيفة من حيث السند كما ذكرنا في محله فحينئذ يقع التعارض بين صحيحة زرارة وبين الاطلاقات والعمومات فهل نرفع اليد عن الاطلاقات والعمومات من اجل هذه الصحيحة ونقول انه لا تجوز التقية في الخف او نرفع اليد عن هذه الصحيحة لأجل تلك الاطلاقات والعمومات فنقول بجواز المسح على الخف تقية؟
الجواب:- اختار السيد الخوئي (قدس سره) الثاني وقال ان هناك قرائن تدل على صحة هذا. وسياتي ذكر تلك القرائن ان شاء الله تعالى.


[1] - وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص457، ابواب الوضوء، الباب38، ح1، ط آل البت (عليهم السلام).
[2] - الكافي، للشيخ الكليني، ج12، ص727، ح12، ط دار الحديث.
[3] - وسائل الشيعة، العاملي، ج11، ص241، ابواب عمرة التمتع، الباب3، ح3، ط آل البيت (عليهم السلام).
[4] - وسائل الشيعة، العاملي، ج16، ص215، ابواب التقية، الباب25، ح4، ط آل البيت (عليهم السلام).