الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتـقـيـة.
كان الكلام فيما اذا ترك التقية في موردها واتى بالوظيفة الواقعية فهل يبطل العمل او ان العمل صحيح نظرا الى انه مطابق للوظيفة الواقعية؟
وقلنا ان المستفاد من الادلة الوظيفة الفعلية لهذا المكلف في مورد التقية ان يعمل بما تقتضيه التقية ولو خالف ذلك فيكون الفعل منهيا عنه واذا كان عباديا فلا يمكن ان يتوصل به الى العبادة وقلنا ان هذا في جميع الموارد يجري سواء كان مورد التقية فعلا او كان مورد التقية تركا، فان الادلة دلت على ان الفعل الذي يأتي به المكلف في مورد التقية مخالفا للتقية فهو ليس موردا للتشريع.
هذا ما تقدم وقلنا ان صاحب الجواهر (قدس سره) جزم به والمحقق الهمداني (قدس سره) جزم بذلك وكثير من الفقهاء وان جعله السيد المان على اشكال ولكنه في غيره من الموارد يقول بذلك.
الا ان السيد الخوئي (قدس سره) فصل في المقام وقال انه تارة يكون مورد التقية فعلا وتارة يكون تركا وذكرنا ما يتعلق بالفعل فقد قال انه لو فعل هذا الشيء فلا يمكن القول ببطلان هذا الفعل وان كان منهيا عنه لأنه اتى بالوظيفة الواقعية وذكرنا انه مردود بمقتضى تلك الادلة وهي انه ((لا دين لمن لا تقية له)) أي ان هذا الفعل الذي اتى به وان كان موافقا للوظيفة الواقعية ولكنه ليس من الدين وانه (لا ايمان لمن لا تقية له)) أي ان هذا الفعل الذي فعله هذا مطابقا للوظيفة الواقعية ومخالفا للوظيفة الفعلية التي هو عليه لا يكون هذا الفعل من الايمان.
اما اذا كان موضع التقية ترك شيء ولكنه يخالف التقية ويفعل ذلك الشيء وضرب مثالا بالسجدة على التربة الحسينية فانه قال ان مقتضى التقية ان يترك السجدة على التربة الحسينية ولكنه خالف وسجد على التربة الحسينية فقال انه يمكن القول ببطلان العمل لأنه خالف وفعله محرم اذ لا اشكال في ان ترك التقية حرام وهذه الحرمة موضوعها العبادة فتبطل العبادة باعتبار انها سجدة مبغوضة لا يمكن ان تكون هذه السجدة من اجزاء الصلاة فلا يمكن تصحيح العمل.
الا انه هنا لو امكن هذا الشخص تبديل هذه السجد واتى بسجدة ثانية فان هذه السجد الثانية طبق الواقع او طبق الوظيفة الفعلية فانه يمكن القول ببطلان الصلاة ايضا لان هذه السجد زيادة في المكتوبة اذ ورد في الروايات انه لا يجوز قراءة سورة العزائم في الصلاة لان السجد زيادة في المكتوبة فكل سجد زائدة في الصلاة توجب بطلانها.
واما اذا لم تكن كذلك كما لو كانت التقية في ترك القنوت ولكنه فعل القنوات فحينئذ هذا الفعل لا يوجب بطلان لان هذا امر مستحب وان فعل محرما حيث خالف التقية.
ولكن هذه الصلاة مع اتيان القنوت مبغوضة عند المولى وليست من الدين وليست من الايمان وليست من الحسنة.
ثم قال ان الزيادة التي يأتي بها تارة تكون مطلقا مبطلة في الفعل ولو لم تكن سجدة وحينئذ نقول يمكن القول بالبطلان باعتبار ان هذا الجزء المكرر وان كان موافقا للوظيفة الفعلية ولكنها زيادة وكل زيادة في الصلاة موجبة للبطلان، واما اذا لم نقل بذلك وقلنا بان الزيادات التي توجب البطلان محصورة في موارد معينة أي الاركان ونحو ذلك فالكلام نفس الكلام فان هذا الفعل مبغوضا عند المولى فلا يمكن التقرب به.
اذن القاعدة العامة هي من ترك الوظيفة الفعلية الموافقة لمذهب المخالفين في مورد التقية يوجب بطلان ذلك العمل سواء اتى بالوظيفة الواقعية او لم يأتي بالوظيفة الواقعية.
ذكر السيد الماتن (قدس سره): (مسألة 37): إذا علم بعد دخول الوقت أنه لو أخر الوضوء والصلاة يضطر إلى المسح على الحائل فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة التقية، وإن كان متوضئا وعلم أنه لو أبطله يضطر إلى المسح على الحائل لا يجوز له الابطال، وإن كان ذلك قبل دخول الوقت فوجوب المبادرة أو حرمة الإبطال غير معلوم، وأما إذا كان الاضطرار بسبب التقية فالظاهر عدم وجوب المبادرة وكذا يجوز الإبطال، وإن كان بعد دخول الوقت، لما مر من الوسعة في أمر التقية، لكن الأولى والأحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الإبطال))[1].
الكلام في هذه المسالة يقع في مقامين تارة يكون بعد دخول الوقت وتارة أخرى قبل دخول الوقت.
المقام الاول:- اما بعد دخول الوقت فلو لم يكن متوضأ ولكن لو لم يبادر الى الوضوء لوقع بعد ذلك في الوضوء الاضطراري فحينئذ هل يجب عليه المبادة في هذا الفرض اولا؟، او انه كان متوضئا ولكن لو اراد ان يبطل وضوئه لوقع في الضوء الاضطراري، فهل يحرم عليه ابطال وضوئه او لا يحرم؟
فيوجد هنا فرعان الاول ما اذا اراد التوضي بعد دخول الوقت فلو لم يتوضأ لوقع في الوضوء الاضطراري، والثاني انه لو كان متوضأ ولكنه لو ابطل وضوئه لوقع في الضوء الاضطراري فهل يجب المبادرة في الاول ام لا يجب؟ وهل يجوز الابطال في الثاني او لا يجوز؟
الجواب:-  يجب في الاول المبادة ويحرم عليه ابطال وضوئه.
ودليله:- لو انه لو لم يبادر الى الوضوء قبل حلول الاضطرار ولو ابطل وضوئه ثم وقع في الاضطرار فهو ترك للمصلحة الفعلية التي يمكن تحصليها وترك المصلحة الفعلية التي يمكن تحصيلها ويجب تحصيلها يكون حراما.
فكلا الفرعين دليله واحد وهو تفويت للمصلحة الفعلية ففي الاول تفويت للواجب وتفويت الواجب حرام وفي الثاني هو لديه وضوء متحقق بشروطه لو فوته لوقع في الوضوء الاضطراري فهو حرام ايضا.
ولكن لو لم يبادر في الفرع الاول الى الوضوء حتى وقع في الوضوء الاضطراري وكذا في الثاني ابطل الوضوء ثم وقع في الوضوء الاضطراري فانهم قالوا بصحة الوضوء الاضطراري منه، فانه ان فعل محرما بترك الواجب في الفرع الاول وابطل الوضوء في الثاني ولكن فعله المحرم لا ينافي صحة فعله لو وقع في الاضطرار لعموم ادلة التكاليف الاضطرارية البدلية.
كما في سائر الاعذار العقلية كما لو كان هناك سبب من نفس الشخص باختياره فهو وان فعل محرما ولكن التكليف الاضطراري صحيح منه.
الا في مورد التقية فان التقية امر واسع فلو ترك الوضوء ووقع في التقية وتوضأ على طبق التقية فانه صحيح ولم يفعل محرما وكذا لو ابطل وضوئه ثم وقع في وضوء التقية فهو صحيح ولم يفعل محرما.
المقام الثاني:-  اما قبل دخول الوقت فهل هو مثل قبل دخول الوقت؟ فان السيد الماتن (قدس سره) قال فيه اشكال.
اما بناء على وجوب الوضوء قبل دخول الوقت فلا فرق بينهما فما ذكرنا في الفرع السابق يجري في هذا الموضوع.
واما اذا لم نقل بوجوب الوضوء قبل دخول الوقت هناك اشكال سياتي الحديث عنه ان شاء الله تعالى.


[1] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص392، ط جماعة المدرسين.