الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتــقــيــة.
كان الكلام فيما ذكره السيد الماتن & في انه في مورد التقية لا يشترط بذل المال لرفع التقية بخلاف سائر الضرورات كما انه تقدم الكلام في انه لا يشترط في التقية التورية والحيلة للطرف المقابل على انه استعمل التقية أي عدم وجود المندوحة.
والوجه فيه:- ما عرفتم من ان المعروف بين الفقهاء ان في التقية عدم التقية شرط في العمل فيكون وجود التقية مانع عن العمل بالمأمور به بالاجزاء والشرائط فيكون عدم التقية شرط للوجوب وكلما كان شرط للوجوب فلا يجب تحصيله بخلاف الضرورات فان الضرورة شرط عقلي واذا كان هناك شرط عقلي فمعناه ان كل من يتمكن من رفع هذا الشرط او تحقيق هذا الشرط يجب عليه ولو ببذل مال ولذا ذهبوا في باب الوضوء انه لو امكن شراء ماء للوضوء وجب عليه شرائه ولا يجوز له الرجوع الى التيمم وقد ورد فيه نص.
واما قول اليد الماتن (رحمه الله) ((والأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا))[1].
بل الاولى ذلك لما عرفتم سابقا من ان اطلاقات ادلة التقية يمكن صرفها الى عدم وجود المندوحة اما مع المندوحة فيشكل شمول اطلاقات ادلة التقية له وكذا لبعض الروايات فلأجل ذلك احتاط السيد الماتن &.
وهذا الاحتياط صحيح فيما اذا لم يكن مخالفا لاحتياط اولى منه اذ انكم قرأتم في بحث الاجتهاد والتقليد ان الاحتياط قد لا يكون العمل به سهلا اذ قد يكون هناك احتياط مخالفة لاحتياط اخر.
ثم قال السيد الماتن & (((مسألة 36): لو ترك التقية في مقام وجوبها ومسح على البشرة ففي صحة الوضوء إشكال))[2].
لا ريب ولا اشكال في ان مخالفة التقية في موردها حرام بالحرمة التكليفية لأنه ترك واجبا واما اثبات الحرمة الوضعية ـــ أي بطلان العمل ـــ فيه خلاف.
ذهب جمع من الفقهاء الى بطلان العمل ولو كان هذا العمل موافقا للتكليف الواقعي بل جزم به صاحب الجواهر والمحقق الهمداني  & فانهم قالوا ببطلان العمل لو ترك التقية في موردها واتى بالعمل موافقا للتكليف الواقعي ولكن فصل اخرون، والحق هو التفصيل فانه توجد صور:-
الصورة الاولى:- ما اذا ترك العمل بالكلية لا ان يأتي بالعمل على وفق التكليف الواقعي ولا ان يأتي به موافقا لمذهب المخالفين فمثلا ان التقية اقتضت ان يمسح على الحائل ولكنه ترك المسح بالكلية فلم يمسح لا على الحائل ولا على البشرة، فهل هذا العمل صحيح او لا؟
الجواب:- الظاهر بطلان العمل في هذا المورد لما ذكرناه سابقا من ان مورد التقية والمستفاد من روايات التقية ان التقية انما تنزل العمل الناقص منزلة العمل التام من باب المنة والتسهيل على العباد فمن اتى بوضوء ناقص أي مع المسح على الحائل او الغسل منكوسا جعله بمنزلة الوضوء التام.
ولا فرق بين ان يترك جزاء بالكلية او شرطا بالكلية او يترك العمل بالكلية اذ ان ترك هذا الجز او ترك هذا الشرط لا يقوم مقام الوجود كما قلنا ان ترك العمل بالكلية لا يقوم مقام الوجود.
مضافا الى ان السيرة المتشرعية ـــ التي هي عمدة ادلة التقية ـــ المنتهية الى زمان المعصومين قائمة على ان الفعل الذي يتقى فيه لابد ان يؤتى بذلك الفعل، فان المناط في التقية إراءة العمل موافقا لمذهبهم فلو ترك العمل ولم يوافقهم ولم يوافق الواقع فالسيرة لا تشمله.
ولكن قد يقال:- ان روايات التقية التي وردت ان استفدنا من الروايات تنزيل الوظيفة الواقعية الى الوظيفة التي يتقى بها فهذا ايضا ترك هذه الوظيفة كما ذهب اليه الشيخ الانصاري & في رسالته التي كتبها في التقية من ان المستفاد من الروايات تنزيل الوظيفة الواقعية الى الوظيفة المقررة في التقية بحيث ان هذا الفعل الذي ترك فيه جزء هو الوظيفة بالنسبة اليه وهذا العمل الذي ترك فيه شرط هو الوظيفة بالنسبة اليه فنزل الواقع منزلة هذه الوظيفة التي يتقى فيها من المخالفين.
ولكن يقال:- ايضا مثل هذا العمل لا تشمله الروايات لأنه لم يأتي بالوظيفة بالكلية لا الوظيفة الواقعية ولا الوظيفة الموافقة للعامة.
اما اذا استفدنا من الروايات ان روايات التقية  تدل على انه في مورد التقية ان الشارع امر بترك ذلك الجزء او ترك ذلك الشرط ولم يقيد ان يكون العمل موافقا لمذهبهم فقول بالصحة ممكن في هذا الحال.
ولكن هذا مخالفة للسيرة المتصلة بالمعصومين (عليهم السلام) ولما استفدناه من روايات التقية فهو بعيد ولا يمكن اثباته.
الصورة الثانية:- ما اذا اتى بالعمل في مورد التقية موافقا لمذهب الحق ويوافق الواقع ففي مورد التقية كان يجب عليه ان يمسح على الحائل ولكنه مسح على البشرة فهل هذا العمل صحيح او لا؟
تارة يكون في المعاملات سواء بالمعنى الاعم او بالمعنى الاخص واخرى يكون في العبادات.
اما في المعاملات مطلقا فلو ترك التقية واتى بالعمل صحيحا وفق الحكم الواقعي فالظاهر هو الصحة فمن طلق زوجته مع وجود شاهدين عدلين ولكن التقية تقتضي ان لا يكون هناك شاهدان فيصح الطلاق ولا يوجد مبرر لبطلان هذا الطلاق فهو وان فعل محرما لأنه ترك العمل بالتقية ولكن بطلان الطلاق لا دليل عليه.
واما العبادات ففيه كلام سياتي بيانه ان شاء الله تعالى.


[1] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص391، ط جماعة المدرسين.
[2] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص392، ط جماعة المدرسين.