الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتــقــيــة.
كان الكلام في ان التقية هل يشترط فيها عدم المندوحة وقلنا انه يجوز المسح على الحائل حتى لو كانت هناك مندوحة ويصح العمل حينئذ.
ثم قال السيد الماتن (رحمه الله): ((نعم لو أمكنه - وهو في ذلك المكان ترك التقية وإرائتهم المسح على الخف مثلا - فالأحوط بل الأقوى ذلك))[1].
وذلك بان يستعمل حيلة او تورية في ان يريهم بانه يمسح على الخفين او يمسح على الحائل وهو في الواقع يمسح على البشرة فالاحوط والاقوى ان يفعل ذلك.
ذكرنا سابقا ان هذا الحكم مبني امر وهو هل ان اطلاقات الادلة الواردة في التقية وعموماتها شاملة لوجود المندوحة (أي يمكنه ان يستعمل حيلة وتورية ليري الطرف المقابل الذي يخاف منه ان هذا العمل موافق لمذهبه وهو في الواقع لم يفعل) وعدم وجودها وحينئذ لا حاجة الى هذا الامر.
اما من قال ان هذه الادلة والعمومات ليست في مقام بيان هذا الامر وهو وجود مندوحة وعدم وجود مندوحة فلابد حينئذ ان يكون هناك دليل خاص يدل على انه مع وجود المندوحة يصح العمل.
الا انه في المقام هناك روايات قد يستفاد منها من انه اذا كان للشخص المتقي حيلة او قادر على استعمال حيلة او قادر على استعمال تورية ليري الطرف الاخر ان هذا الفعل هو الذي يريد ولكنه في الواقع يفعل العمل الصحيح فيجب عليه ذلك.
ما استدل به على وجوب ذلك:-
الرواية الاولى:- ناصح المؤذن قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : إني اصلي في البيت وأخرج إليهم، قال : اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة، فان مفتاح الصلاة التكبير))[2].
هذه الرواية ظاهرة في انه اذا امكنه استعمال الحيلة فافعل ذلك.
ولكن هذه الرواية ضعيفة السند وكذا ضعيفة الدلالة اذا بين قوله لا تكبير معهم وقوله واجعلها نافلة تناف فكيف يمكن ان يجعل الصلاة نافلة بدون تكبير مع انه لا صلاة الا بالتكبير.
الا ان يحمل قوله لا تكبير معهم أي لا ترفع صوتك معهم او لا تكبير معهم تكبيرة فريضة وان كبيرة فهو تكبير نافلة.
الرواية الثانية:- عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله ( عليه السلام )، قال : قلت : إني أدخل المسجد وقد صليت فاصلي معهم، فلا أحتسب بتلك الصلاة ؟ قال : لا بأس، وأما أنا فاصلي معهم واريهم أني أسجد وما أسجد))[3].
وهذه الرواية مثل تلك الرواية أي اسجد معهم ولكن لا بعنوان انها سجد فريضة وسجدت صلاة. فهذه الرواية ايضا تدل على استحباب الدخول معهم ولكن اذا امكن التورية والحيلة فافعلها ولا باس بذلك.
وغير هاتين الروايتين مما تقدم مثل رواية سماعة.
اذن نقول ان امكن استعمال التورية وإرائتهم ان الذي يفعله هو ما يريدونه وهو في الواقع لم يكن كذلك فيتعين عليه ذلك نظرا الى هذه الروايات التي عمل بها المشهور.
وكذا اطلاقات ادلة التكاليف الاولية وعموماتها تقتضي اتيان الفعل صحيحا وكذا قاعدة الاشتغال.
ولكن ليس كل شخص هو قادر على استعمال التورية والحيلة فلابد من التنبه وعدم الارتباك فمن كان قادرا على استعمال الحيلة والتورية فحينئذ يجب عليه الحية والتورية ولا يجوز له فعل التقية واما اذا لم يمكنه واتى بالفعل تقية صحة صلاته لعمومات ادلة التقية الشاملة لها. بينما ادلة التقية لا تشمل الصورة الاولى اذا نشك في تحقق موضوع التقية فيكون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله): ((ولا تجب بذل المال لرفع التقية، بخلاف سائر الضرورات، والأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا))[4].
هذا الحكم مبني على ما ذكره الفقهاء من ان التقية تختلف عن سائر الضرورات ففي سائر الضرورات بانه اذا امكن للشخص ان يدفع الضرورة بدفع مال وجب عليه ذلك واما في التقية فلا يقولون بذلك.
وهذا مبني على انهم يقولون ان التقية مانع من الاتيان بالعمل الصحيح ورفع المانع انما يكون شرط للوجوب ولا يجب تحصيله بينما رفع الضرورة شرط عقلي والشرط العقلي يمكن رفعه ببذل المال فلذا قالوا في التقية لا يجب بذل المال وصارت التقية اوسع من الضرورة بينما في الضرورة اذا امكنه رفع الضرورة ببذل المال وجب عليه ذلك.
واستدلوا على ذلك في المقام بإطلاقات الادلة الدالة على ان التقية صحيحة اذا كان هناك مندوحة ومن المندوحة بذل المال وهذا تقدم بيانه.
قد يقال:- ان بذل المال في الضرورات ايضا ضرر وهو منفي بدليل رفع الضرر كما في الوضوء.
ولكن يقال:- ان وجوب بذل المال في تحصيل شرائط الوجوب ايضا هو نفس وجوب الوضوء هو ضرر مالي كالزكاة أي مبني على الضرر فحينئذ دليل الوجوب ودليل الضرر لا يكونان متنافيان بل هذا يقيد دليل نفي الضرر فدليل نفي الضرر يجري في كل الامكنة الا في الحكم الذي هو مبني على الضرر كما في الجهاد وكما في الزكاة وكما في الوضوء فانهم قالوا ان الوضوء حكم مبني على الضرر ولذا سياتي في بحث التيمم انه لو امكنه دفع المال لشراء الوضوء وجب دفعه للمال لان الوضوء مبني على الحكم الضرري.
فلا يجب بذل المال لاطلاقات ادلة التقية وعموماتها ولان التقية شرط الوجوب وليس شرط الوجوب مما يجب تحصيله بينما دفع الضرورة شرط عقلي والشرط العقلي يجب تحصيله فاذا امكن بدفع المال او الخروج من ذلك المكان وجب حينئذ، هذا ما يتعلق بهذه المسالة.


[1] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص391، ط جماعة المدرسين.

[2] - وسائل الشيعة، العاملي، ج8، ص304، ابواب التقية، الباب6، ح7، ط آل البيت (عليهم السلام).
[3] - وسائل الشيعة، العاملي، ج8، ص304، ابواب التقية، الباب6، ح8، ط آل البيت (عليهم السلام).
[4] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص391، ط جماعة المدرسين.