الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بـحـث الـتــقــيــة.

ذكر السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 35): إنما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها ولم يكن بد من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت، وأما في التقية فالأمر أوسع ، فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه وإن أمكن بلا مشقة، نعم لو أمكنه - وهو في ذلك المكان ترك التقية وإرائتهم المسح على الخف مثلا - فالأحوط بل الأقوى ذلك ، ولا تجب بذل المال لرفع التقية، بخلاف سائر الضرورات ، والأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا))[1] .

فلا يجوز المسح على الحائل ـــ وقد تقدم تفصيل ذلك في مسائل الوضوء ـــ الا لضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها فان امكن رفع الضرورة فلا يجوز المسح على الحائل وان امكن رفع الضرورة والمسح على الراس والرجل ولو بتأخيره الى اخر الوقت فيجب تأخير ذلك الى اخر الوقت لان الضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز البدار بالتكاليف الا بعد الياس من رفع الضرورة.

ولكنه قال الا التقية فان الامر فيها اوسع باعتبار انه يجوز المسح على الحائل ولو كان هناك مندوحة او امكن إراءة الطرف الاخر بانه مسح على الحائل ولكنه يمسح على الرجل او الراس فهو لا يحتاج الى ذلك وان كان يحتاط في هذا.

اما التقية اوسع فهو المشهور بين الفقهاء وفي المسالة قولان:-

القول الاول:- وهو المشهور بين الفقهاء من ان التقية اوسع فلا حاجة الى التماس المندوحة فيجوز المسح على الحائل حتى لو كان هناك مندوحة فيمكن الخروج من هذا المكان والانتقال الى مكان اخر ويأتي بتكليف جامعا للشرائط ولو بلا مشقة وهذا هو المشهور بين الفقهاء لاطلاقات ادلى التقية وعموماتها وبعض الاخبار التي تقدم ذكرها وما سياتي.

القول الثاني:- ما ذهب اليه السيد صاحب المدارك وجمع من المتأخرين بل كل من تمسك لمشروعية التقية بأدلة نفي الحرج ونفي الضرر وهو ان التقية مختصة بصورة عدم المندوحة اما اذا كانت هناك مندوحة ويمكن التخلص من التقية فلا يجوز له المسح على الحائل.

واستدلوا عليه بأمور:-

الاول:- ان عمومات ادلة التقية واطلاقاتها لا تدل على الاجزاء حتى نقول انها تدل على المشروعية وعدم المشروعية فهذه الروايات الكثيرة التي حثت على التقية لا نستفيد منها الاجزاء ولا المشروعية وحينئذ نرجع الى ادلة التكاليف وعموماتها والى قاعدة الاشتغال فمن مسح على الحائل وكان بإمكانه الخروج من ذلك المكان بلا مشقة او مع المشقة فلا يكفي هذا المسح لقاعدة الاشتغال.

الثاني:- ان خبر ابي الورد الذي تقدم ذكره وما ورد في تفسير العياشي في الغسل منكوسا ما لم يره احد ان هذه تدل على عدم الاجزاء اذا كانت هناك مندوحة فانهما يختصان بما اذا كان يراه احد وحينئذ ضرورة موجودة في البين ولا يمكن التخلص منها واما اذا كان هناك مندوحة فلا يجزي الفعل.

الثالث:- مكاتبة علي ابن يقطين وخبر داوود الرقي انها مختصان بخصوص ما اذا كان هناك ضرورة وخوف ويرشد الى ذلك قوله (عليه السلام) يا علي ابن يقطين اترك ذلك في جميع الازمنة والامكنة وهذا معناه ان هناك ضرورة ملحة أي عدم مندوحة فلا تشمل ما اذا كانت هناك مندوحة فلا يمكن استفادت الاجزاء منها في صورة المندوحة لاختصاصها في صورة عدم المندوحة.

الرابع:- ان هذه الروايات التي تدل على الحث على التقية في كل شيء فهي صحيحة ولكن لا يشمل الحكم التكليفي والوضعي بل هي مختصة بالحكم التكليفي فلا تشمل الحكم الوضعي وهو الصحة والاجزاء.

الخامس:- ان الرواية المعروفة عن إسماعيل الجعفي ، ومعمر بن يحيى بن سالم ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا : سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول : التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له))[2] . فان هذا الحل يشمل الحكم التكليفي ويشمل الحكم الوضعي أي الصحة والاجزاء ولكنه لا يشمل المندوحة وعدم المندوحة نعم في صورة عدم المندوحة لا اشكال في شموله لهاما شموله لصورة المندوحة فلا.

الا ان يقال ان قوله (ان كل شيء يضطر اليه ابن ادم) ان هذا جملة مستقلة لا ربط لها بالاولى (ان التقية في كل شيء) وحينئذ يمكن استفادت الحكم التكليفي والحكم الوضعي والمندوحة وعدم وجود المندوحة ويرشد الى هذا معتبرة مسعد ابن صدقة حيث ورد فيها هذا المعنى عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ إن المؤمن إذا أظهر الايمان ثم ظهر منه ما يدل على نقضه خرج مما وصف وأظهر وكان له ناقضا إلا أن يدعي أنه انما عمل ذلك تقية ، ومع ذلك ينظر فيه ، فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يقبل منه ذلك ، لان للتقية مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله ، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فانه جائز))[3] .

اذن لفظ الجواز يشمل كل شيء فيشمل الحكم التكليفي والوضعي ومع وجود المندوحة ومع عدم المندوحة.

ولكن المشكلة ان هذه الموثقة انه يوجد في لفظ جائر احتمالان:-

الاحتمال الاول:- انه جائز بمعنى حلال.

الاحتمال الثاني:- أي بالمعنى الاصطلاحي الموجود في الفقه أي يجوز بمعنى الاجزاء والصحة.

ولكن ظاهر هذه الرواية المعنى الاول وهو مجرد الحكم التكليفي أي الجواز والاباحة اما المعنى الثاني أي بمعنى الاجزاء واثبات الحكم التكليفي والوضعي والمندوحة وعدم المندوحة فلا يستفاد منها.

فهذه ادلتهم على جواز العمل بالتقية اذا لم تكن مندوحة في البين اما اذا كانت مندوحة بحيث يمكن للمتقي ان يخرج من ذلك المكان ويعمل العمل تام الاجزاء والشرائط فلا تشمله هذه الادلة فنرجع الى اطلاقات ادلة التكاليف وعموماتها وقاعدة الاشتغال.

ولكن الحق مع المشهور اذ اطلاقات ادلة التقية وعموماتها تشمل الاجزاء أي الحكم الوضعي والحكم التكليفي وصورة المندوحة وصورة عدم المندوحة التي وردت بالسنة مختلفة تحث على التقية كافية في اثبات هذا العموم والاطلاق.

مضافا الى الروايات التي تدل على ذلك مثل ((يا معلى إن التقية ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تقية له))[4] ، و((عن الصادق (عليه السلام) انه قال : لا دين لمن لا تقية له ، ولا ايمان لمن لا ورع له))[5] وهذه الروايات يستفاد منها ان التقية من الدين وكونه دين معناه الاجزاء والصحة مع وجود المندوحة ومع عدم المندوحة.

ومضافا الى الرواية التي وردت عن زرارة قال: قلت له: (في مسح الخفين) تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج))[6] .

فهذه الرواية تدل على انه لا صحة ولا اجزاء ولا اطلاق مع وجود المندوحة ولا مع عدم وجود المندوحة في طرف المستثنى منه. اذن الحق مع المشهور.

ولكن استشكل السيد الماتن (قدس سره) في صورة ما اذا امكن هذا المتقي إراءة المخالفة بانه فعل ما يريده بسهولة ولكنه يأتي بالواقع ففي هذه الصورة لا يجوز ان يتقي. وسياتي بيانه ان شاء الله تعالى.

 


[1] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج1، ص391، ط جماعة المدرسين.
[2] - وسائل الشيعة، العاملي، ج16، ص214، ابواب التقية، الباب25، ح2، ط آل البيت (عليهم السلام).
[3] - وسائل الشيعة، العاملي، ج16، ص216، ابواب التقية، الباب25، ح6، ط آل البيت (عليهم السلام).
[4] - وسائل الشيعة، العاملي، ج16، ص210، ابواب التقية، الباب24، ح24، ط آل البيت (عليهم السلام).
[5] - وسائل الشيعة، العاملي، ج16، ص210، ابواب التقية، الباب24، ح23، ط آل البيت (عليهم السلام).
[6] - وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص457، ابواب الوضوء، الباب38، ح1، ط آل البيت (عليهم السلام).