الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتــقــيــة.
تـنـبـيـهـات:-
التنبيه الاول:- عرفتهم انه لا اشكال في مشروعية التقية، وانقسامها حسب الاحكام الخمسة التكليفية، فمن يستعمل التقية لا اشكال عليه ابدا بل ان من يستعمل التقية مع توفر شروط استعمال التقية له من الثواب الجزيل ومن الآثار الطيبة في الدنيا والاخرة، وقد ذكرنا جملة من الروايات، وانما الاشكال فيمن يسبب التقية للغير سواء كان هذا المسبب ظالما ام مؤمنا، يصدر منه فعل او قول يوقع اخوانه في التقية، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ الكليني في الكافي عن يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، ((قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه ‌السلام) يَقُولُ : «قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم) : إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ : وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَسِيرُ الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ بِالتَّقِيَّةِ، أَبِي يَغْتَرُّونَ، أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ ؟ فَبِي حَلَفْتُ لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانَ))[1].
فهذه الرواية صحيحة السند، وهو واضح الدلالة، ولا يفرق فيه بين ان يكون المسبب لهم ظالم من الظلام او سلطان ام كان شخص مؤمن يصدر منه فعل جهلا او عنادا مما يوجب وقوع الاخرين في التقية.
التنبيه الثاني:- ان التقية فيها حيثيات متعددة، فمن حيثية ان التقية من الدين ومن اركان الدين، ومن حيثية اخرى ان التقية بنفسها عبادة وليس التقية مجرد امر حسن، وكذا هي من حيثية انه واقع عملي، ومن حيثية اخرى ضرورة حياتية، لذا كانت الاثار الطيبة للتقية كبيرة وكثيرة، وكل هذه الحيثيات تدل عليها رواية وتقدم ذكرها ومما يستدل به على ذلك ما رواه الكليني عَنْ أَبِي عُمَرَ الْأَعْجَمِيِّ، ((قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه ‌السلام) : «يَا أَبَا عُمَرَ، إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّينِ فِي التَّقِيَّةِ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ، وَالتَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ فِي النَّبِيذِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ))[2].
ولكن شرط واحد تقدم بيانه، هو ان التقية انما يجوز استعمالها لحفظ الحق واهل الحق وحفظ الدين ومفردات الدين، اما اذا استلزم من استعمال التقية محو الدين ومحقه وهتك حرمات الله تبارك وتعالى بحيث لا يبقى شيء من الدين ابدا، فيأتي من التقية ضد ما يراد فحينئذ لا يجوز استعمال التقية وعلى ذلك شواهد من الاخبار والتاريخ كثيرة.
ويدل على ذلك بعض الروايات تقدم ذكرها وهذه الرواية ايضا وهي ما رواه الكليني في الكافي عن درست الواسطي ((قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف، ان كانوا ليشهدون الاعياد، ويشدون الزنانير، فأعطاهم الله أجرهم مرتين))[3].
التنبيه الثالث:- انه لا حدود زمنية للتقية واستعمال التقية، ولا حدود مكانية ما دام موجود فالتقية ازلية ابدية، وحينئذ التقية تتبع الشروط التي تتوفر في مورد استعمالها، فاذا توفرت هذه الشروط في مكان استعملوها واذا لم تتوفر في مكان اخر فليس لهم ان يستعملوا التقية، اذن من استعمل التقية في غير مورد التقية فقد اخطأ ومن ترك التقية في مورد التقية فقد اخطأ والرواية التي ذكرناها عن الامام (عليه السلام) بانه كان يوبخ أصحابه لانهم كانوا يستعملون التقية في غير مورد التقية.
فاذا لم تتوفر شروط التقية في بلد فلا تقية ولكن هذا لا يسوغ له ترك التقية في بلده الآمن اذا كان تركها يوجب وقوع المؤمنين في بلد اخر في التقية، فهذا الشخص الذي لم يستعمل التقية في كلامه او فعله وتسبب في وقوع المؤمنين في التقية يكون حاله حال الظالم الذي تسبب في وقوع المؤمنين في التقية.


[1] الكافي، للشيخ الكليني، ج3، باب118، ص731، ط دار الحديث.
[2] - الكافي، للشيخ الكليني، ج3، الباب97، ص549، ط دار الحديث.
[3] - الكافي، للشيخ الكليني،ج2،.