الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتـقـيـة.
كان الكلام في المواضع التي يمكن استعمال التقية فيها ووصل بنا الكلام الى الموضوع الخامس.
الموضوع الخامس:- عبادة السر اذا كانت العبادة العلنية والايمان العلني مضرا للمؤمنين وموجبا لايقاعهم في المشقة والحرج، والرواية التي سنذكرها طويلة وهي من محكمات الروايات الواردة في هذا الباب وهذه الرواية ينقلها الشيخ الكليني بسنده عن عمار الساباطي وهي معتبرة من حيث السند عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، ((قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه ‌السلام)  : أَيُّمَا أَفْضَلُ : الْعِبَادَةُ فِي السِّرِّ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ، أَوِ الْعِبَادَةُ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ ودَوْلَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الظَّاهِرِ؟ فَقَالَ : «يَا عَمَّارُ، الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ واللهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ، وكَذلِكَ وَاللهِ عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ، وتَخَوُّفُكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وحَالِ الْهُدْنَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ذِكْرُهُ ـ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ إِمَامِ  الْحَقِّ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ، ولَيْسَتِ الْعِبَادَةُ مَعَ الْخَوْفِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ مِثْلَ الْعِبَادَةِ و الْأَمْنِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ. وَاعْلَمُوا : أَنَّ مَنْ صَلّى مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي وقْتِهَا، فَأَتَمَّهَا، كَتَبَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ لَهُ خَمْسِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ ؛ وَمَنْ صَلّى مِنْكُمْ صَلَاةً فَرِيضَةً وحْدَهُ مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي وقْتِهَا، فَأَتَمَّهَا، كَتَبَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ لَهُ بِهَا خَمْساً وعِشْرِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً وحْدَانِيَّةً ؛ ومَنْ صَلّى مِنْكُمْ صَلَاةً نَافِلَةً لِوَقْتِهَا، فَأَتَمَّهَا، كَتَبَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ نَوَافِلَ ؛ ومَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ حَسَنَةً، كَتَبَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ لَهُ بِهَا عِشْرِينَ حَسَنَةً، ويُضَاعِفُ اللهُ‌‌  عَزَّ وجَلَّ ـ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ مِنْكُمْ ـ إِذَا أَحْسَنَ أَعْمَالَهُ، ودَانَ بِالتَّقِيَّةِ عَلى دِينِهِ وَإِمَامِهِ ونَفْسِهِ، وأَمْسَكَ مِنْ لِسَانِهِ ـ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ؛ إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ كَرِيمٌ ». قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَدْ واللهِ، رَغَّبْتَنِي فِي الْعَمَلِ، وحَثَثْتَنِي عَلَيْهِ، ولكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ كَيْفَ صِرْنَا نَحْنُ الْيَوْمَ أَفْضَلَ أَعْمَالاً مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ مِنْكُمْ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ، ونَحْنُ عَلى دِينٍ واحِدٍ؟ فَقَالَ : « إِنَّكُمْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وإِلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ والْحَجِّ، وإِلى كُلِّ خَيْرٍ وفِقْهٍ، وإِلى عِبَادَةِ اللهِ ـ عَزَّ ذِكْرُهُ  ـ سِرّاً مِنْ عَدُوِّكُمْ مَعَ إِمَامِكُمُ  الْمُسْتَتِرِ، مُطِيعِينَ لَهُ، صَابِرِينَ مَعَهُ، مُنْتَظِرِينَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ، خَائِفِينَ عَلى إِمَامِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ مِنَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ، تَنْظُرُونَ إِلى حَقِّ إِمَامِكُمْ وحُقُوقِكُمْ فِي أَيْدِي الظَّلَمَةِ قَدْ مَنَعُوكُمْ ذلِكَ، واضْطَرُّوكُمْ إِلى حَرْثِ الدُّنْيَا وطَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلى دِينِكُمْ وعِبَادَتِكُمْ وطَاعَةِ إِمَامِكُمْ والْخَوْفِ مِنْ  عَدُوِّكُمْ، فَبِذَلِكَ ضَاعَفَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَكُمُ الْأَعْمَالَ ؛ فَهَنِيئاً لَكُمْ». قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا نَرى  إِذاً أَنْ نَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ (عليه ‌السلام)، ويَظْهَرَ الْحَقُّ، ونَحْنُ الْيَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وطَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالاً مِنْ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ والْعَدْلِ. فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللهِ! أَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُظْهِرَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى ـ الْحَقَّ والْعَدْلَ فِي الْبِلَادِ، ويَجْمَعَ اللهُ الْكَلِمَةَ، ويُؤَلِّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ، ولَا يُعْصَى اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فِي أَرْضِهِ، وتُقَامَ حُدُودُهُ فِي خَلْقِهِ، ويَرُدَّ اللهُ الْحَقَّ إِلى أَهْلِهِ، فَيَظْهَرَ حَتّى لَا يُسْتَخْفى  بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْحَقِّ، مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ؟ أَمَا واللهِ يَا عَمَّارُ، لَا يَمُوتُ مِنْكُمْ مَيِّتٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا إِلاَّ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وأُحُدٍ ؛ فَأَبْشِرُوا))[1].
فهذه الرواية منهج لنا ولابد ان نطبق اعمالنا على هذه الرواية ولا نتعتني بما يفعله العوام ونسير خلفهم، فكيف نتبع العوام ونترك هذه الرواية المرغبة في عصر الغيبة.
الموضوع السادس:- عموم الظلم والجور وعدم التمكن من تغييره فهذا موضوع من مواضع التقية ويدل على ذلك رواية ايضا كسابقتها وهي من المحكمات وهذه الرواية يرويها الكليني بسنده عن ابي اسحاق ((قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ 0عليه ‌السلام)  أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه‌ السلام)  يَقُولُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ : « اللهُمَّ وإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ  كُلُّهُ، ولَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ، وأَنَّكَ لَا تُخْلِي  أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ ـ ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ ـ كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ، ولَا يَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ  بَلْ أَيْنَ هُمْ؟ وكَمْ؟ أُولئِكَ  الْأَقَلُّونَ عَدَداً، والْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللهِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ قَدْراً، الْمُتَّبِعُونَ لِقَادَةِ الدِّينِ، الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الَّذِينَ يَتَأَدَّبُونَ بِآدَابِهِمْ، ويَنْهَجُونَ نَهْجَهُمْ ؛ فَعِنْدَ ذلِكَ يَهْجُمُ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، فَتَسْتَجِيبُ أَرْوَاحُهُمْ لِقَادَةِ الْعِلْمِ، ويَسْتَلِينُونَ مِنْ حَدِيثِهِمْ مَا اسْتَوْعَرَ عَلى غَيْرِهِمْ، ويَأْنَسُونَ بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْمُكَذِّبُونَ،وَأَبَاهُ  الْمُسْرِفُونَ، أُولئِكَ أَتْبَاعُ الْعُلَمَاءِ، صَحِبُوا أَهْلَ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وتَعَالى ـ وَأَوْلِيَائِهِ، ودَانُوا بِالتَّقِيَّةِ عَنْ دِينِهِمْ، والْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَأَرْوَاحُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلى، فَعُلَمَاؤُهُمْ وأَتْبَاعُهُمْ خُرْسٌ، صُمْتٌ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ، مُنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ، وسَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ، ويَمْحَقُ الْبَاطِلَ، هَا، هَا ؛ طُوبى لَهُمْ عَلى صَبْرِهِمْ عَلى دِينِهِمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ، ويَا شَوْقَاهْ إِلى رُؤْيَتِهِمْ فِي حَالِ ظُهُورِ دَوْلَتِهِمْ، وسَيَجْمَعُنَا اللهُ وإِيَّاهُمْ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ))[2].
فهذه الرواية ايضا لنا منهج وفيها دلالة على انه ما دام الظلم والعدوان موجود ولم يمكن لنا تغيير ذلك فالتقية قائمة.
الموضع السابع:- مقام المجاملة وكظم الغيظ وتوجد روايات كثيرة وردت في هذا وسياتي ذكر بعض الروايات ان شاء الله تعالى.


[1] - الكافي، للشيخ الكليني، ج2، ص139، ط دار الحديث.
[2] - الكافي، للشيخ الكليني، ج2، ص142، ط دار الحديث.