الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- بـحـث الـتــقــيــة.
كان الكلام في استعمال الشيعة للتقية، وذكرنا ان الشيعة لما امتحنوا في هذه الدار امحتانا صعبا وكان هذا الامتحان منزلة لهم فليس هناك شيء عبثيٌ في البين، فان امتحان المؤمن وبلائه هو كرامة من الله تبارك وتعالى , فان شيمة الانبياء وشيمة المؤمنين هي البلاء والابتلاء , فهذه امتحانات إلهية تكريما للمؤمن وتثبيتا له على الايمان وزيادة الاجر له.
وذكرنا بان التقية انما اثمرت ثمرة طيبة للشيعة فانهم حفظوا دينهم من الضياع وحفظوا انفسهم من الهلاك وانتجوا انتاجا عليما في ظروف التقية لم ينتجه علماء السنة عندما كانوا مع السلطان.
ثم قلنا بان هذه التقية انما كانت تعم جميع مفردات ما يرتبط بشؤون الشيعة تبعا للظروف التي هم فيها، فتارة تكون ضيقة جدا واخرى تكون وسيعة فتارة كانوا يتقون في العقيدة بحيث لا يذكرون الامام (عليه السلام) بإمامته فلا يذكون امير المؤمنين الا بانه خليفة رابع اما انه امام فلا.
وكذا في مرحلة اخرى وقعت التقية في الامور الاجتماعية بين افراد المسلمين فلم يظهر هويته لان هويته كانت مورد للفتك به من الجائر.
وكذا وقعت التقية في الاحكام والفروع الفقهية فصلى متكتفا وقال آمين في صلاته وتوضأ منكوسا وغسل رجله وصلى بجلود الثعالب وغير ذلك.
بل حصل من الائمة صلوات الله عليهم في بعض اصحابهم ما يدل على ذمهم بل سبهم حينئذ ولكن من الشيعي لم يحصل سبٌ بل هو نادر، ولذا ورد في رواية ان الامام (عليه السلام) طعن في زرارة ثم بعد ذلك الامام قال لابن زرارة اني طعنت في زرارة لأجل حفظه، وفي رواية اخرى ان الخلاف في الاحكام الذي اوقع الائمة فيما بين اصحابهم انما هو لأجل حفظهم كما في خبر عمر ابن حنظلة في الوقت (اني القيت الخلاف بينهم لألا يعرفوا فتضرب اعناقهم) ولذا ترون في اول الوقت في صلاة المغرب روايات متعددة فرواية تدل على دخول الوقت صلاة المغرب بغروب الشمس ورواية بذهاب الحمرة وغيرها.
ولكن العامة ايضا لا يمكن لهم انكار انهم لا يستعملون التقية ابدا وان وصموا الشيعة بانهم اصحاب تقية فانهم اذ ابتلوا بمثل ما ابتلي به الشيعة كانوا ــ ولو على نحو القلة ــ يستعملون التقية ولا يمكنهم انكار ذلك كما تقدم بيان ذلك.
ونذكر بعض الروايات التي وردت في هذا المجال:-
اولاً:- ما رواه الشيخ المفيد في الارشاد ((محمد بن إسماعيل، عن (محمد بن الفضل) قال: إختلفت الرواية من بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء، أهو من الاصابع إلى الكعبين، أم من الكعبين إلى الاصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك، إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب إلي بخطك ما يكون عملي بحسبه  فعلت إن شاء الله. فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام: " فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا، وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا، وتخلل شعر لحيتك (وتغسل يدك إلى المرفقين ثلاثا) وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا، ولا تخالف ذلك إلى غيره ". فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين، تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام. وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له: إنه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين، والقرف  له بخلافنا، وميله إلى الرفض، ولست أرى في خدمته لي تقصيرا، وقد امتحنته مرارا، فما ظهرت منه عل ما يقرف به، وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز مني. فقيل له: إن الرافضة - يا أمير المؤمنين - تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه، ولا ترى غسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه. فقال: أجل، إن هذا الوجه يظهر به أمره. ثم تركه مدة وناطه بشئ من الشغل. في الدار حتى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه، والرشيد ينظر إليه، فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب - يا علي بن يقطين - من زعم أنك من الرافضة. وصلحت حاله عنده. وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام: " ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين، توضأ كما أمر الله، اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك، والسلام))[1].
ونستفيد من هذا الحديث الشريف:-
اولاً:- ان المؤمنين كانوا ممتحنين بأشد امتحان.
ثانيا:- انهم وقعوا في جميع امورهم في مورد الامتحان في عباداتهم مثل الصلاة والوضوء.
ثالثا:- طاعة الشيعة لأئمتهم صوات ربي عليهم وسلامه في هذه الامور ورعاية الائمة لهم. وكذا يرعانا صاحب العصر والزمان ولكنه يريد منا طاعة كطاعة علي ابن يقطين.
رابعاً:- حفظ الشيعة انفسهم بالتقية حفظوا انفسهم من القتل الحتمي لهم وهذا علي ابن يقطين كان موظفا عند الخليفة فحفظ نفسه بالتقية وكان يخدم الشيعة بتلك الوظيفة.
هذه رواية ورواية اخرى سنذكرها ان شاء الله تعالى.



[1] - الارشاد، للشيخ المفيد، ج2، ص227، ط آل البيت(عليهم السلام).