الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

36/11/22

بسم الله الرحمن الرحيم

قال السيد الماتن أذا لم يتمكن المسح ببله الوضوء لعذر من الأعذار كجفاف الماء الموجود على اليد اما لحرارة ألجوا أو لغير ذلك من الأسباب ولوا كان الماء كثيرا يجف الماء حتى لوا أعاد الوضوء مرة ومرة يجف الماء ولا يمكن المسح بالبلة الموجودة على اليدين فرض الحكم في هذه الصورة سقوط المسح بالكلية أم انه المسح باليد اليابسة أم المسح بالماء الجديد اختار السيد الماتن المسح بالماء الجديد ,

ثم قال والاحوط أن يمسح باليد اليابسة ثم يمسح بالماء الجديد ثم يتيمم أيضا , الأقوال في هذه المسألة خمسة .

القول الأول : وهو المسح بالماء الجديد وهو المشهور بين الفقهاء .

القول الثاني : المسح باليد اليابسة .القول الثالث : التيمم . القول الرابع : إلغاء المسح بالكلية أي يسقط المسح لتعذر الوضوء بالبلل . القول الخامس : الجمع بين هذه المحتملات كما ذكره السيد الماتن يمسح باليد اليابسة ثم بالماء الجديد ثم يتيمم جمع بين هذه الأقوال , هذه هي أقوالهم .

القول الأول : المسح بالماء الجديد فإذا لم يتمكن المكلف من المسح بالبلة الموجودة على اليد لجفاف هذه البلة لجهة من الجهات ولو كان الماء كثيرا مع ذلك عندما يريد أن يمسح يجف الماء الذي على اليد , أو انه لايمكنة هذا لسبب من الأسباب ولو توضأ مرة أو مرتين مع ذلك عند المسح يجف البلل فالمشهور ذهب الى عدم سقوط المسح وان المسح يكون بالماء الجديد واستدل على ذلك بأمور

الدليل الأول : قاعة الميسور فأنها لا تجري بالنسبة إلى هذا المكلف فان الميسور له هو المسح بالماء الجديد ,فلا يسقط المسح ولكن يدور أمره بين أن يمسح باليد أو بالماء الجديد , إن الماء الجديد هو الأقرب إلى مرتكزات المشتركة كما سيأتي بيانه , فقاعدة الميسور تجري ويتوجب عليه المسح ألا أنه يدور بين المسح باليد اليابسة وبين المسح بالماء الجديد , والماء الجديد هو المرتكز عند العرف وأن هذا هو الأقرب لقاعدة الميسور .وأشكل على قاعدة الميسور بوجوه ثلاثة :

الوجه الأول: إن قاعدة الميسور لا مدرك لها ولا جابر لها أما النبوي والعلويان فهما ضعيفان وليس لها جابر , وقد عرفت الجواب عند البحث عن قاعدة الميسور أنها مع هذه الأدلة و الأخبار التي ذكروها يمكن الاعتماد عليها لجبرها .

الوجه الثاني: إن قاعدة الميسور في الوضوء تجري وان كان الفقهاء يستشكلون في غير الوضوء أما في الوضوء فلا يستشكلون في جريانها , نعم إلا في بعض الصغريات كما في المقام هل أنها تجري أي أن المسح باليد اليابسة هذا هو مقتضى قاعدة الميسور إلا أن الارتكاز العرفي عًين المسح بالماء الجديد لا أن يسقط المسح بالكلية , فقاعدة الميسور اعتمد عليها الفقهاء في باب الوضوء , هذا الأشكال الثاني والجواب عليه .

الوجه الثالث : قالوا الوارد في الروايات بلة الوضوء والأخذ من ماء النهر أو الحنفية فهذا ماء أخر فهما متباينان فذاك بلة الوضوء وهذا بله النهر والحنفية فكيف يمكن أن يكون الماء الجديد هو ميسورا لهذه القاعدة ؟

الجواب : الجواب عن ذلك إن الماء الجديد إنما يتعين بارتكاز المتشرعة حيث دار الأمر بين أن يمسح باليد اليابسة وبين أن يمسح بالماء الجديد , والبلة الجديدة هي الميسور حينئذ , وبارتكاز المتشرعة ثبت ذلك لا لأجل أنهما متباينان ولم يقل احد بان هذا الماء مبيان لذاك الماء وإنما هذا ذكره السيد الخوئي رحمه الله , إنما هذا الماء الجديد يصدق عليه الميسور , نحن لم نثبت الماء الجديد بقاعدة الميسور وإنما أثبتنا وجوب المسح بقاعدة الميسور , يتردد وجوب المسح بين المسح باليد اليابسة أو بالماء الجديد قلنا بالارتكاز المتشرعي يرى الغسل بالماء الجديد وانه هو الميسور والعرف يرى إن في المسح أمران رطوبة اليد وان تكون ببلة الوضوء فهنا أمران رطوبة اليد وبلة ماء الوضوء فإذا لم تتحقق رطوبة من البله لايسقط أصل الرطوبة , لذا قلنا بان العرف والارتكاز المتشرعي يرى أن الرطوبة نأخذها من الماء الجديد لأنه فهم إن اليد لابد أن تكون رطبة وأن هذه الرطوبة لابد أن تكون ببلة الوضوء فإذا سقط هذا الأمر لجهة من الجهات لايسقط أصل الرطوبة فيأخذ الرطوبة من الماء الجديد , هذا هو الدليل وهو قاعدة الميسور وهو تام ويمكن الاعتماد على هذه القاعدة وان أشكلنا عليها في غير باب الوضوء لأكن الفقهاء اعتمدوا عليها في المقام فهي تثبت وجوب المسح وأما إثبات كونه بالماء الجديد أنما نثبته بالارتكاز العرفي بالبيان الذي ذكرناه .

واستدلوا أيضا برواية عبد الأعلى أل سام في من انقطع ضفره ووضع عليه مرارة فسأل الإمام ع عن رفعها فقال ع لا ترفعه إن هذا يفهم من كتاب الله ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج [1] فاستدلوا على قاعدة الميسور في المقام . لأكن هذا الحديث بمعزل عن ذلك فهو ينبغي الحكم ليثبته , فان هذا الرجل أراد أن يزيل المرارة التي وضعها على الظفر فقال لا تزله إن هذا يفهم من كتاب الله ...,فهو بمعزل عن قاعدة الميسور ولا حاجه لنا بالاستدلال على ذلك بهذا الحديث في المقام .

الدليل الثاني : استدلوا بالاستصحاب استدل به النراقي في المستند قال بأن هذا رجل لم يتمكن من المسح ببلة الوضوء لجهة من الجهات فإذا شككنا في سقوط المسح فاستصحاب وجوب المسح جار وهو صحيح .

لكن أُشكل عليه إن هذا الاستصحاب لا مجرى له في المقام فالمتقين هو المسح ببلة الوضوء والآن المسح بالماء الجديد ذلك الأمر ارتفع يقينا وهذا نشك فيه فحينئذ كيف نجري الاستصحاب ؟ الاستصحاب لابد أن يكون الموضوع الموضوع المتيقن باقيا وهنا ارتفع ذلك الموضوع فكيف يجري الاستصحاب ؟ لاكن يمكن الجواب عنه بأن الاستصحاب يجري في أصل وجوب وجوب المسح أي أن المسح لا يسقط فهو دليل على رد القول الأخر الذي قال بسقوط أصل المسح فان وجوب المسح يجري إلا أن الماء الجديد أثبتناه بالارتكاز المتشرعي لا بواسطة الاستصحاب فالاستصحاب يثبت وجوب المسح , فيمكن الجواب بهذا .

واستشكل السيد الخوئي على هذا : بأن هذا استصحاب في الأحكام الكلية وهو لا يجري عنده رحمه الله .

لكن قد عرفتم أن الاستصحاب كما يجري في الموضوعات يجري في الأحكام الكلية والجزئية أيضا لإطلاق دليل الاستصحاب .

الدليل الثالث : اطلاقات الأدلة , فإطلاق قوله تعالى ﴿ وامسحوا برؤسكم وأرجلكم [2] كان هذا المسح مقيدا بأن يكون ببلة الوضوء عند التمكن فعند العجز عنها فيبقى إطلاق الآية الشريفة , وكذلك اطلاقات الأدلة الأخرى التي دلت على وجوب المسح الأخبار وغيرها أنه يجب المسح فنأخذ بإطلاق ذلك فوجوب المسح ثابت حينئذ , هذا هو الاستدلال بالإطلاق .

إلا أنه أشكل عليه : أن هذا الإطلاق مقيد أيضا بإطلاق تلك الأخبار التي تقول ببلة الوضوء فلها إطلاق يشمل صورة التمكن وصورة العجز فان تمكن فيجب وان لم يتمكن يسقط أصل المسح بل يعيد الوضوء , فإطلاق الكتاب والأخبار بوجوب المسح مقيد بإطلاق تلك الأدلة التي دلت بان يكون المسح ببلة الوضوء , وهذا الإطلاق مقدم على ذلك الإطلاق , لكن لا حاجة لنا بهذا الإطلاق لما ذكرناه . فاستشكل السيد الخؤي على هذين الاطلاقين بوجوه عديدة ذكرنا ما يرتبط بكلامه في المباحث السابقة أنه بعيد عن سياق الآية الشريفة , قال أن المسح في الآية الشريفة يراد منه الإزالة ولا يراد به إمرار اليد , فيحتمل أن يكون المراد من الآية إزالة مايعلق على الرأس والرجلين بعيدا عن سياقها , كذلك أشكل في الاطلاقات الواردة في السنة وذكرنا كلامه سابقا وأوردنا عليه . فحينئذ قاعدة الميسور جارية في المقام ويثبت وجوب المسح بالماء الجديد الارتكاز العرفي كما ذكرنا .

القول الثاني : المسح باليد اليابسة استدل بقاعدة الميسور فأن المسح ببلة الوضوء فلوا سقطت بلة الوضوء فيبقى المسح وهو الميسور , والإشكال الذي ذكروه هناك ذكروه أيضا هنا والجواب هو الجواب , فالمسح باليد اليابسة هو الميسور سقطت بلة اليد فيبقى المسح باليد هو الميسور .

الجواب : إن المسح باليد اليابسة يعيدا بحسب الارتكاز العرفي الذي ذكرناه فان العرف يرى أن المسح ببلة الوضوء يدل على أمرين أولا المسح بالرطوبة أن تكون الرطوبة ببلة الوضوء فإذا سقط الآمر الثاني لم يسقط الأمر الأول لذلك نأخذ الرطوبة من الماء الجديد وأما ماذكره من تباين بين ماء الوضوء والماء الجديد لم يعرف له قائل سوى ما ذكره السيد الخوئي , وأنه لم نقل بذلك وإنما الارتكاز العرفي هو الذي عين ذلك الأمر .

القول الثالث : التيمم , انه يجب عليه التيمم والاحوط أن يتوضأ ثم يتيمم لقاعدة بدلية التيمم , ولاكن إذا قلنا قاعدة الميسور الاستدلال بها تام فتكون واردا على أدلة بدلية التيمم فان قاعدة الميسور تثبت إن هذا الوضوء صحيح مع هذه البلة الجديدة وبدلية التيمم تكون بعد فرض عدم إمكان الوضوء الصحيح فإذا فرضنا صحة الوضوء تكون واردا على قاعدة بدلية التيمم , وهذا من موارد تقديم القاعدة على أدلة بدلية التيمم وان التقديم يكون على نحو الورود فقاعة الميسور تثبت الوضوء الصحيح فيرتفع موضوع بدلية التيمم .

القول الرابع : سقوط أصل المسح لأن جزية رطوبة بلل الوضوء جزء من المسح , فإذا سقط هذا الجزء يسقط الأصل , ان وجوب المسح مقيد بكونه ببلل الوضوء وان المستفاد من بدلية الوضوء إن بلل الوضوء جزء من هذا المسح فلو انتفى هذا الجزء ينتفي الوجوب حينئذ , ولاكنه بعيد لما ذكرناه .

القول الخامس : وهو الذي اختاره السيد الماتن وهو إن يمسح باليد اليابسة ثم بماء جديد ثم يتيمم بعد ذلك فجمع بين الاحتمالات الثلاثة .

فيرد عليه : انه لو قلنا أنه يمسح بالماء الجديد لا يحتاج بالمسح باليد اليابسة , فالذي يقول المسح باليد اليابسة لا يقول أن المسح بالماء الجديد باطل , وإنما يقول المسح باليد اليابسة ولا ينفي المسح بالماء الجديد , فلو اكتفينا بالمسح بالماء الجديد ثم التيمم , لكن الكلام في أن صاحب الجواهر ذكر انه لم نعثر على من يفتي بالتيمم في المقام , إلا السيد الخوئي وجمع في المقام بعده , إلا إن الإشكال انه لما قال لم نعثر ما هو مفاده هل هو غير موجود أبدا أو انه هذا باطل لم يدل عليه دليل

 


[1] الحج/السورة22، الآية78.
[2] المائدة/السورة5، الآية6.