الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

36/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

كان الكلام في احكام المسح ذكرنا ان من احكام المسح انه هل يقتصر مسح الراس ومسح الرجلين بالبلة الباقية في اليد ام يجوز الاخذ من سائر اعضاء الوضوء ذكرنا ان المشهور المدعى عليه الاجماع انه لابد ان يكون المسح بالبلة الباقية على اليد .

ولكن السيد الماتن وغيره ذهبوا الى جواز ان يكون من بلة سائر اعضاء الوضوء , بناء على هذا لوا وضع الانسان يده على عضده قبل مسح الراس والرجلين صح وضوؤه , كذلك عند العوام الان يسألون كثيرا يمسح راسه ويوصل يده الى الوجه بحيث يختلط ما في اليد ببلة الوجه فهل يجوز له مسح الرجلين بناء على هذا صح ولا اشكال فيه وتقدم الكلام فيه وهذا هو الدليل الصحيح هذا كله مع عدم جفاف ما في اليد , واما اذا جف مافي اليد فلاريب ولا اشكال في انه يجوز الاخذ من بلة سائر اعضاء الوضوء

الكلام كان في هذا القسم والكلام يقع من جهتين ,

الجهة الاولى : في ما اذا جفت رطوبة اليد أي البلة الباقية على اليد فهل يجوز له ان ياخذ من سائر اعضاء الوضوء ام لابد له ان ياخذ من اللحية او الحاجبين او اشفار العينين وغير ذلك لايصح

الجهة الثانية : انه هل يقتصر على هذه الموارد او لايقتصر

الجهة الثالثة : هل هو على الترتيب او ليس على الترتيب فياخذ من لحيته وان لم يكن عليها فياخذ من حاجبيه وان لم يكن ماء ورطوبة فياخذ من اشفار عينيه

والكلام يقع في هذه الجهات الثلاثة

اما الجهة الاولى : فالضاهر انه لا اشكال في جواز اخذ البلة من اللحية والحاجب واشفار العينين فهل يقتصر على هذه الموارد ام يعم جميع اعضاء الوضوء حتى لو كانت بلة على اللحية ياخذ من عضده هل هذا يصح ؟

ذهب الى هذا القول السيد الماتن وصاحب المسالك وصاحب المدارك ذهبوا الى انه لايقتصر على هذه الموارد بل يصح له عند جفاف الرطوبة ان ياخذ من سائر اعضاء الوضوء ,

اما الحكم انه جواز اخذ الرطوبة من اللحية فلا اشكال في الحكم وتدل عليه روايات بعضها صحيحة السند وبضها فيها ضعف وارسال ولكن بعد عمل المشهور وورود الاجماع لامعنى للنقاش في سند الاحاديث بعدما كان الحكم مسلما عند الجميع ولااشاكال فيه انما الخلاف في انه هل يؤخذ من هذه الموارد الثلاثة وياتي الكلام فيه .

اما الروايات : منها صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله ع (إن ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف، فأتم الذي نسيته من وضوئك، وأعد صلاتك)[1] ويكفيك من مسح راسك ان تاخذ من لحينك بللها اذا نسيت ان تمسح راسك فتمسح به مقدم رأسك وهي صحيحة من حيث السند وهي في خصوص الرأس والضاهر انه تاخذ حتى مع عدم الجفاف فضاهرها ( نسيت ان تأخذ من لحيتك ) ولكن لابد من حملها على حالة الجفاف حينئذ اذ انه نظر الى نسيان المسح ونسيان المسح يقتظي انه يكون بعد مدة فيكون الجفاف واردا في مورده فالصحيحة لاتخلف البقية , ولذلك استدللنا في هذا الحديث في ماسبق انه ياخذ حتى مع الرطوبة من سائر الاعضاء اذا وضع يده على العضد او أخذ من ماء الوجوه ومسح به رجليه وغير ذلك .

ومنها مرسل خلف ابن حماد ( قال قلت له الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة قال ع ان كان في لحيته بلل فليمسح به , قلت فان لم يكن له لحية قال ع يمسح من حاجبيه او اشفارعينيه)[2] فألحق باللحية الحاجبين واشفار اللعينين , هذا مورد من لم يكن له لحية هل هذا قيد او ليس بقيد فسياتي البحث فيه .

ومنها ماروي عن الصادق ع ( ان نسيت مسح راسك فأمسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك)[3] هذا عام فتمسكنا بهذا الحديث ان بلة الوضوء كافية كانت على العضد او اليد ونحوا ذلك (فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء فخذ مابقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك وان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك واشفار عينيك وامسح به راسك ورجليك وان لم يبقى من بلة وضوئك شيء اعدت الوضوء ), هذه الروايات الواردة في المقام وقد ورد فيها اللحية والحاجبين واشفار العينين , وهل يقتصر على هذه الموارد او انها من باب المثال فيصح لنا ان ناخذ من بلة الوضوء ولو كان من عضد اليد او من الوجه ولو كان من غير اللحية سياتي في الجهة الثانية .

ذكرنا ان هذه الروايات تامة الدلالة وتدل على جواز اخذ البلة من سائر اعضاء الوضوء عند جفاف الرطوبة على اليد والحكم مسلم عند الجميع فلا وجه للمناقشتة في اسناد بعض هذه الروايات اذ الحكم اجماعي

الجهة الثانية : في انه يقتصر على أخذ البلة من اللحية او الحاجبين او الاشفار او يعم سائر اعضاء الوضوء ؟ استدل على انه لايقتصر على هذه الموارد وانما هي امثلة لاعضاء الوضوء لا لتقييد اخذ البلة من هذه الاعضاء الثلاثة بل يأخذ من سائر اعضاء الوضوء واستدل على ذلك بامرين

الامر الاول : اطلاقات الادلة الواردة في الكتاب والسنة ففي الكتاب العزيز بقوله تعالى ﴿ وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين [4] فحينئذ عام يشمل ماذا كان هذا البلل من اللحية او الحاجبين او الاشفار بعد تقييد الاطلاق بجفاف الرطوبة , كذلك اطلاقات السنة الشريفة فان الاطلاقات تشمل ما اذا جف بعد ورود التقييد على هذه الاطلاقات بصورة جفاف اليد انه لابد ان يكون بهذا فحينئذ يشمل كل اعضاء الوضوء .

استشكل على ذلك : بان اطلاق مادل في الكتاب العزيز والسنة الشريفة هناك اطلاق لدليل الخاص ايضا , فالخاص ورد عند جفاف الوضوء ببلة اليد ياخذ من اللحية فهذا له اطلاق وذلك له اطلاق فاطلاق الخاص يشمل ما اذا كان هناك جفاف للرطوبة او لم يكن جفاف , فاطلاق دليل المقيد يشمل صورة الجفاف وعدم الجفاف لكن عرفنا مع وجود الرطوبة في اليد لايمكن لنا اخذ البلة من سائر الاعضاء فيبقى ان هذا استفيد من التقييد ان للبلة خصوصية خاصة لايمكن رفع اليد عنها , هذا الحكم مقيد بان يكون باليد فهذا تقييد والتقييد قد ورد فيه ان يكون من اللحية والحاجبين والاشفار فلا يبقى مورد لاطلاق دليل الكتاب ودليل السنة , فذلك الاطلاق قد زال بوجود اطلاق لدليل التقييد بعد استفادة ان لليد خصوصية خاصة فلابد من المسح باليد على هذين الموضعين الراس والرجلين الا انه برطوبة فلابد ان تكون هذه الرطوبة اما موجودة او يؤخذ من اللحية او الحاجبين او الاشفار فلا يكون هناك اطلاق الا انه يمكن الاشكال عليه ,

الاشكال الاول : لاحاجة لنا الى الرجوع الى اطلاق الكتاب والسنة فنأخذ باطلاق قوله تعالى ﴿ وامسحوا برؤوسكم ... ﴾ فيشمل ما اذا كان هناك رطوبة وعدم الرطوبة قيد في ما اذا لم تكن رطوبة فناخذ بها لاحاجة لنا لذلك , فناخذ باطلاق دليل المقيد فانه يقول عند جفاف الرطوبة لابد من الاخذ من اعضاء الوضوء ,هناك تقييد بان تكون من اللحية والحاجب واشفار العينين ,نقول ان الكلام في ان هذه الموارد الثلاثة اخذت على نحو الموضوعية او انها اخذت من باب المثال لكل رطوبة موجودة على سائر اعضاء الوضوء هذا لاحتمال ان اجتماع الماء في هذه الاماكن كثير فحينئذ من هذه الناحية وسياتي الكلام فيه , فناخذ باطلاق دليل المقيد لااطلاق دليل الكتاب حتى نقول ان المسح لايلزم , فاطلاق دليل المقيد الذي يدل على انه لابد ان يكون مسح الراس والرجلين بنداوة اليد عتد عدم جفافها واذا جفت فناخذ بنداوة هذه الموارد .

والكلام في هذه الموارد تخصيص وتقييد ام انه ليس الكلام في ذلك فرجعنا الى النزاع مرة اخرى , هذا هو الدليل الاول .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص470، ابواب الوضوء، ب42، ح3، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص407، ابواب الوضوء، ب21، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص409، ابواب الوضوء، ب21، ح8، ط آل البيت.
[4] المائدة/السورة5، الآية6.