الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الطهارة - فصل – في الاستنجاء
اما الرواية الاخيرة التي قيل فيها ان لفظ الاحجار لا يراد منه الجمع بل المراد منه الجنس فيمكن ان يراد منه الجنس ولكن جنس الجمع وليس جنس المفرد فحينئذ جنس الجمع ايضا ينطبق على الثلاثة ولا ينطبق على الاقل فالروايات من هذه الناحية تامة من حيث الدلالة ومن حيث السند على وجوب الاستجمار بثلاثة احجار وهو المشهور بين الفقهاء وهو الصحيح، وقد  يستدل على ذلك بصحيحة زرارة التي هي (ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه واله)[1] ولكن استشكل على ان هذا يجري مجرى الغالب والتطهير غالبا لا يحصل الا بثلاثة احجار فلو حصل بالأقل فلا بئس واذا لم يحصل بالثلاثة فلابد من الاكثر ولكن الغالب يحصل بثلاثة وقد تقدم في بحث الاصول ان القيد اذا كان غالبي لا مفهوم له كما في قوله تعالى (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم)[2] القيد الذي يثبت المفهوم فيما اذا كان حقيقي اما اذا كان غالبي فلا مفهوم له كما في هذه الآية
لكن يمكن الجواب عن هذا اما الكبرى غير معلومة وهو كون القيد غالبي وليس حقيقي فان ظاهر كلام المعصوم او  أي شخص اذا ذكر قيود في كلامه يحمل على الحقيقي لا على الغالب الا اذا دلت قرينة في البين، وما ذكرناه في الآية الشريفة انما هو لأجل نص خاص دل على انه لا يشترط في حرمة الربائب ان تكون في الحجور والا لو لم يكن هذا النص لحملنا هذا القيد على الحقيقة وقلنا بحرمة الربائب التي تتربى في الحجور اما غيرها فلا حرمة، واما بالنسبة الى الصغرى وفي المقام من قال ان الغلبة هو ان يحصل النقاء بثلاثة احجار فليس الامر كذلك كما هو يحصل بأكثر من ثلاثة احجار وقد يحصل باقل تبعا لنوعية الغائط الحاصل، فحينئذ الكبرى ممنوع والصغرى في المقام غير متحققة هذا بالنسبة الى الاشكال في صحيح زرارة .
لكن ذهب جمع الى عدم الوجوب بالثلاثة فلو حصل النقاء باقل من ذلك يمكن القول بحصول الطهارة ولذلك السيد الماتن رحمه الله ذكر انه يجب بثلاثة احجار ولو حصل النقاء بالأقل ايضا يجب الثلاثة لدلالة تلك الروايات على الاطلاق سواء حصل النقاء بالأقل او لم يحصل فلو لم يحصل النقاء الا بالاكثر فيجب ولكن لو حصل النقاء بالأقل من الثلاثة فهل يجب الاتمام بثلاثة احجار او لا يجب الذي ذهب اليه المشهور هو هذا لإطلاق الادلة التي دلت على وجوب الثلاثة لكن ذهب جمع من الفقهاء انه لو حصل النقاء بالأقل من ثلاثة فلا يحتاج الى الاكمال بالثلاثة تمسكوا بجملة من الروايات منها موثقة يونس ابن يعقوب لها من الاطلاق ما يشمل ما اذا حصلت الطهارة بالأقل فيجب ولو حصلت بالاكثر فيجب اكثر من الثلاثة فان النقاوة والطهارة باي واحدة من هذه الاحجار يكفي هذا المقدار
استشكل الشيخ الانصاري (رحمه الله) على هذه الرواية بان ظاهرها ورد في خصوص الغسل بالماء ولا تشمل التطهير بالأحجار اولا انما ورد فيها الذكر ولم يرد فيها الدبر لاستهجانه فلأجل ذلك خص الشيخ الانصاري هذه الرواية الغسل بالماء على التطهير بالاستنجاء، الا انه يستشكل عليه بانه اذا كان هنا استهجان لذكر الدبر فالاستهجان وارد ايضا في ذكر الذكر فلماذا يذكر الامام الذكر ولم يذكر الدبر فهما سيان في الاستهجان ومع ان هذه الروايات الاخرى ورد فيها العجان وهو بمعنى الدبر ايضا ذكر فيها محل الغائط ونحمل هذه على تلك، الا انه ذكرنا سابقا ان اطلاق هذه الرواية لابد من تقيدها بتلك الروايات التي دلت على اعتبار الثلاثة في الاستجمار
ومنها معتبرة ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له: للاستنجاء حد؟ قال: (لا، ينقي ما ثمة)[3] استدلوا بهذه الرواية من ان اطلاق النقاء في المقام يشمل ما اذا كان النقاء بالماء او بالأحجار ولها من الاطلاق ما اذا حصل النقاء بحجر واحد او اكثر من ذلك فالمدار على النقاء، استشكل الشيخ الانصاري ايضا على هذا من ان ظاهر الرواية منصرفة الى الماء ولا تشمل الاستجمار لأنه ورد في ذيلها اذا كان هناك ريح فقال لا اعتبار بالريح فان الريح لا يحصل الا بمزاولة اليد للموضع واما بالأحجار فلا يحصل فيستفاد من هذا انه بعد ان تكون اليد قد وصلت الى الموضوع بواسطة الماء ويستشهد ان هناك ريح او لا فقال لا اعتبار بالريح فتكون مختصة بالماء ولا يشمل الاستجمار، وفيه ان الاستشمام كما يكون باليد يكون بغير اليد ومضافا الى ذلك ليس الريح مناطه وصول اليد بل المناط فيه تابعة لشدة العفونة والريح تابع للعفونة فلا يخص بان تزاول اليد ذلك الموضع حتى يستشم فما ذكره الشيخ الانصاري غير سديد والرواية لها من الاطلاق ما يشمل لكن لابد من تقيد هذا الاطلاق بما دل على اعتبار الثلاثة مما تقدم ذكره .
ذكر بعض العلماء ايضا من انه اذا اردنا ان نستشكل في هذه الرواية باختصاصها بالماء لابد ان نستشكل من ناحية اخرى باعتبار ان الاستجمار لا يذهب الغائط بالكلية بل تبقى اجزاء صغيرة فتحصل الريح من هذه الاجزاء والفقهاء يقولون لا اعتبار ببقاء اثر الغائط وهو الاجزاء الصغار فحينئذ اذا اردنا ان نستشكل من حيث ان هذه الحسنة لا تشمل الاستجمار من ناحية وجود هذه الاجزاء الصغيرة فالسائل لابد ان يسئل الامام ان وجود هذه الاجزاء وليس ان يسئله عن الريح، لكن هذا الاستشكال ايضا غير سديد باعتبار ان هذه الريح لم تكن بواسطة الاجزاء الصغار بل تابع لعفونة الغائط شدة وضعفا والاجزاء الصغار هي التي تكون اثر النجاسة وتقدم سابقا بان بقاء اثر النجاسة لا يضر بعد تطهير العين المناط ذهاب العين وقد قال السيد الماتن وغيره من الفقهاء لا يضر بقاء الاثر وقالوا ان الاثر هي الاجزاء الصغار الباقية بعد تطهير المحل فالرواية من هذه الناحية ايضا لها من الاطلاق ما يشمل ان يكون النقاء بالثلاثة او بالأقل لكن ذكرنا ان هذا الاطلاق لابد من تقيده بتلك الروايات التي دلت على اعتبار الثلاثة فلو حصل النقاء بالمرة او بالاثنين فلابد من الاتمام بالثلاثة .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص315، باب وجوب الاستنجاء، ح1، ط ال البيت.
[2] نساء/سوره4، آیه23.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص321، باب ان الواجب في الاستنجاء ازالة عين النجاسة، ح1، ط ال البيت.