الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/05/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الطهارة - فصل – في احكام التخلي
(مسألة 18): عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله إلى جميع الأطراف[1]، لما ذكرنا من تحقق العلم بالمخالفة القطعية بعد كون الموضع واحدا فيحرم عليه ان يدور ببوله الى الاطراف الاربعة، نعم إذا اختار في مرة أحدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها بل له أن يختار في كل مرة جهة اخرى إلى تمام الأربع، واما اذا اختار احد الاطراف فهل يبقى له استمرار التخيير بحيث يجوز له ان يبول الى الطرف الثاني وفي الثالث الى الطرف الثالث وهكذا في الرابع او يكون التخيير له بدوي ولا يجوز له ان يختار جهة وطرف اخر في المرة الثانية ؟
قالوا اذا كان من اول الامر مخيرا في اختيار احد الاطراف فاختار احدها واراد ان يبول في المرة الثانية الى طرف ثاني فاذا شك في عدم الاختيار اصالة بقاء التخيير جارية
لكن استشكل بان هذه الصورة يمكن ادراجها في الصورة الاولى فتكون الصورتان من حيث الحكم واحد وذلك بأحد وجهين :-
الوجه الاول : ان الصورة الاولى ايضا وقائع متعددة بحسب قطرات البول الحاصلة منه ومع ذلك قلتم بالحرمة لحصول المخالفة القطعية وهنا ايضا وقائع متعددة فتحصل المخالفة القطعية كما تحصل في الصورة الاولى لإمكان تصويرها بالوقائع المتعددة باعتبار القطرات المتعددة
لكن الجواب عنه ان النظر العرفي يرى الموضوع في الصورة الاولى واحد وفي الصورة الثانية وقائع متعددة فلا يمكن قياس هذه الصورة بالصورة السابقة باعتبار تلك الدقة ومع ذلك قلتم بالمخالفة القطعية فيحرم، هنا ايضا وقائع متعددة فتحصل المخالفة القطعية اذ لو بال في جهة ثم في المرة الثانية في الجهة الثانية وهكذا بالنسبة الى الجهة الثالثة والرابعة فتحصل له مخالفة قطعية في البين وهذه المخالفة توجب الحرمة فلا يجوز له الا ان يبول في الطرف الذي اختاره ابتدائا
ويمكن ان نتنزل ونقول بانه قطرات متعددة ايضا بحسب الدقة العرفية لان العرف له نظرتان نظرة دقية ونظرة مسامحيه وهي موجودة عند اغلب الجهال اما اذا كان العرف عنده علم وفهم فينظر بالنظر الدقي -وسيأتي في محله من كتاب المكاسب ان المناط في بعض الموارد على النظر الدقي العرفي لا المسامحي- ففي هذه الصورة اذا كانت قطرات متعددة فتكون وقائع متعددة فتحرم من هذه الناحية لانها تكون كالصورة الثانية فيحرم باعتبار حصول المخالفة القطعية كما انه في الصورة الاولى تحصل مخالفة قطعية في الصورة الثانية مخالفة قطعية فتحرم ايضا فلا تكون استمرارية
لكن يمكن الجواب بان الامر يدور بين ترك المخالفة القطعية وترك الموافقة القطعية فهنا عندنا مخالفة قطعية وموافقة قطعية في كلتا الصورتين اما ان نترك المخالفة القطعية فيستلزم ترك الموافقة القطعية او نترك الموافقة القطعية فيستلزم ترك المخالفة القطعية ولا ترجيح في البين وانهما على حد سواء فيكون التخيير استمراريا .
الوجه الثاني : نقول بان هنا علوم اجمالية فاذا بال في احد الاطراف فله الخيار ان يختار احد الاطراف لكن لو بال في المرة الثاني في الطرف الثاني والثالثة في الطرف الثالث والرابعة في الطرف الرابع حصلت له علوم اجمالية في تحقيق القبلة في احد الاطراف وقد تقدم سابقا ان العلم الاجمالي منجز في الدفعيات ومنجز في التدريجيات فتحرم المخالفة القطعية وان اوجبت الموافقة القطعية، اما اذا بال في طرف واحد مرتين او ثلاثة مرات فهنا احتمال القبلة موجود واحتمال عدم القبلة موجود فموافقة احتمالية ومخالفة احتمالية في الصورتين لا فرق فان العلم منجز فيحرم اختيار الاطراف
لكن نقول في صورة الموافقة القطعية العقل يقبح الاذن من المولى فيه اما في المخالفة الاحتمالية فان الامر اهون اذ لا قبح للعقل ان يأذن في ارتكاب المخالفة الاحتمالية وان لم تجري الاصول في اطرافها اذ ان الاصول بأجمعها اذا جرت فخلاف الواقع فكيف يمكن ان تجري الاصول في جميع الاطراف مع اننا نعلم ان في طرف من الاطراف قبلة، واما ان يجري الاصل في طرف معين فيكون ترجيح بلا مرجح واما ان يجري الاصل في طرف غير معين وهذا غير سديد فلذلك قلنا بان الاصول لا تجري الا انه لا قبح عقلا فان الشارع يأذن له في جهة واحدة ولا يأذن له ان يرتكب الجهات الاربعة لاستلزامه المخالفة القطعية وهو قبيح عقلا فلا اذن فلا يجوز له ان يختار بقية الاطراف فيكون التخيير بدوي ولا يكون استمراري فلا يجوز له ان يختار بقية الاطراف
الا ان الجواب عن هذا يظهر مما سبق بان عندنا هنا موافقة ومخالفة قطعيتين فان ترك المخالفة القطعية يستلزم ترك الموافقة القطعية وكذا العكس ولا ترجيح في البين فيمكن الرجوع الى اصالة التخيير وهو من الناحية الثبوتية صحيح .
والحاصل مما ذكرناه ان الصور اربعة :-
الصورة الاولى : ان تكون الواقعة واحدة فتحرم المخالفة لأنه علم اجمالي كما في الصورة الاولى التي ذكرها المصنف ان يدور ببوله الى جميع الاطراف في واقعة واحدة لانها تستلزم المخالفة القطعية ولا اشكال في حرمة ذلك
الصورة الثانية : ان تكون وقائع متعددة مع البناء على المخالفة القطعية وعدم الدليل على التخيير ففي هذه الصورة ايضا حرام ولا اشكال فيه بل يمكن ان نقول لو لم يكن له بناء على المخالفة يحرم باعتبار ما ذكرناه من ان العلم الاجمالي كما انه منجز في الدفعيات فهو منجز في التدريجيات ايضا فانه لو اختار الوقائع المتعددة فهو يعلم بوقوع المخالفة تدريجا فيكون العلم الاجمالي منجز فيها حتى ولو لم يكن له بناء على المخالفة
الصورة الثالثة : ما اذا كان هناك وقائع متعددة وبنى على المخالفة لكن هناك دليل على التخيير ففي هذه الصورة يمكن القول بان الدليل مقدم ونأخذ به كما في مقامنا استصحاب بقاء التخيير دليل على التخيير، وكلامنا هل ان لدليل الاستصحاب اطلاق يشمل هذه الصورة فيما اذا كانت تستلزم المخالفة القطعية، مشكل ان نقول ذلك فلا دليل على ذلك فتصير هذه الصورة مثل الصورة السابقة
الصورة الرابعة : وقائع متعددة وليس له بناء على المخالفة ودليل على التخيير حينئذ يمكن القول اذا ثبت التخيير بدليل يمكن واذا لم يثبت فيكون مثل السابق ايضا فيحرم لحصول المخالفة القطعية والعلم الاجمالي منجز في الدفعيات كما انه منجز في التدريجيات .
ومن جميع ذلك تظهر تتمة المسألة في كلام السيد الماتن حيث قال وإن كان الأحوط ترك ما يوجب القطع بأحد الأمرين ولو تدريجا، خصوصا إذا كان قاصدا ذلك من الأول، بل لا يترك في هذه الصورة[2]، فاذا كان يعلم بتحقق المخالفة القطعية فان ارتكابه ظلم بالنسبة الى المولى فلا يمكن ان نقول احوط بل يتعين الاقوى ترك ذلك خصوصا اذا كان قاصدا ذلك من الاول بل لا يترك هذه الصورة فانه لا فرق بين ان يكون قاصدا وباني او لم يكن قاصدا، فما ذكره السيد الماتن (والاحوط) غير تام بل الاقوى ان يترك فيما اذا استلزم احد الامرين أي المخالفة القطعية سواء كان قاصدا او لم يكن واستصحاب بقاء التخيير دليله لا يشمل المقام مع علمنا بحصول المخالفة القطعية .


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1، ص328، ط ج.
 [2]  العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1، ص328، ط ج.