الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الطهارة - فصل – في احكام التخلي
ذكرنا في المسألة السابقة انه يتحقق ترك الاستقبال والاستدبار بمجرد الميل الى احد الجهتين الشرق والغرب لما تقدم سابقا من ان المحرم في التخلي هو استقبال القبلة بمقاديم البدن واستدبارها كذلك، فلا دليل على وجوب التشريق والتغريب لعدم الدليل فتجري البراءة بالنسبة اليه الا ان يقال بالنبي المعروف (إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها، ولكن شرقوا، أو غربوا)[1] لكن هذا الحديث اولا ضعيف سندا ثانيا ضعيف دلالةً، اذ يمكن ان يراد من التشريق والتغريب الميل الى الشرق او الى الغرب لا ان يكون تشريق ناحية المشرق والمغرب فالرواية ضعيفة سندا ودلالة ولكن يمكن حملها على مطلق الرجحان لان الاجماع قائم على انه لا يجب التشريق والتغريب
(مسألة 17): الأحوط في من يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال والاستدبار بقدر الإمكان، وإن كان الأقوى عدم الوجوب [2]، والدليل على ذلك ان الادلة التي ذكرناها في حرمة استقبال القبلة واستدبارها المتفاهم منها الامر العرفي المعتاد فالأدلة تنصرف الى هذا المعنى أي التخلي المتعارف الحاصل بالاختيار واما الذي يحصل بلا اختيار فلا تشمله تلك الادلة، لكنه ذكر –الاحوط- ان لا يستقبل القبلة فهذا الاحتياط حسن على كل حال وليس لأجل دليل في البين حتى يحكم بوجوب الاحتياط، هذا اذا لم يكن للبول والغائط محلا معين والا لو كان له محل معين فيحرم استقبال القبلة واستدبارها
ولكن ذكر السيد الخوئي (رحمه الله) في المقام اذا كان دليل حرمة الاستقبال والاستدبار حال التخلي الاخبار فان الموجود في الاخبار حرمة التخلي مستقبلا للقبلة ومستدبرا لها يستفاد منها امران الاول استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي، والامر الثاني التبول والتغوط حال الاستقبال وهذان امران نستفيدهما من الاخبار الواردة في المقام حيث ورد في بعضها (لا تبل مستقبل القبلة) فيستفاد منه التبول والتغوط فان كان الامر الاول وهو استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي فان محور الحكم هو الاستقبال والاستدبار وبما انهما امر اختياري بالنسبة الى هذا الشخص الذي يتبول بدون اختيار فيحرم عليه استقبال القبلة و استدبارها اذ ان محور هذا الحكم هو الاستقبال والاستدبار التبول والتغوط لم يكن اختياري عنده لكن الاستقبال والاستدبار اختياري بالنسبة اليه فلذلك يحرم عليه استقبال القبلة واستدبارها، الامر الثاني وهو التغوط والتبول مستقبلا ومستدبرا فبما ان هذا الشخص بما انه لم يكن قادر على كف بوله وغائطه يخرجان بدون اختيار فلا يحرم بالنسبة اليه لأنه يشترط الاختيار والمفروض انه لا اختيار له في التبول والتغوط، رجع الى هذه الادلة فقال ان هنا ان استفدنا من الادلة حرمة الاستقبال والاستدبار فبالنسبة الى هذا الشخص الاستقبال والاستدبار اختياريان فيحرمان عليه حال التخلي وان استفدنا من الادلة التبول والتغوط حال الاستقبال فانه بما ان هذا الشخص تبوله وتغوطه غير اختياري له فلا تشمله الادلة
والحق ان يقال بان هذان الامران متلازمين عرفا فمن يستقبل القبلة في حال التخلي فمعناه يتبول او يتغوط الى القبلة ولذلك ورد كلاهما في الروايات وبما ان الادلة منزلة على ما هو المتعارف المعتاد في التخلي فالشخص الذي يتبول ويتغوط من دول اختيار لا تشمله تلك الادلة لانها تنصرف الى المتعارف من التخلي لا مثل هذا فلا تشمل الادلة مثل هذا الشخص، فما ذكره رحمه الله من التفصيل غير سديد
(مسألة 18): عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله إلى جميع الأطراف [3]، لحصول المخالفة القطعية اذ انه يعلم بوجود القبلة في احد الاطراف فلو تبول وهو يدور في بوله الى الاطراف الاربعة يعلم بالمخالفة القطعية فلذلك يحرم واما اذا بال في احد الاطراف فيجوز له ذلك لكن هل يجوز له بعد ان يبول في احد الاطراف ان يبول في ذلك الطرف او يختار طرف اخر فهل يبقى الاختيار استمراري بحيث اذا بال في احد الاطراف يبول الى الطرف الاخرى مرة ثانية او ثالثة ام انه يترك الطرف الذي بال اليه ويختار طرف اخر، فأصالة بقاء التخيير جارية مرة ثانية وثالثة فمجرد احتمال كون هذا الطرف هو القبلة غير كافي بعد ما ثبت له التخيير فيه
لكن ذهب بعضهم الى ان هذه الصورة ايضا مثل الصورة الاولى لا يجوز له ان يختار الاطراف الاخرى ففي الصورة الاولى كان اذا اشتبهت القبلة لا يجوز له ان يبول الى الاطراف الاربعة دفعة واحدة للعلم بالمخالفة القطعية وفي هذه الصورة اذا اختار احد الاطراف فلا يجوز له ان يختار الطرف الثاني في المرة الثانية ولا الطرف الثالث في المرة الثالثة والطرف الرابع في المرة الرابعة بل يبقى على الاختيار الاول والسر لما ثبت في علم الاصول من ان العلم الاجمالي منجز سواء كان دفعيا ام كان تدريجيا فحينئذ يكون محرما
الا انه يمكن الجواب عن هذا اذا نظرنا بالنظر الدقي ربما نقول ان البول قطرات لكننا لم ننظر بالنظر الدقي العرفي يرى ان هذا بول واحد وليس قطرات متعددة والعرف يرى ان هذا الشخص بال الى الجهات الاربعة دفعة واحدة فحصلت المخالفة القطعية وهذا واضح هناك، اما في المقام بما ان هذا الشخص اختار في كل مرة طرف واحد فتعدد الوقائع موجود وكل واقعة لها حكم فإصالة بقاء التخيير باقية في المقام، الا انه يمكن ان نقول في المقام لو اختار احد الجهات وبال اليها ثم بال في جهة اخرى غير الجهة في المرة الاولى فهنا يحصل له مخالفة قطعية وموافقة قطعية اذ يعلم ان في احد هذه الجهات القبلة وفي جهة من هذه الجهات ليست قبلة فان بال في جهة القبلة فهي مخالفة قطعية وان بال بالجهة التي لم تكن قبلة فهي موافقة قطعية فتحصل له مخالفة قطعية وموافقة قطعية للعلم انه بال لجهة غير القبلة في احد الاطراف، اما اذا بال في جهة معينة مرة وهكذا مرات فان هنا احتمال القبلة موجود فيحرم من جهة احتمال المخالفة واحتمال الموافقة ايضا فيدور الامر بين هذين هل يختار القسم الاول وهو انه يختار الجهات الاربعة وان كان هناك موافقة قطعية مستلزم للمخالفة القطعية او يختار باعتبار انه مخالفة احتمالية مستلزمه للموافقة الاحتمالية فهل يختار القسم الاول او القسم الثاني، ذهب بعض الاصوليين الى انه في صورة الموافقة الاحتمالية المستلزم للمخالفة الاحتمالية ايضا لا فرق بين المخالفة القطعية المستلزمة للموافقة القطعية وبين المخالفة الاحتمالية المستلزمة للموافقة الاحتمالية كلاهما سيان ما دام هناك علم اجمالي فلا يفرق وان كان في الثاني اخف من الصورة الاولى لكن الاصول العملية لا تجري في الثاني باعتبار ان الاصول العملية ان اجريناها في الجميع تكون متعارضة وان اجريناها في بعض معين فيكون ترجيح بلا مرجح وان اجريناها في غير المعين فلا معنى له فيتعين القسم الاول .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص302، ابواب احكام الخلوة، الباب2، ح5، ط ال البيت.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1،ص327، ط ج.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1،ص327، ط ج.