الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اواني الذهب والفضة
كان الكلام في المحتملات التي ذكرت في الاخبار الواردة في حرمة استعمال انية الذهب والفضة وقلنا ان الاحتمالات اربعة، الاول ان يكون المراد منها هو الاكل والشرب لخصوصهما في الروايات فتحمل المطلقات على تلك لمناسبة الحكم والموضوع هو المستفاد فلما يأتي ويقول حرمة هذه الانية المستفاد منه في الاكل والشرب فان المطلق ينصرف الى هذا الخصوص لانهما المنصرفان عرفا من الانية، الثاني ان يكون المقدر فيها الاستعمال ان المستعمل فيه حرام وان كان هذا الاستعمال غير الاكل والشرب فان كل ما يعد استعمال هو المحرم ومن مصاديق الاستعمال هو الاكل والشرب الا انه هناك نزاع في ان نفس الاستعمال اذا كان محرم لكن هل تترتب الحرمة الانتفاع التي تحدث بعد الاستعمال فلو اخذ الماء للتوضوي من انية الذهب والفضة عد ذلك استعمال لكن التوضي فعل مترتب على ذلك الاستعمال، فالروايات اذا حرمة الاستعمال هل تحرم المترتبة على الاستعمال او فقط الاستعمال محرم والافعال ليست محرمة، وتقدم الكلام في الانية المغصوبة يجري في المقام ايضا، الثالث ان يكون المراد منها الانتفاع مطلقا محرم فالمقدر في المطلقات هو الانتفاع ومن موارد الانتفاع الاكل والشرب ويشهد لذلك رواية حسن ابن موسى التي تقدمة من انها ذكرت متاع الدنيا انية الذهب والفضة متاع الغافلين فان المتاع ما ينتفع به يكون محرما فعلى هذا المبنى يحرم التزين ويحرم وضعه على الرفوف ونحو ذلك لأنه انتفاع، الرابع ان يكون المقدر في تلك المطلقات مطلق الفعل الذي يكون راجع لتلك الانية فيشمل كل المعاملات التي تجري على هذه لان كلها ترجع الى العمل وهو حفظها وانتقالها من احد لاحد يسمى فعلا
لكن الصحيح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الثاني أي يكون المقدر في المطلقات هو الاستعمال ان استعمال انية الذهب والفضة حرام وتعين الاستعمال بالنظر العرف اذ لم يرد من الشارع الاقدس تحديد نوعية الاستعمال وكميته فنرجع في التشخيص الى الفهم العرفي فان العرف اذا حكم ان هذه الانية استعملت فيكون هذا الاستعمال محرم سواء كان في اكل او شرب او وضوء او نحو ذلك فانه اذا عد عند العرف استعمالا انما يكون محرما، القائل بالاحتمال الاول ان الوارد في الروايات هو الاكل والشرب فلابد من حمل المطلقات على الاكل والشرب، نقول له لماذا لا نحمل المطلقات على الاستعمال العرفي والاكل والشرب من موارد الاستعمال العرفي فنقول بان الاكل والشرب من موارد الاستعمال العرفي لأنية الذهب والفضة وهو الاستعمال الشائع لا ان نخصصها بالأكل والشرب لخصوصهما في الروايات بل ان المطلقات نحملها على مطلق الاستعمال العرفي والاكل والشرب من صغريات هذا الاستعمال، ويشهد لذلك ما ورد في موثقة بريد، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه كره الشرب في الفضة وفي القدح المفضض، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض والمشطة كذلك)[1] فان هذه الرواية من حيث السند معتبرة الا انها عدة بعض مصاديق الاستعمال ومنها الشرب فهو من مصاديق الاستعمال ويشهد لها صحيحة علي ابن جعفر عن اخيه موسى ابن جعفر سألته عن المرآة هل يصلح امساكها او كان لها حلقة مفضضه قال نعم ان هذا استعمال لكن ليس بالاستعمال المتعارف انما يكره استعمال ما يشرب به فان هذا مجرد امسك الانية المفضضه او الاطار مفضض لا يسمى استعمال لذلك قال الامام نعم يجوز امساك المرآة المفضضه فهذه الرواية تفصل بين الاستعمال العرفي وغيره فمجرد امساك المرآة لا يسمى استعمال انما الاستعمال هو الشرب، وعلى هذا نحمل الاجماع الذي تكرر في كلماتهم الذي ناقش في السيد الخوئي بانه تارة لم يتحقق واخرى بانه مدركي لا اعتبار به لم يكن كذلك اولا لان الاجماع قد تكرر في كلماتهم ومنهم صاحب الجواهر فانه ادعى الاجماع على حرمة الاقتناء فكيف لم يكن هذا الاجماع مذكورا، مع انه رد هذا الاجماع بمجرد انه مدركي غير صحيح فان مثل هؤلاء يعتنون بكلماتهم وهذا دئب السيد الخوئي لم يستدل بالاجماعات بل ينكرها لكن الاجماع اذا كان صادرا من اعاظم الفقهاء يعتنى به هم يعلمون ان هناك روايات ايضا لكن هذا الاجماع لا يرجع الى الروايات اذ هو دليل مستقل ويحمل هذا الاجماع والقدر المتيقن منه الاستعمال فما يحرم من انية الذهب والفضة هو استعمال انية الذهب والفضة بما يصدق عليه الاستعمال عرفا فحينئذ الاكل والرب وغيرهما من التدهين والمشط وامثال ذلك كل هذا من مصاديق الاستعمال فالوجه الثاني هو الصحيح وما ذكر  الوجه الثاني غير تام، اما الوجه الثالث حرمة فهو حرمة المقدر يكون مطلق الانتفاع نظرا لرواية موسى ابن بكر وان هذه الرواية ضعيفة السند بموسى ابن بكر لا بسهل لان الامر بسهل سهلٌ فانه يعتمد عليه كثير من الفقهاء فانه ليس بذلك الضعف الذي لا يعتمد عليه بل اعتمد جمع من الفقهاء على هذا، فهذه الرواية ضعيفة السند من جهة بكر ضافة الى ان دلالتها غير تام من انه المراد من المتاع مطلق الانتفاع او شيء اخر الظاهر ان الرواية تشير الى مطلب اخر فان متاع الدنيا (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)[2] فمعناه الذي اعتمد على الدنيا وركن اليها وترك الاخرة هو الذي جعل الذهب والفضة متاعه فما ذكر في هذه الرواية اشارة الى تلك الآية الشريفة انها توجب الغفلة وعلى فرض ان المراد من المتاع هو الانتفاع فان الرواية لابد ان نحملها على الانتفاع اذا صدق عليه الاستعمال عرفا، فالانتفاع من  انية الذهب والفضة ليس مطلقا بل ان الانتفاع اذا صدق عليه استعمال بالعنوان العرفي فيحرم لما ذكرناه انفا فان الانتفاع الذي يصدق عليه الاستعمال يكون محرما اما مطلق الانتفاع ولو بالنظر او شرائها او بيعها لا يسمى انتفاع فان الانتفاع اذا انطبق عليه الاستعمال يكون محرما، اما الاحتمال الرباع فهو بعيد غاية البعد ان نجعل المقدر في تلك المطلقات مطلق الفعل الراجع الى انية الذهب والفضة بحيث يحرم اقتنائها وبيعها وشرائها فهذا تقدير بعيد الا اذا كان هناك انطباق، والاجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر في الاحتمال الثالث ان المراد منه الانتفاع هذا الاجماع القدر المتيقن منه هو المنطبق عليه موارد الاستعمال اما لا ينطبق فالأصل يقضي عدم الحرمة
ثم ذكر رحمه الله : يحرم تزيين المساجد والمشاهد المشرفة بها، بل يحرم اقتناؤها  من غير استعمال، ويحرم بيعها أيضا [3]، فحرمة التزين راجع لأنه انتفاع وحرمت الانتفاع من الذهب والفضة ومن انية الذهب والفضة فحرم تزين المساجد والمشاهد بالذهب والفضة فحينئذ راجع لأنه يحرم الانتفاع فيحرم التزين واستدلوا على حرمة الانتفاع والتزين بأمور :
الدليل الاول : انه يحرم الانتفاع بانية الذهب والفضة فيحرم التزين حينئذ وفيه ما ذكرناه انفا من انه اذا كان الدليل رواية بكر فقد تقدم انه ضعيف سندا وضعيف دلالة واما اذا كان غيره فلا دليل على حرمة مطلق الانتفاع الا اذا انطبق عليه الاستعمال وهذا يحتاج الى امعان نظر
الدليل الثاني : الاجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر في المقام انه قلنا بان هذا الاجماع القدر المتيقن منه هو ما صدق عليه عنوان الاستعمال لا مطلق الانتفاع اذ لا دليل على حرمة الانتفاع مطلقا
الدليل الثالث : الملاك قالوا ان الملاك في حرمة الذهب والفضة والحكمة فيه انه يوجب الخيلاء والتكبر ويوجب كسر قلوب الفقراء والشرع المقدس سد هذا الباب لكن هذه الحكمة ممنوعة كبرى وصغرى فانا اذا زينا المشاهد والمساجد بالذهب والفضة من اين كيف يكون كسر قلوب الفقراء فيحتاج الى دليل ومن اين يسمى خيلاء وهذا ممنوع
الدليل الرابع : ما ذكروه من ان النقوش هو انتفاع فان النقش بالذهب والفضة وجعلها على الرفوف والاماكن انما هو انتفاع بذلك كما ننتفع في بيوتنا في تزين الحيطان بنقوش فهذا انتفاع فالتزين انتفاع لكن هذا ايضا ليس امره كذلك لأنه من قال ان كل انتفاع يكون محرما ومن قال ان التزين بالأواني يسمى انتفاعا فممنوع صغرى وكبرى وعلى هذا لا دليل على حرمة التزين مطلقا الا اذا صدق عليه استعمال عرفي ولعل الاستعمال يختلف باختلاف الاعصار والامصار وربما تكون هذه الانية في مكان يكون استعمال لها ونجعلها في مورد اخر لا يكون استعمال لها فالتزين اذا انطبق عليه استعمال، فتزين المساجد والمشاهد بها ايضا تابع للاستعمال ان صدق عليها عرفا استعمال فهي محرمه اما اذا لم يصدق عليها فهي مورد اشكال لذلك استشكل بعض الفقهاء على عبارة السيد الماتن وتزين المشاهد والمساجد على اطلاقها غير تام واستشكلوا على ذلك .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3 ص509 ح2، باب كراهة الاناء المفضض، ط ال البيت.
[2] قران كريم، سورة ال عمران، اية 14 ص51.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1 ص305، ط ج.