الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الرجال

37/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:

وأمّا المعلّى بن خنيس: فقد اختلف الأعلام أيضاً في وثاقته وعدمها فذهب كثير منهم إلى الوثاقة، وقد ذهب جمع آخر إلى عدمها وهو الصحيح عندنا. ولكي يتضح الحال لا بدّ من ذكر الأدلة على وثاقته ثم نعقبّه بذكر الأدلة على ضعفه. إذا عرفت ذلك فقد استدل لوثاقته بعدّة أمور الأول : ما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة حيث قال:(وكان من قوّام أبي عبد الله (ع) وانما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ومضى على منهاجه وأمره مشهور...ألخ).

وهذا دليلٌ قوي على جلالته بل ووثاقته. الثاني وقوعه في تفسير علي بن إبراهيم، وفيه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة انه إذا لم يكن من مشايخه المباشرين فلا ينفع، ومعلّى بن خنيس ليس من مشايخه المباشرين كما هو واضح. الثالث رواية الإجلّاء عنه مثل حماد بن عثمان وعبد الله بن مسكان وجميل بن دراج وابن أبي عمير وهشام بن سالم وغيرهم.

وفيه ان رواية الإجلاء عن شخص لا تدل على الوثاقة. نعم قد يدل ذلك على كون الشخص من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته ولكن حيث لا يكون ما يدل على القدح كما في مقامنا فإنه قد ورد فيه الذم كما سيأتي إن شاء الله تعالى. الرابع الروايات الكثيرة الواردة في مدحه منها ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة عن أبي بصير قال:(لما قتل داود بن علي المعلّى بن خنيس فصلبه عظم ذلك على أبي عبد الله (ع) واشتّد عليه، وقال له: يا داود على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى أعمالي والله انه لأوجه عند الله منك ...ألخ) ولكنها ضعيفة بالإرسال.

ومنها ما رواه الكليني بسنده عن المسمعي قال:(لما قتل داود بن علي المعلّى بن خنيس قال أبو عبد الله (ع): لأدعوّن الله على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال له داود: إنّك لتهددّني بدعائك. قال حماد قال المسمعي وحدثني معتب أن أبا عبد الله (ع) لم يزل ليلته راكعاً وساجداً فلما كان السحر سمعته يقول: وهو ساجد اللهم أني اسألك بقوّتك القوية وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تأخذه الساعة الساعة فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد الله (ع) رأسه وقال: أني دعوت الله بدعوة بعث الله عز وجلّ عليه ملكاً فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقت منها مثانته فمات) وهي ضعيفة بجهالة المسمعي.

ومنها ما رواه في الكافي أيضاً عن الوليد بن صبيح قال:(جاء رجلٌ إلى أبي عبد الله (ع) يدّعي على المعلّى بن خنيس ديناً عليه فقال: ذهب بحقي فقال له أبو عبد الله (ع): ذهب بحقك الذي قتله ثم قال للوليد: قم إلى الرجل فاقضه من حقه فإني أريد أن أبرّد عليه جلده الذي كان بارداً) وهي حسنة.

ومنها حسنته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) أنه قال:(دخلت عليه يوماً والقى أليّ ثياباً وقال: يا وليد ردّها على مطاويها فقمت بين يديه فقال أبو عبد الله (ع): رحم الله المعلّى بن خنيس فظننت أنه شبّه قيامي بين يديه قيام المعلّى بين يديه ثم قال: أفّ للدنيا أفّ للدنيا إنما الدنيا دار بلاء يسلّط الله فيها عدوّه على وليّه وان بعدها داراً ليست هكذا. فقلت: جعلت فداك وأين تلك الدار فقال: ها هنا وأشار بيده إلى الأرض).

منها ما رواه الكشي عن اسماعيل بن جابر قال:(كنت عند أبي عبد الله (ع) مجاوراً بمكة فقال لي: يا اسماعيل أخرج حتى تأتي مرّاً أو عسفان فتسأل هل حدث بالمدينة حدث قال: فخرجت حتى أتيت مرّا فلم الق أحداً ثم مضيت حتى أتيت عسفان فلم يلقني أحد فارتحلت من عسفان فلما خرجت منها لقيني عير تحمل زيتاً من عسفان فقلت لهم: هل حدث بالمدينة حدث قالوا: لا إلاّ قتل هذا العراقي الذي يقال له المعلّى بن خنيس قال: فانصرفت إلى أبي عبد الله (ع) فلمّا رآني قال لي: يا اسماعيل قتل المعلّى بن خنيس فقلت: نعم قال: أما والله لقد دخل الجنّة) وهي صحيحة وكذا غيرها من الروايات، ولا إشكال في دلالة هذه الروايات على المدح.

وأما ما استدل على ضعفه فعدّة أمور: الأول قول النجاشي: )معلّى بن خنيس أبو عبد الله مولى الصادق جعفر بن محمد (ع) ومن قبله كان مولى بني أسد كوفي بزاز ضعيف جداً لا يعوّل عليه...ألخ). الثاني ما ذكره ابن الغضائري قال:(كان أوّل أمره مغرياً ثم دعا إلى محمد بن عبد الله وفي الظّنة أخذه داود بن علي فقتله...ولا أرى الإعتماد على شيء من حديثه).

الثالث الروايات الواردة في ذمه. منها ما رواه الكشي بسنده إلى حفص الأبيض التمّار قال:(دخلت على أبي عبد الله (ع) أيام صلب المعلّى بن خنيس فقال لي: يا حفص أني أمرت المعلّى فخالفني فابتلي بالحديد أني نظرت إليه يوماً وهو كئيب حزين فقلت: يا معلّى كأنك ذكرت أهلك وعيالك قال: أجل قلت ادن منّي فدنا منّي فمسحت وجهه فقلت: أين تراك فقال: أراني في أهل بيتي وهذه زوجتي وهذا ولدي قال: فتركته حتى تملأ منهم واستترت منهم حتى نال ما ينال الرجل من أهله ثم قلت: ادن منّي فدنا مني فمسحت وجهه فقلت: أين تراك فقال: أراني معك في المدينة قال: قلت يا معلّى: إن لنا حديثاً من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه يا معلّى لا تكونوا اسراء في أيدي الناس بحديثنا إن شاؤا منّوا عليكم وإن شاؤا قتلوكم يا معلّى إنه من كتم الصعب من حديثنا جعل الله له نوراً بين عينيه وزوّده القوّة في الناس ومن أذاع حديثنا لم يمت حتى يعضّه السلاح أو يموت بخبل يا معلّى أنت مقتول فاستعد) ولكنها ضعيفة بعدّة أشخاص منهم موسى بن سعدان.

ومنها ما رواه الكشي أيضاً عن محمد بن الحسن البراتي وعثمان قالا: حدثنا محمد بن يزاد عن محمد بن الحسين عن الحجال عن أبي مالك الحضرمي عن أبي العباس البقباق قال:(تدارأ ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء قال فدخلا على أبي عبد الله (ع) فلمّا استقر مجلسهما فبدئهما أبو عبد الله (ع) فقال يا عبد الله أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء) والرواية حسنة فإن محمد بن الحسن البراتي وان كان مجهولاً إلاَ أن عثمان الذي يروي عنه الكشي مع محمد بن الحسن هو عثمان بن حماد الثقة، كما أن محمد بن يزاد ممدوح، وأما الحجال فهو عبد الله الثقة وأبو مالك الحضرمي هو الضحاك الحضرمي الثقة، وأما أبو العباس البقباق فهو أشهر من أن يعرف. وكذا غيرها من الروايات.

والإنصاف ان الجرح مقدم على التوثيق لا سيّما إذا كان الجرح من النجاشي. ولا أقل يقع التعارض بينهما وبعد التساقط يصبح الرجل مجهول الحال. وأما القول بأن التضعيف إنما هو من جهة نسبته إلى الغلو فهو أولاً خلاف ظاهر عبارة النجاشي ولا يصح حملها على خلاف الظاهر بلا قرينة. وثانياً أنه لا يظهر من الروايات أنه كان منحرفاً أو مغالياً إلاّ حسنة أبي العباس البقباق حيث جعل الأوصياء أنبياء ولكن يظهر أنه رجع عن هذا القول بعد سماعه قول الإمام (ع) وأما نسبة المغيرية إليه أو أنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله فهذا موجود في كلام ابن الغضائري فقط ولم يثبت ذلك ولا سيّما أن الروايات لا يوجد فيها شيء من هذا القبيل والخلاصة أن المعلى بن خنيس ضعيف لا يعمل بروايته والله العالم.

وأما المفضّل بن عمر