الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الرجال

37/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:مراسيل صفوان وابن أبي عمير والبزنطي

أبو جعفر وقيل أبو علي المعروف بالبزنطي كوفي ثقة لقي الرضا(ع) وكان عظيم المنزلة عنده وروى عنه كتاباً...ألخ. ثم لا يخفى أن كلام النجاشي:(فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله)، إن كان المراد منه يعملون بمراسيله فيكون مطابقاً لدعوى الشيخ الإجماع على العمل بها، وأمّا إذا كان المراد منها أنهم يعتنون بمراسيله أي لا يعترضون على ابن أبي عمير بكثرة نقل المراسيل ولا يطالبونه بإسناده رواياته فلا يكون كلامه حينئذٍ مطابقاً لدعوى الشيخ، وإن كان هذا المعنى أنسب بالتفريع المذكور في عبارة النجاشي بخلاف المعنى الأول فإنه غير واضح من كلامه.

أضف إلى ذلك أن كلام النجاشي مختص بابن أبي عمير مراسيله ولا تعرّض فيه لصفوان والبزنطي ومراسيلهما. ومن هنا فالعمدة حينئذٍ هي عبارة الشيخ في العدّة. ثم أنه أيضاً قبل البحث في عبارة الشيخ تجدر بنا الإشارة إلى ذكر من صرّح من الأعلام بهذه التسوية – أي أن الطائفة سوّت بين مراسيل الثلاثة ومسانيدهم- فمنهم السيد علي بن طاووس المتوفى سنة ٦٦٤ للهجرة،حيث قال: (نقل حديث عن أمالي الصدوق بسندٍ ينتهى إلى محمد ابن أبي عمير عمّن سمع أبا عبد الله (ع) يقول:(ما أحبّ الله من عصاه...ألخرواة الحديث ثقات بالإتفاق ومراسيل محمد بن أبي عمير كالمسانيد عند أهل الوفاق). انتهى

ومنهم الفاضل الآبي في كشف الرموز الذي هو شرح للمختصر النافع، حيث قال: (في رواية مرسلة لأبن أبي عمير وهذه وإن كانت مرسلة لكن الأصحاب تعمل بمراسيل ابن أبي عمير قالوا لأنه لا ينقل إلا معتمداً ...)انتهى. ومنهم العلامة في النهاية، حيث قال: (الوجه المنع إلاّ إذا عرف أن الرواي فيه لا يرسل إلاّ عن عدلٍ كمراسيل محمد بن أبي عمير في الرواية). انتهى

ومنهم الشهيد الأول في الذكرى في أحكام أقسام الخبر، قال: (أو كان مرسله معلوم التحرّز عن الرواية عن مجروح، ولهذا قبلت الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر البزنطي لأنهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة). انتهى. ومنهم المحقق الثاني، حيث قال: (في جامع المقاصد: والروايتان صحيحتان من مراسيل ابن أبي عمير الملحقة بالمسانيد). انتهى

ومنهم الشهيد الثاني في الدراية وشرحها، حيث قال: (المرسل ليس بحجّة مطلقاً على الأصح إلا أن يعلم تحرّز مرسله عن الرواية عن غير الثقة كابن أبي عمير من أصحابنا على ما ذكره كثير وسعيد بن المسيّب عند الشافعي فيقبل مرسله ويصير في قوة المسند). انتهى

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى عبارة الشيخ في العدّة فلنرى أن هذه التسوية التي ذكرها هل هي صحيحة أم لا. والمعروف عن جماعة من الأعلام عدم قبول ما ذكره الشيخ (ره) ومنهم السيد أبو القاسم الخوئي (ره)، حيث ذكر أربعة أمور لعدم تمامية دعوى الشيخ وأنها إجتهاد منه (ره) استنبطها من إعتقاده تسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم.

ونحن نذكر هذه الأمور الأربعة تباعاً ثم نرى مدى صحتها وما قيل فيها أو يمكن أن يقال، الأول: قال : إن التسوية المزبورة لم تثبت وإن ذكرها النجاشي أيضاً في ترجمة محمد بن أبي عمير وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكها إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة وأمراً معروفاً متسالماً عليه بين الأصحاب لذكرت في كلام أحد من القدماء لا محالة وليس منها في كلماتهم عينٌ ولا أثر، فمن المطمأن به أن منشأ هذه هو دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء ...إلى أن قال: ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخصّ ما ذكره بالثلاثة المذكورين بل عممّه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلاّ عمّن يوثق به ...إلى أن قال: وممّا يكشف عمّا ذكرناه- من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب – مبنيّة على إجتهاده وهي غير ثابتة في نفسها – إن الشيخ بنفسه ذكر رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر (ع)، ثم قال في كلا الكتابين فأول ما فيه أنه مرسل وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة....ألخ). هذا بالنسبة للأمر الأول.

وفيه عدة نقاط منها: أن هذه التسوية إجتهاد من الشيخ وقد اعترض عليها البعض بأنها شهادة عن حسّ وإحتمال الحدس من الشيخ ضعيف. وأمّا وجه كونها عن حسّ هو قوله: (وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به. والإنصاف أنه لا يوجد في هذه العبارة إشعار فضلاً عن الظهور بأنها عن حسّ. ومنها قوله لو كانت هذه التسوية صحيحة وأمراً متسالماً عليها لذكرت في كلام أحد من القدماء...ألخ).

واعترض عليها بأنه إنما تصح هذه الدعوى لو وصلت إلينا كتب القدماء لا سيّما الكتب الرجالية، والمفروض أنه لم يصل إلينا منها سوى كتاب الكشي وسوى رجال البرقي الذي عبّر عنه الشيخ في فهرسه بطبقات الرجال، وبالجملة فإن كثيراً من الأمور لم تصل وما أكثر ما ضاع وتلف فخلو كلمات الأصحاب عن ذكر هذا الأمر ليس دليلاً على بطلان دعوى الشيخ من أساسها.

وفيه أنه وان كان لم يصل إلينا جملة من كتب المتقدمين إلا أنه لو كانت هذه التسوية معروفة عند الطائفة لما خفيت عن جملة من الأعلام المتأخرين المحتمل جداً وصول كتب المتقدمين إليهم لا سيّما أن بعضهم لا يبعد زمنه كثيراً عن زمن الشيخ وقد أنكروا هذه التسوية منهم السيد جمال بن طاووس المتوفى عام ٦٧٣ للهجرة صاحب البشرى وقد حكى (انكاره لها) الشهيد الثاني في درايته ومنهم المحقق في المعتبر على ما نقله المحدّث النوري قال: (والجواب الطعن في السند لمكان الإرسال ولو قال قائل مراسيل ابن أبي عمير تعمل بها الأصحاب منعنا ذلك لإن في رجاله من طعن الأصحاب فيه فإذا أرسل اُحتمل أن يكون الراوي أحدهم).

ولكن الإنصاف أن كلام المحقق لا يخلو من تهافت لإنه ذكر أيضاً في مبحث الكر رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: )الكر الف ومائتا رطل( وعلى هذه عمل الأصحاب ولا طعن في هذه بطريق الإرسال لعمل الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير و ممّن لم يقبل هذه التسوية السيد محمد صاحب المدارك سبط الشهيد الثاني المتوفى سنة ١٠٠٩، ومنهم ابن الشهيد الثاني الشيخ حسن صاحب المعالم المتوفى سنة ١٠١١، فقد اشكل في حجّية مراسيله، وكذا غيرهم من الأعلام.

وبالجملة فالإعتذار بعدم وصول كتب المتقدمين في غير محله إذ كثير من كتب المتقدمين وصلت إلينا ولا يوجد فيها اثر لهذا الكلام.ومن جملة النقاط الواردة في الأمر الأول الذي ذكره السيد أبو القاسم الخوئي (ره) هي مخالفة الشيخ نفسه في موارد من التهذيب والإستبصار فقد اعترض البعض بأن الشيخ ألف كتاب العدّة بعد تأليفه للتهذيب والإستبصار وبالجملة فما ذكره في العدّة هو الذي اعتمده في آخر حياته وكأنه عدل عمّا ذكره في التهذيب والإستبصار ومن المعلوم أنه شرع في تأليف التهذيب وهو ابن خمس وعشرين سنة أو أكثر بقليل بينما كان تأليف كتاب العدّة بعد ذلك الزمن بكثير.

والإنصاف أن هذا الإعتراض في محله إذ ما ذكره في العدّة عدول عن رأيه فلا يكون الشيخ مخالفاً لنفسه.

الأمر الثاني: من الأمور الأربعة التي ذكرها السيد أبو القاسم الخوئيأبكأبي