الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الرجال

37/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مراسيل صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي

وممّا قيل أيضاً بثبوته في التوثيقات العامّة هو رواية صفوان أو ابن أبي عمير أو أحمد بن أبي نصر البزنطي عن شخصٍ. فقد قيل إنهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة. وبناءً عليه فكل من روى عنه هؤلاء فهو محكوم بالوثاقة وكل مراسيلهم مقبولة

والأصل في هذه الدعوى هو الشيخ (ره) في كتاب العدّة، حيث قال:(وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً نظر في حال المرسل فإن كان ممّن يعلم أنه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولأجلِ ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم، فأمّا إذا لم يكن كذلك ويكون ممّن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة فإنه يقدم خبر غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به).[1] [2]

أقول من الأفضل قبل الدخول في تفاصيل هذه المسألة أن نذّكر بعض أحوال هؤلاء الأعلام الثلاثة لكي يكون القارىء على بصيرة من أمره. ولنبدأ أولاً بترجمة ابن أبي عمير، قال النجاشي: (هو محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى أو أحمد الأزدي من موالي المهلّب بن أبي صفرة بغدادي الأصل والمقام لقى أبا الحسن موسى (ع) وسمع منه أحاديث، كنّاه في بعضها فقال : يا أبا أحمد، وروى عن الرضا (ع) جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين. الجاحظ يحكي عنه في كتبه وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية وقال في البيان والتبيان:(حدثني إبراهيم بن واحة عن ابن أبي عمير وكان وجهاً من وجوه الرافضة، وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل عنه أنه وليَ بعد ذلك وقيل بل ليدلَ على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر (ع) وروي أنه ضرب أسواطاً بلغت منه إلى حدّ كاد أن يقرّ لعظيمِ الآلم فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: اتقِ الله يا محمد بن أبي عمير، فصبر ففرّج الله عنه. وروي أنه حبسه المأمون حتى وولاّه قضاء بعض البلاد. وقيل أن أخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب وقيل بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت فحدّت من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس، ولهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله وقد صنّف كتباً كثيرة ثم نقل النجاشي عن أحمد بن محمد بن خالد أن ابن أبي عمير صنّف أربعة وتسعين كتاباً منها المغازي إلى أن قال: مات سنة سبع عشرة ومائتين)[3] انتهى.

وقال الشيخ في الفهرست:(كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامّة وأنسكهم نسكاً وأورعهم وأعبدهم وقد ذكره الجاحظ في كتابه فخر قحطان على عدنان، إلى أن قال: أنه كان أوحد زمانه في الأشياء كلها وأدرك من الإئمة ثلاثة: أبا أبراهيم موسى(ع) ولم يروِ عنه، وأدرك الرضا (ع) وروى عنه، والجواد (ع) وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كتب مائة رجل من رجال الصادق(ع))[4] انتهى.

وقد روى الكشي(ره) فيه روايات كثيرة، منها ما رواه عن محمد بن مسعود قال حدثني علي بن الحسن قال ابن أبي عمير: (أفقه من يونس وأصلح وأفضل)[5] . وكذا غيرها من الروايات. وقال المامقاني (ره):(إن محمد بن أبي عمير تفرّد في تسالم الكلّ على قبول مراسيله وعدّهم إياها بحكم المسانيد المعتمدة ونحو ذلك، وان قيل في نفر آخرين أيضاً إلاّ أن القائل نفر ولم يقع على هؤلاء تسالم الكل مثل ما وقع في ابن أبي عمير...ألخ)[6] .

وأمّا صفوان بن يحيى: فقد قال عنه النجاشي:(أبو محمد البجلّي بياع السابري كوفي ثقة ثقة عين روى أبوه عن أبي عبد الله (ع) وروى هو عن الرضا (ع) وكانت له منزلة شريفة ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى (ع) وقد توكل للرضا وأبي جعفر(ع) وسلم مذهبه من الوقف وكانت له منزلة من الزهد والعبادة وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً وكان شريكاً لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان. وروى أنهم تعاقدوا في بيت الله الحرام أنه من مات منهم صلّى من بقي صلاته وصام عنه وزكّى عنه زكاته فماتا وبقي صفوان فكان يصلي في كل يوم مائة وخمسين ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويزكي زكاته ثلاث دفعات.

وكل ما تبرّع به عن نفسه ممّا عدا ما ذكرناه تبرّع عنهما. وحكى بعض أصحابنا أن انساناً كلّفه حمل دينارين إلى أهله إلى الكوفة فقال: إن جمالي مكراة وأنا استأذن الإجراء، وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته وصنّف ثلاثين كتاباً ...)[7] انتهى

وقال الشيخ في الفهرست: (أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم كان يصلّي كل يوم خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويخرج زكاة ماله في السنة ثلاث مرات ...ألخ). أقول روى الكشي (ره) فيه روايات كثيرة منها، ما رواه هو عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن معمّر بن خلاد ( قال: قال أبو الحسن الرضا(ع): ما ذئبانِ ضاريانِ في غنم قد غاب رعائها بأضرّ في دين المسلم من حب الرياسة ثم قال: لكن صفوان لا يحب الرياسة)[8] وهي صحيحة. ومنها قوله :(صفوان بن يحيى مات في سنة عشر ومأتين بالمدينة وبعث إليه أبو جعفر (ع) بحنوطه وكفنه وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه)[9] .

وأمّا أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي : فقد قال النجاشي: أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر زيد مولى السكون أبو جعفر المعروف بالبزنطي كوفي لقي الرضا وأبا جعفر (ع) وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب منها : الجامع قرأناه على أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله ... [10] إلى أن قال: ومات أحمد بن محمد سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد وفاة الحسن بن علي بن فضّال بثمانية أشهر. ذكر محمد بن عيسى بن عبيد الله أنه سمع منه سنة عشرة ومائتين) انتهى.

وقال الشيخ في الفهرست:(مولى السكوني أبو جعفر، وقيل أبو علي المعروف بالبزنطي كوفي ثقة لقي الرضا (ع) وكان عظيم المنزلة عنده وروى عنه كتاباً ...ألخ)[11] ، ثم لا يخفى ان كلام النجاشي:( فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله )، إن كان المراد منه يعملون بمراسيله فيكون مطابقاً لدعوى الشيخ الإجماع على العمل بها، وأمّا إذا كان المراد منها أنهم يعتنون بمراسيله أي لا يعترضون على ابن أبي عمير بكثرة نقل المراسيل ولا يطالبونه بإسناد رواياته فلا يكون كلامه حينئذ مطابقاً لدعوى الشيخ، وان كان هذا المعنى أنسب بالتفريع المذكور في عبارة النجاشي بخلاف المعنى الأول فإنه غير واضح من كلامه. أضف إلى ذلك أن كلام النجاشي مختص بابن أبي عمير ومراسيله ولا تعرّض فيه لصفوان والبزنطي ومراسيلهما.

ومن هنا فالعمدة حينئذٍ هي عبارة الشيخ في العدة. ثم أنه أيضاً قبل البحث في عبارة الشيخ تجدر بنا الأشارة إلى ذكر من صرّح من الأعلام بهذه التسوية_أي أن الطائفة سوّت بين مراسيل الثلاثة ومسانيدهم _فمنهم السيد علي بن طاووس المتوفى سنة ٦٦٤ للهجرة، حيث قال:(نقل حديث عن أمالي الصدوق بسند ينتهي إلى محمد بن أبي عمير عمّن سمع أبا عبد الله (ع) يقول: ما أحبّ الله من عصاه ...ألخ)[12] ، رواة الحديث ثقات بالإتفاق ومراسيل محمد بن أبي عمير كالمسانيد عند أهل الوفاق. انتهى

ومنهم الفاضل الآبي في كشف الرموز الذي هو شرح للمختصر النافع حيث قال:( في رواية مرسلة لإبن أبي عمير وهذه وان كانت مرسلة لكن الأصحاب تعمل بمراسيل ابن أبي عمير قالوا لأنه لا ينقل إلا معتمداً... )[13] انتهى

ومنهم العلامة في النهاية حيث قال: (الوجه المنع إلاّ إذا عرف أن الراوي فيه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن أبي عمير في الرواية.) انتهى. ومنهم الشهيد الأول في الذكرى في أحكام أقسام الخبر، قال: (أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح، ولهذا قبلت الأصحابُ مراسيل ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر البزنطي لإنهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة.)[14] انتهى

ومنهم المحقق الثاني حيث قال في جامع المقاصد: (والروايتان صحيحتان من مراسيل ابن أبي عمير الملحقة بالمسانيد)[15] . انتهى، ومنهم الشهيد الثاني في الدراية وشرحها حيث قال: (المرسل ليس بحجّة مطلقاً على الأصح إلاّ أن يعلم تحرّز مرسله عن الرواية عن غير الثقة كابن أبي عمير من أصحابنا على ما ذكره كثير وسعيد بن المسيّب عند الشافعي فيقبل مرسله ويصير في قوة المسند.)[16] انتهى

ومنهم الشيخ الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال حيث قال: (ومنها رواية صفوان بن يحيى وابن أبي عمير عنه فإنها أمارة الوثاقة لقول الشيخ في العدّة أنهما لا يرويان إلاّ عن ثقة والفاضل الخراساني في ذخيرته جرى على هذا المسلك). انتهى وكذا غيرهم من الأعلام ويظهر أن دعوى غير الشيخ انما هي من باب التبعية لهما لا أنها دعوى مستقلة.


[1] عدّة الأصول، ص٣٨٦.
[2] العدة، الشیخ الطوسي، ج1، ص154.
[3] رجال النجاشي، ص326.
[4] الفهرست، الشيخ الطوسي، ص218.
[5] اختيار معرفة الرجال (رجال الکشي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص855.
[6] تنقيح المقال، العلاّمة المامقاني، ج2، ص63.
[7] رجال النجاشي، ص197.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص191، أبواب ما يكتسب به، باب45، ح11، ط آل البیت.
[9] اختيار معرفة الرجال (رجال الکشي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص792.
[10] رجال النجاشي، ص75.
[11] الفهرست، الشيخ الطوسي، ص218.
[12] الأمالي، الشيخ الصدوق، ص578.
[13] كشف الرموز، الفاضل الآبي، ج1، ص344.
[14] الذكرى، الشهيد الأول، ص4.
[15] جامع المقاصد، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج1، ص159.
[16] كليات في علم الرجال، الشيخ جعفر السبحاني، ج1، ص211.