الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل والتراجيح 13

الرواية الثالثة: مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف). إلى أن قال (عجَّل الله فرجه الشريف) في الجواب عن ذلك -أي عن السؤال عن استحباب التكبير بعد التشهد الأوّل وعدمه-: «... حديثان أمّا أحدهما فإذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير. وأمّا الآخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأوّل يجري هذا المجرى وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً». [1] وهذه الروايات الثلاث ضعيفة بالإرسال. كما أن هذه الرواية الثالثة رواها الشيخ في كتاب الغيَبة، ولكنها ضعيفةبجهالة أحمد بن إبراهيم النوبختي.

الرواية الرابعة: مرسلة الكليني، قال: «وفي رواية أخرى بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك». [2] وهي ضعيفة بالإرسال.

الرواية الخامسة: صحيحة علي بن مهزيار، قال: «قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السّلام)، اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في ركعتي الفجر في السفر، فروى بعضهم صلّها في المحمل، وروى بعضهم لا تصلها إلّا على الأرض. فوّقع (عليه السّلام): موسّع عليك بأيّه عملت».[3] [3] فقوله: «فوّقع (عليه السّلام)»، شهادة من ابن مهزيار بأن الجواب من الإمام (عليه السّلام)، ولكن الذي يرّد على هذه الصحيحة: أن التخيير فيها هو التخيير في الحكم أي نافلة الفجر فهو مخيّر واقعاً بين الإتيان بها في المحل أو الإتيان بها على الأرض، وليس هو تخييراً بين الحديثين. أضف إلى ذلك: أن مورد الرواية نافلة الفجر، ولا إطلاق في جواب الإمام (عليه السّلام) فيختص الحكم بها ولا يتعدّى إلى غيرها.

ومنها ما يدّل على التوقف في زمان الحضور: وهي رواية واحدة، وهي رواية عمر بن حنظلة، وقد ورد في ذيلها: «إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك» [4] وسنذكرها إنما بالتفصيل قريباً -إن شاء الله تعالى، وهي ضعيفة لعدم وثاقة عمر بن حنظلة كما سيأتي بيانه.

ومنها ما يدل على التوقف مطلقاً: فقيل: إنهما روايتان:الرواية الأولى: هي رواية الاحتجاج عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قلت: «يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه. قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. قلت: لا بدّ أن نعمل بواحد منهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة».[5]

وفيه أوّلاً: أنها ضعيفة بالإرسال.

وثانياً: أنها أيضاً مختصة بصورة التمكن من لقاء الإمام (عليه السّلام).

وثالثاً: أنها معارِضة لرواية عمر بن حنظلة، لأن في رواية ابن حنظلة حكم فيها الإمام (عليه السّلام) بالتوقف بعد فقد المرجح لإحدى الروايتين. وفي هذه الرواية حكم بوجوب التوقف من أوّل الأمر والأخذ بالمرجح عند عدم إمكان التوقف.الرواية الثانية: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب مسائل الرجال لعليّ بن محمد: «أن محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك (عليه السّلام) قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه أو الردّ إليك فيما اختلف فيه. فكتب (عليه السّلام): ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا».[6] وفيه: أنها ضعيفة بالإرسال، وهي دالّة على وجوب التوقف عند تعارض الروايات، والأمر بالتوقف مطلق لم يقيّد بفقد المرجحات الآتية.ثم أنه قد يناقش في دلالة هذه الرواية: على التوقف مطلقاً حتى في زمن الغيبة، لأن قوله (عليه السّلام): «وما لم تعلموا فردّوه إلينا» لا يبعد ظهوره في الردّ إلى الإمام الموجود في ذلك الزمان بالرجوع إليه، نظير ما في رواية ابن حنظلة من قوله (عليه السّلام): «فارجئه حتى تلقى إمامك» وليس هو من قبيل الردّ إلى الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) الوارد في الروايات حتى يقال إنه مطلق يشمل زمان الغيبة.

ومنها ما يدّل على الاحتياط في الروايتين المتعارضتين: ولا يوجد إلّا رواية واحدة: وهي مرفوعة زرارة الآتية بالتفصيل: «إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط».[7]

وفيه أوّلاً: أنها ضعيفة بالرفع، ولم توجد هذه الرواية إلّا في كتاب غوالي اللآلئ لابن أبي جمهور الإحسائي، وقد طعن صاحب الحدائق (رحمه الله) في المؤلًف والمؤلِف، أي طعن في الكتاب وصاحبه، مع أن صاحب الحدائق (رحمه الله) ليس من دأبه المناقشة في السند لأنه أخباري.

وثانياً: أنها لا تدل على الاحتياط مطلقاً بل في صورة تكافؤ المرجحات.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص121، من أبواب صفات القاضي، باب9، ح39، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص108، من أبواب صفات القاضي، باب9، ح6، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص122، من أبواب صفات القاضي، باب9، ح44، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص106، من أبواب صفات القاضي، باب9، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص122، من أبواب صفات القاضي، باب9، ح42، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص119، من أبواب صفات القاضي، باب9، ح36، ط آل البيت.
[7] عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور، ج4، ص133.