الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل و التراجیح 5

الخلاصة:

     الكلام في: التعادل والتراجيح.

     ويقع الكلام في عدّة أمور:

الأمر الثالث: في بيان الفرق بين التعارض والتزاحم.

     الكلام في: ما ذكره الميرزا النائيني (رحمه الله) في التزاحم: من استثناء صورة ما لو لم يقدر المكلف على الجمع بينهما لأجل أمر خارجي.

     الكلام في: ما ذكره الميرزا النائيني (رحمه الله): أن التزاحم على خمسة أقسام. القسم الأوّل: أن يكون التزاحم لأجل اتفاق اتحاد متعلق الحكمين في الوجود مع كونهما متغايرين بالذات ومختلفين في الهوية.

     أما القسم الثاني، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

هذا، وقد ذكر الميرزا النائيني (رحمه الله): ان التزاحم وان كان لعدم القدرة على الجمع بينهما في مقام الامتثال كما هو الغالب في باب التزاحم إلّا أنه قد يكون لقيام الدليل من الخارج على عدم وجوب الجمع بينهما وان كان قادراً على الجمع بينهما خارجاً. ومثّل له ببعض الفروع في مبحث زكاة المواشي، كما لو كان المكلف مالكاً لخمس وعشرين من الإبل في ستة أشهر ثم ملك واحداً آخر من الإبل وصارت ستة وعشرين، فمقتضى أدلة الزكاة هو وجوب خمس شياه عند انقضاء حول الخمس والعشرين ووجوب بنت مخاض -وهي من الإبل ما دخلت في السنة الثانية- عند انقضاء حول الستة والعشرين، ولكن قام الدليل من الخارج على أن المال لا يزكّى في العام الواحد مرتين، فيقع التزاحم بين الحكمين من جهة هذا الدليل الخارجي، فلا بدّ من سقوط ستة أشهر، إمّا من حول الخمس والعشرين، وإمّا من حول الستة والعشرين، إذ لولا السقوط يلزم تزكية المال في ظرف ستة أشهر مرتين، وهي الستة الوسطى من ثمانية عشر شهراً، لكونها منتهى لنصاب الخمس والعشرين، ومبدءاً لنصاب الستة والعشرين فيلزم احتسابها مرتين ووجوب الزكاة فيها مرتين.

والخلاصة: أن التزاحم عند الشيخ النائيني (رحمه الله) لا يختص بصورة عدم القدرة على الجمع بينهما في مقام الامتثال، بل قد يتفق التزاحم بين الحكمين مع التمكن من الجمع بينهما إلّا أن ذلك نادر. هذا حاصل كلامه مع توضيح منّا.

أقول:

أما أن المال لا يزكى في العام الواحد مرتين: فقد يستفاد ذلك من حسنة زرارة، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام): رجل دفع إلى رجل مالاً قرضاً على من زكاته على المقرض أو على المقترض. قال (عليه السّلام): لا بل زكاتها -ان كانت موضوعة عنده حولاً- على المقترض. قلت: فليس على المقرض زكاتها. قال (عليه السّلام): لا يزكى المال من وجهين في عام واحد»[1] .

وأمّا أن ما ذكره من المثال يكون من باب التزاحم: ففي غير محله، بل هو من قبيل تعارض الدليلين في مسألة الظهر والجمعة، وقد عرفت أنه لا تنافي ذاتياً بين ما دلّ على وجوب الظهر من يوم الجمعة وما دلّ على وجوب الجمعة، لإمكان الجمع بينهما، وانما التنافي بينهما من جهة الدليل الخارجي، وهو التسالم بين المسلمين على عدم وجوب ست صلوات في اليوم الواحد، وعليه: فهذا المثال يكون داخلاً في التعارض لا التزاحم والله العالم.

 

ثم أن الميرزا النائيني (رحمه الله): ذكر أن التزاحم على خمسة أقسام، ولا بأس ببيانها لما فيها من الفائدة:

القسم الأوّل: أن يكون التزاحم لأجل اتفاق اتحاد متعلق الحكمين في الوجود مع كونهما متغايرين بالذات ومختلفين في الهوية، بحيث يكون الإتحاد بينهما من قبيل التركيب الإنضمامي، وعلى ذلك يبتني جواز اجتماع الأمر والنهي ويندرج مورد تصادق متعلق الأمر والنهي في صغرى التزاحم عند الميرزا النائيني.

ومن هنا، ذهب إلى جواز اجتماع الأمر والنهي في مسألة الصلاة في الأرض المغصوبة، لأن الغصب والصلاة عنده من مقولتين متباينتين، فيدلان على تعدد المعنون خارجاً.

وعليه: فإن التركيب بين الصلاة والغصب خارجاً تركيب انضمامي ويستحيل اتحادهما خارجاً.

ثم ذكر (رحمه الله): أنه لو كان التركيب بين المتعلقين اتحادياً وكان أحد المتعلقين متحداً مع الآخر بالهوية والذات ولو في الجملة وفي بعض الموارد، فلا يكون من باب التزاحم بل يندرج مورد تصادق متعلق الأمر والنهي في صغرى التعارض كتعارض العامين من وجه، وعلى ذلك يبتني امتناع اجتماع الأمر والنهي، فإنه على هذا يكون الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب بعينه كالأمر بإكرام العالم والنهي عن إكرام الفاسق، ولا اشكال في أنه في مورد تصادق العالم والفاسق يقع التعارض بين الدليلين، لأنه يلزم أن يتعلق الأمر بعين ما تعلق به النهي.

ونحن قد ذكرنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي: أن القول بالامتناع في المثال المتقدم وهو: صلِّ ولا تغصب، يتوقف على اجتماع الصلاة والغصب واتحادهما خارجاً. وهذا لا يكون إلا في صورتين:

الصورة الأولى: فيما لو اعتبرنا الهويّ إلى الركوع والسجود أو النهوض منهما جزئاً من الصلاة.

والصورة الثانية: فيما لو اعتبرنا في السجود الاعتماد على الارض. فراجع ما ذكرناه بالتفصيل في هذه المسألة.

 

أما القسم الثاني، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص100، ابواب من تجب عليه الزكاة، باب7، ح11625، ط آل البيت.