الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لاضرر ولا ضرار(18)

>> لا زال الكلام في الموارد التي خرجت من تحت قاعدة لا ضرر تخصيصاً.

المورد الثاني: ما ورد في غسل الجنابة، من أنه يجب عليه الغسل وإن تضرّر من الغسل.

وذكر جماعة من الأعلام -منهم الشيخ الطوسي في الخلاف، والشيخ المفيد في المقنعة، والشيخ الصدوق في الهداية (رحمهم الله جميعاً)-: أنَّه يغتسل فيما لو أجنب عمداً.

وذهب المشهور إلى عدم الفرق بين تعمُّد الجنابة وعدمه.

ومهما يكن، فقد استدل لوجوب الغسل وإن لزم الضَّرر بعدَّة أدلَّة:

منها: صحيحة سليمان بن خالد، وأبي بصير، وعبد الله بن سليمان جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنه سُئل عن رجلٍ كان في أرض باردة، فتخوَّف إنْ هو اغتسل أن يصيبه عَنَتٌ من الغسل، كيف يصنع؟ قال: يغتسل وإن أصابه ما أصابه؛ قال: وذكر أنه كان وَجِعاً شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، وكانت ليلة شديدة الرِّيح باردة، فدعوت الغلمة، فقلتُ لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنَّا نخاف عليك! فقلتُ: ليس بُدّ، فحَمَلوني ووضعوني على خشبات، ثم صبّوا عليّ الماء فغَسَلوني)[1]، وكذا غيرها من الرِّوايات، كصحيحة ابن مسلم[2]، ونحوها.

ولكننا ذهبنا في مبحث التيمّم إلى أنّه في هذه الصّورة يتيمّم ولا يغتسل، وذكرنا المسألة بالتفصيل في كتابنا "مسالك النفوس إلى مدارك الدروس».

وقلنا: إنّه لو سلّمنا ظهور هاتين الصّحيحتين في وجوب الغسل حتّى مع العلم بالضّرر، فإنّهما تكونان معارضتَيْن للأدلّة الدّالة على التيمم.

والترجيح مع الأدلّة الدالّة على التيمّم، لموافقتها الكتاب العزيز، من نفي العسر، والحرج، والضّرر، والنهي عن الإلقاء في التهلكة، وقتل النفس، مع أنَّه من المعلوم أهميّة حفظ النفوس والأبدان عند الشارع المقدس على سائر الواجبات النفسيّة، فضلاً عن الوضوء والغسل اللَذَين جعل الشارع لهما بدلاً اضطراراياً؛ إلى آخر ما ذكرناه، فراجع[3]، فإنه مهم.

وبناءً عليه، فلا تكون هذه الصّورة خارجة عن تحت القاعدة.

المورد الثالث: وجوب شراء ماء الوضوء ولو بأضعاف قيمته، مع أنّه ضررٌ ماليٌّ على المكلَّف.

وتدلّ عليه: بعض الرّوايات، كصحيحة صفوان (قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلٍ احتاج إلى الوضوء للصّلاة وهو لا يقدر على الماء، فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجدٌ لها، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت وما يسوؤني (يسرني) بذلك مالٌ كثير)[4]، وكذا غيرها من الرّوايات.

ولا يخفى أنّ فيه ضرراً ماليّاً كثيراً، ومع ذلك حكم الشّارع بوجوب الشِّراء والوضوء.

وعليه، فهو مستثنى من تحت القاعدة.

الخلاصة: قد تبيّن أنّ موارد التخصيص قليلة جداً، فلا إشكال حينئذٍ في التمسك بالقاعدة، والله العالم بحقائق أحكامه.

هذا تمام الكلام في قاعدة «لا ضرر».

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الوسائل باب 17 من أبواب التيمم ح3.

[2] الوسائل باب 17 من أبواب التيمم ح4.

[3] كتابنا الطهارة: المجلد السادس، ص466-474. (اضغط للتحميل)

[4] الوسائل باب 26 من أبواب التيمم ح1.