الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/02/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : لاضرر ولا ضرار

أما كلمة «لا»:

وأما كلمة «لا» الداخلة عليها في الجملتين فنقول:

إن الأصل في كلمة «لا» بمقتضى وضعها اللغوي أن تكون لنفي الجنس أي نفي حقيقة مدخولها. فقولك: «لا رجل في الدار» أي لا يوجد جنس الرجل في الدار .

والحمل على نفي الحقيقة هنا -«لا ضرر ولا ضرار»- متعذر، لأنه مستلزم للكذب وخلاف الواقع، لما نشاهده من الضرر في الخارج كثيراً.

وعليه: فلا بد من الحمل على أقرب المجازات بعد تعذر الحقيقة. فيدور الأمر في كلمة«لا» بين عدة معانٍ.

المعنى الأول: أن تكون «لا» ناهية. بأن يكون المقصود من نفي الضرر في الخارج الزجر والنهي عنه. بحيث تكون الجملة الخبرية وهي «لا ضرر ولا ضرار» بمعنى النهي، فيحرم الضرر والإضرار. وذلك لما عرفت سابقا من أن الإخبار عن عدم شيء كالإخبار عن وجوده.

فكما يصح الإخبار عن وجود شيء في مقام الأمر به. كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجلٍ لم يدرِ ستة طاف أو سبعة قال: يستقبل[1] »[1]. فإن المقصود من الأمر بالإستقبال وجوب الإعادة.

كذلك صحّ الإخبار عن عدم شيء في مقام النهي عنه كما في قوله تعالى: ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[2] .

وقد اختار هذا المعنى من علماء العامة "البدخشي" حيث قال: «الضرر والضرار ممنوع عنه شرعا». وقد اختاره من مشايخ الإمامية شيخ الشريعة الأصفهاني.

إن قلت: ان لا الناهية مختصة بالفعل المضارع فكيف يصح الحكم بأن لا في المقام ناهية مع أنها داخلة على الإسم.

قلت: ليس المقصود أنها ناهية باصطلاح النحاة، بل المقصود أنها مفيدة للنهي والزجر حيث إن الجملة المشتملة عليها مستعملة في نفي الضرر إخباراً بداعي الزجر عنه.

أقول: إنَّ احتمال كون «لا» ناهية هنا بعيد جداً وذلك لعدة أمور:

الأمر الأول: أنه بعيد بملاحظة نظائرها كما في قولك: لا عسر ولا حرج، وليس المراد فيهما النهي حتما. فكذلك هنا.

الأمر الثاني: أن كلمة «لا ضرر ولا ضرار» وردت في الشفعة كما في بعض الروايات المتقدمة كرواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء والمساكن وقال: لا ضرر ولا ضرار. الحديث»[2]. فإنه لا يمكن حمل النفي على النهي فيها لعدم وجود فعل يتعلق به التحريم. وإنما أثبت حق الشفعة بقاعدة «لا ضرر ولا ضرار».

الأمر الثالث: أن الفقهاء استدلوا بهذه القاعدة -لا ضرر ولا ضرار- على ثبوت خيار الغبن مع أنه لا حرمة في بيع المغبون فيه، غاية الأمر أنّ له خيار الفسخ.

الأمر الرابع: بناءً على اشتمال الرواية على كلمة «في الإسلام» كما في مرسلة الصدوق المتقدمة، فإنه من الواضح حينئذٍ عدم ارادة النهي. بل المراد نفي الحكم الضرري في الإسلام كما سيأتي توضيحه

ولكن الذي يهون الخطب أن الرواية المشتملة على كلمة «في الإسلام» ضعيفة بالإرسال.

والخلاصة: أن المعنى الأول لم يكتب له التوفيق.

المعنى الثاني: حمل كلمة «لا» على نفي الحقيقة بلحاظ نفي الحكم والآثار والخواص. وبعبارة أخرى المنفي هو الحكم بلسان نفي الموضوع فيكون المقصود نفي الحكم الثابت للطبيعة عن الفرد. والأمثلة على ذلك كثيرة:

أما نفي الخواص والآثار:

منها: ما ورد في نهج البلاغة في الخطبة 27: «يا أشباه الرجال ولا رجال».

ومنها: ما في مرسلة الشيخ الطوسي (رحمه الله) في التهذيب قال: «قال النبي (صلى الله عليه وآله) لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده[3] ».

 

وهي ضعيفة بالإرسال.

أما نفي الحكم بلسان نفي الموضوع:

منها: رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بينه وبين أهله ربا إنما الربا فيما بينك وبين ما لا يملك الحديث»[4].

وعليه: فحرمة الربا الثابتة لطبيعة الربا منفية عن هذا الفرد وهذه الحصة. فيكون نفياً للحكم بلسان نفي الموضوع وهو الربا.

وهذه الرواية ضعيفة بياسين الضرير.

أقول: نحن احتطنا وجوباً في المسألة.

ومنها: ما في حسنة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا رضاع بعد فطام. ولا وِصال في صيام. ولا يُتْمَ بعد احتلام. ولا صمت يوماً إلى الليل. ولا تَعَرُّب بعد الهجرة. ولا هجرة بعد الفتح. ولا طلاق قبل نكاح. ولا عتق قبل ملك. ولا يمين للولد مع والده. ولا للمملوك مع مولاه. ولا للمرأة مع زوجها. ولا نذر في معصية. ولا يمين في قطيعة»[5].

وإنما ذكرنا هذه الحسنة بتمامها لما فيها من الأحكام الكثيرة، وقد نفت الحكم الثابت للطبيعة عن هذه الحصة وعن هذا الفرد بلسان نفي الموضوع.

ومنها: ما في حسنة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا هجرة فوق ثلاث»[6]. حيث تحرم الهجرة -القطيعة بين المؤمنين- بعد الثلاثة أيام، كما عن جماعة من الأعلام، ونحن قويناه. فيكون المراد نفي الحكم عن هذا الفرد من الطبيعة بلسان نفي الموضوع.

وهذا المعنى: ذهب إليه جماعة من الأعلام منهم صاحب الكفاية (رحمه الله). وتطبيق المعنى الثاني على المقام: هو أن الأحكام الثابتة لموضوعاتها حال عدم الضرر تكون منفية عنها إذا كانت تلك الموضوعات ضررية. كما في الوضوء فإن الوجوب ثابت لطبيعة الوضوء فإذا فرضنا ثبوت الضرر لبعض المصاديق والحصص فينتفي الوجوب عنها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[2] الكافي: ج5، ص280.

[4] الوسائل باب 7 من أبواب الربا ح3.

[5] الوسائل باب 11 من أبواب اليمين ح1.

[6] الوسائل باب 144 من أبواب أحكام العِشرة ح1.

 


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج13، ص361، أبواب الطواف، باب23، شماره17952، ح9، ط آل البیت.
[2] سورة البقرة، الآیة197.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص194، أبواب أحكام المساجد، باب2، شماره6310، ح1، ط آل البیت.