الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: مناقشة حديث الحجب وروايات الحل

من جملة الروايات التي استدل بها على البرائة ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبي الحسن زكريا بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) قال: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم)، ورواه الكليني عن محمد بن يحيى وقد عبّر بعض الاعلام –كصاحب الفصول- عن هذه الرواية بالموثقة.

ولكن الانصاف أنها ضعيفة لان زكريا بن يحيى الموجود في السند لم يحرز انه الواسطي الثقة ومجرّد الظن لا يكفي ما لم يصل إلى مرتبة الاطمئنان، وعليه فهو مشترك بين عدّة أشخاص فيهم الثقة والضعيف، ومهما يكن فوجه الاستدلال بهذه الرواية هو أن الالزام المجهول ممّا لا يعلم فهو مرفوع فعلا أي ظاهرا وان كان ثابتا واقعا.

هذا تقريب الاستدلال بها للبرائة في الشبهات الحكمية الكلية وأما شمولها للشبهات الموضوعية فقد ذكره صاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل حيث قال: (ويمكن شموله للشبهة الموضوعية أيضا بأن المراد من الموصول هو خصوص الحكم المحجوب علمه مطلقا ولو كان منشأ الحجب اشتباه الأمور الخارجية ولا يحتاج مع ذلك إلى تقدير فإن الحكم مطلقا بنفسه قابل للرفع والوضع فافهم).

أقول لا يرد هنا توهم اختصاص الرواية بالشبهات الموضوعية كما حصل هذا التوهم في حديث الرفع، إذ لم يذكر في هذه الرواية إلا موصول واحد بخلافه هناك. لا يقال ان حديث الحجب مختص بالشبهات الحكمية ولا يشمل الشبهات الموضوعية لانه سبحانه وتعالى ليس حاجبا للحكم فيها بل الحاجب له هي الأمور الخارجية فهي التي حجبت الحكم عن العباد. فإنه يقال ان الحجب وان استند في الظاهر إلى الأمور الخارجية الا انه في الواقع يسند إلى الله سبحانه وتعالى، لانه سبحانه وتعالى هو القادر على إعطاء مقدمات العلم الوجداني للبشر فمع عدم اعطائهم تلك المقدمات يصحّ حينئذ اسناد الحجب إلى الله سبحانه وتعالى.

(قوله الاّ انه ربما يشكل بمنع ظهوره في وضع ما لا يعلم من التكليف بدعوى ظهوره في خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع اطلاع العباد عليه لعدم أمر رسله بتبليغه...الخ).

أشار بذلك إلى إشكال الشيخ الانصاري (ره) حيث قال بعد ذكر الاستدلال بالحديث: (وفيه أن الظاهر ممّا حجب الله علمه ما لم يبيّنه للعباد لا ما بيّنه واختفى عليهم من معصية من عصى الله في كتمان الحق أو ستره فالرواية مساوقة لما ورد عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ان الله حدّ حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكفلوها رحمة من الله لكم).

وحاصل هذا الاشكال ان الرواية مختصة بالاحكام التي لم يبنيّها الشارع للعباد رأسا بقرينة استناد الحجب إليه سبحانه وتعالى ولا تشمل الاحكام التي بيّنها الشارع للعباد واختفت عليهم بعد ذلك لاجل معصية من عصى الله سبحانه بكتمان الحق. وبالجملة مورد النزاع بين الأخباريين والاصوليين انما هو في الاحكام المجهولة التي يقطع بفعليتها على تقدير ثبوتها واقعا لا الاحكام الإنشائية المحضة التي لم يبيّنها أصلا.

ثم أن الرواية التي أشار إليها الشيخ الانصاري ان الله حد حدودا فلا تعتدوها...الخ هي ضعيفة بالارسال رواها الشيخ الصدوق في الفقيه، ويظهر من صاحب الكفاية انه موافق للشيخ الانصاري حيث سكت عنه ولم يذكر شيئا في ردّه. ولكن الانصاف ان هذا الاشكال مردود لان الحجب كما يصدق مع عدم بيانه تعالى للاحكام من أصلها بأن بقيت انشائية محضة، كذلك يصدق مع بيانه للعباد وان اخفاها من عصاه بكتمان الحق لانه سبحانه وتعالى قادر على بيانه بأن يأمر الامام (ع) بالظهور وبيان تلك الاحكام التي أخفاها الناس فحيث لم يأمره بالبيان لسبب من الأسباب يصح حينئذ اسناد الحجب إليه سبحانه وتعالى. والخلاصة أنه لولا ضعف السند لصح الاستدلال بحديث الحجب والله العالم.

(قوله ومنها قوله عليه السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه الحديث، حيث دل على حلّية ما لم يعلم حرمته مطلقا ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته ...الخ).

من جملة الروايات التي استدل بها على البرائة هي روايات الحلّ وهي خمس:

الأولى: رواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين ((تستبين)) لك غير ذلك أو تقوم به البينة).

وهي ضعيفة بمسعدة بن صدقة فانه عامي غير موثق وحكى المحقق الوحيد عن جدّه المجلسي الاوّل أنه قال: (الذي يظهر من اخباره – أي اخبار مسعدة- التي في الكتب أنه ثقة لان جميع ما يرويه في غاية المتانة موافقة لما يرويه الثقات من الاصحاب إلى ان قال: بل لو تتبعت وجدت أخباره أشدّ وأمتن من أخبار مثل جميل بن دراج وحريز بن عبد الله).

وفيه ان توثيق العلامة المجلسي له ناشىء عن اجتهاد منه كما لا يخفى أضف إلى ذلك انه قد ذكرنا في اكثر من مناسبة ان توثيقات المتأخرين لا يؤخذ بها لأنها مبنيّة على الحدس لانقطاع السلسلة عند الشيخ الطوسي ووثقه