الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:

الأمر الرابع: ان المرفوع بحديث الرفع هو الآثار الشرعية المترتبة على الفعل بما هو هو وبعنوانه الأولي، فإنها ترتفع عند طروّ الخطأ والنسيان والإكراه وغيرها. فهذه العناوين رافعة لتلك الآثار الشرعية، وأما الآثار المترتبة على نفس تلك العناوين الثانوية كوجوب الكفارة المترتبة على الخطأ في القتل وهي مرتبة. يجب أوّلا عتق رقبة فإن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكينا، وأمّا كفارة قتل المؤمن عمدا وظلما فهي كفارة جمع. وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا. وكذا وجوب سجدتي المترتب على النسيان في بعض أجزاء الصلاة فلا ترتفع بحديث الرفع لأن الحكم إذا كان ثابتا للموضوع بعنوانه الثانوي وهو تقييده بالخطأ أو النسيان ونحوهما ممّا ذكر في الحديث الشريف فلا يعقل ارتفاعه بحديث الرفع، إذ المفروض ان عروض هذا العنوان الثانوي المذكور في الحديث الشريف هو العلة لثبوت الحكم لموضوعه فكيف يكون نفس هذا العنوان علّة لرفعه، إذ ما يكون موجبا لثبوت حكم لا يعقل أن يكون موجبا لارتفاعه. والخلاصة أن المرفوع بحديث الرفع هو الأثر المترتب على نفس الفعل بعنوانه الأوّلي أي لا بشرط عن طروّ العناوين المذكورة والله العالم.

الأمر الخامس: ذكرنا سابقا ان الرفع بالنسبة إلى جميع المذكورات في الحديث هو رفع تنزيلي تشريعي فلا يحتاج إلى تقدير شيء ويكون اسناد الرفع إلى هذه العناوين اسنادا حقيقيا لا مجازيا. نعم رفع المذكورات تشريعا انما يكون برفع أثارها الشرعية حيث ان التشريع لا بدّ من كونه بلحاظ الآثار المترتبة على الشيء، وعليه فإن التنزيل هو بلحاظ جميع الآثار لا خصوص المؤاخذة، ويدل على كونه بلحاظ جميع الآثار عدّة نقاط:

الأوّلى أن الرفع في الحديث الشريف ورد في مقام الامتنان المناسب لارتفاع جميع الآثار ما لم يلزم منه محذور وهو منافاته للامتنان بالنسبة إلى بعض الأمّة، كما إذا استلزم رفع جميع الآثار ضررا على مسلم فان المرفوع حينئذ لا يكون جميع الآثار.

الثانية اقتضاء إطلاق الرفع لجميع الآثار.

الثالثة ما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى والبزنطي جميعا عن أبي الحسن (ع): (في الرجل يستحلف على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك. فقال(ع): لا. قال رسول الله (ص): رفع عن أمتي ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطأوا) ، والرواية صحيحة فإن المرفوع هو الحكم الوضعي من طلاق الزوجة وانعتاق العبد وصيرورة الأموال ملكا للفقراء، فإن الحلف بالطلاق والعتق والصدقة وان كان باطلا عندنا مع الاختيار أيضا، الا ان استشهاد الإمام (ع) على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الرفع شاهد على عدم اختصاصه برفع المؤاخذة. ويبعد جدّا أن يكون نفي جميع الآثار مختصا بهذه الثلاثة المذكورة في النبوي المحكي في كلام الإمام (ع) والله العالم.

الأمر السادس: من جملة العناوين المذكورة في الحديث الشريف عنوان الخطأ والنسيان وليس المراد من الرفع فيهما رفع نفس الخطأ والنسيان وتنزيل الصفتين منزلة العدم بل المراد من الرفع فيهما رفع المنسيّ وما أخطأ، أي رفع الفعل الصادر عن ذلك - أي رفعه تشريعا – يعني جعل الفعل كالعدم وكأنه لم يصدر عن الشخص ولم يقع فكل ما كان مخطيا أو منسيا فعلا أو تركا جزئا كان أو شرطا أو مانعا يكون مرفوعا بهذا الحديث. وقد عرفت أن الرفع تنزيلي مرجعه إلى رفع ما يترتب عليهما من الأثر المجعول الذي كان المكلف من قبله في الكلفة لا يقال إن العقل مستقل بقبح المؤاخذة على الفعل المأتي به نسيانا أو خطأ فلا منّة حينئذ في رفعه ولا يختص أيضا الرفع بالأمّة الإسلامية بل يشمل جميع الأمم والملل. فإنه يقال إن الناسي وكذلك المخطىء وان سقط عنهما التكليف حال النسيان والخطأ الاّ أنه لمّا كان متمكنا قبل النسيان وحصول الخطأ من امتثال التكليف بالتحفظ وعدم الوقوع في مخالفة الواقع بالنسيان والخطأ كان هذا المقدار كافيا في فعلية التكليف في حقه قبل النسيان بنحو يستتبع وجوب حفظ الالتفات مقدمة لعدم الوقوع في خلاف الواقع ويوجب استحقاق العقوبة على المخالفة ولا يستقل العقل بقبح المؤاخذة عليها، ويكون الرفع حينئذ امتنانيا لأن الشارع من باب الامتنان رفع عن هذه الأمّة وجوب التحفظ عن النسيان والخطأ فلو شرب خمرا أو ترك واجبا مثلا خطأ أو نسيانا كان هذا الشرب وهذا الترك كالعدم في عدم ترتب حكم عليهما فلا يستحق العقوبة والمؤاخذة على هذا الشرب والترك الناشئين من ترك التحفّظ عن الخطأ والنسيان ويكون في الرفع منة على الأمّة الإسلامية.

الأمر السابع: قد عرفت أن الرفع التشريعي انما يكون بلحاظ الآثار والأحكام فلا يختص الرفع حينئذ بالأحكام التكليفية بل يشمل الأحكام الوضعية، وعليه فيقع الكلام في أمرين الأوّل في الأحكام التكليفية الثاني في الأحكام الوضعية كالعقود والإيقاعات والطهارة والنجاسة. أما الأمر الأوّل فإن كان الحكم التكليفي مترتبا على الفعل بنحو مطلق الوجود فلا إشكال في سقوط الحكم إذا صدر الفعل عن اكراه أو اضطرار أو نسيانا أو خطأ، فإن نتيجة رفع الفعل الصادر على هذا الوجه في عالم التشريع هو ذلك فمن شرب الخمر عن اكراه أو اضطرار لم يكن فعله حراما شرعا لأن الشرب عن اكراه كالعدم والحكم تابع لموضوعه فرفع الموضوع يقتضي رفع الحكم ولا يخفى عليك أن طروّ أحد هذه العناوين على فرد من الطبيعة لا يوجب الاّ سقوط التكليف المتعلق بهذا الفرد فإن الاضطرار إلى أكل حرام معين لا يوجب رفع الحرمة عن أكل غيره، وكذا الاكراه على ارتكاب فرد من الحرام لا يوجب الاّ رفع الحرمة عنه دون غيره من أفراد الحرام. وأما إذا كان الحكم مترتبا على الفعل بلحاظ صرف الوجود بأن كان المتعلق هو الكلي فطروّ أحد هذه العناوين على فرد من أفراد ذلك الكلي لا أثر له في ارتفاع الحكم لأن الذي طرأ عليه العنوان وهو الفرد لا حكم له وما هو متعلق التكليف وهو الطبيعي لم يطرأ عليه عنوان فلو اضطر المكلف إلى ترك الصلاة في جزء من الوقت لا يسقط عنه وجوب طبيعي الصلاة المأمور بها في مجموع الوقت.

نعم لو اضطر إلى ترك الصلاة في تمام الوقت كان التكليف ساقطا بلا اشكال. وكذا الحال لو نسي الفعل أو أكره المكلف على الترك الاّ أنه هناك اشكال معروف. وحاصله ان شأن الرفع تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود لأن تنزيل المعدوم منزلة الموجود انما يكون وضعا لا رفعا والمفروض أن المكلّف قد ترك الفعل عن اضطرار أو اكراه أو نسيان فلم يصدر منه أمر وجودي قابل للرفع فلو نذر أن يشرب ماء الرمّان فاكره على العدم أو اضطر إليه أو نسي أن يشرب فلا يكون عدم الشرب في المثال مرفوعا وجعله كالشرب حتى يقال إنه لم يتحقق مخالفة النذر فلا حنث ولا كفارة – هذا الكلام مع قطع النظر عن كون أدلّة وجوب الكفارة مختصة بصورة تعمد الحنث ومخالفة النذر عن إرادة والتفات – والحاصل انه فرق بين الوضع والرفع فالفعل الصادر من المكلف عن نسيان أو اكراه يمكن ورود الرفع عليه وجعله كأن لم يصدر فلا يترتب عليه آثار الوجود.

وأما الفعل الذي لم يصدر من المكلف وكان تاركا له عن نسيان واكراه فلا محل للرفع فيه لأن رفع المعدوم لا يمكن الاّ بالوضع وحديث الرفع لا يتكفل الوضع بل مفاده الرفع فقط. وممّا ذكرنا يتضح أنه لا يمكن تصحيح العبادة الفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط لنسيان أو اكراه أو اضطرار بحديث الرفع فإنه لا محل لورود الرفع على السورة المنسية في الصلاة، إذ لم يأت بها المكلف حتى ترفع تشريعا. وبالجملة فنفس الجزء أو الشرط المنسيّ لا يشمله حديث الرفع ولا يمكن التمسك به لتصحيح العبادة.

وأما بالنسبة إلى المركب الفاقد للجزء أو الشرط المنسيّ فهو وان كان أمرا وجوديا قابلا لتوجه الرفع إليه الاّ أنه أوّلا ليس هو المنسيّ أو المكره عليه أو المضطر إليه ليتوجه الرفع إليه. وثانيا أنه لا فائدة في رفعه لأن المركب الفاقد للجزء أو الشرط لا يثبت الأمر للباقي فإن ذلك يكون وضعا لا رفعا فلا يشمله حديث الرفع. نعم قد يثبت وجوب الباقي بدليل آخر وهو أن الصلاة لا تسقط بحال على ما يستفاد من جملة من الروايات الاّ أن هذا خارج عن محل النزاع.

وبالجملة فإن الصلاة بلا سورة مثلا اضطرارا أو نسيانا أو اكراها لا يترتب عليها أثر الاّ الفساد وعدم الأجزاء، وهو غير قابل للرفع شرعا.

وعليه لا يمكن تصحيح العبادة الفاقدة للجزء أو الشرط بمثل حديث الرفع بل لا بدّ من التماس دليل آخر يدل على الصحة وهو موجود في الصلاة، وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): (لا تعاد الصلاة الاّ من خمسة ...الخ)، ويترتب على حديث لا تعاد الصلاة جملة من