الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تقسيم بحث أصل البراءة

قوله: (لو شك في وجوب شيء أو حرمته ولم تنهض عليه حجّة جاز شرعا وعقلا ترك الأوّل وفعل الثاني وكان مأمونا من عقوبة مخالفته كان عدم نهوض الحجّة لأجل فقدان النص أو اجماله واحتماله الكراهة أو الإستحباب أو تعارضه فيما لم يثبت بينهما ترجيح بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم ترجيح في البين...الخ).[1]

قد عرفت ان مجرى البرائة هو الشك في التكليف وقد عقد الشيخ الأعظم (ره) لكل من الشبهة التحريمية والوجوبية مسائل ثلاثة:الأولى ما إذا كان منشأ الشك فيهما فقدان النص.

الثانية ما إذا كان منشأه تعارض النصين.

الثالثة ما إذا كان منشأه إجمال الدليل. وأضاف لكل من الشبهة التحريمية والوجوبية مسـألة حكم الشك في الموضوع الخارجي قال (ره) ما لفظه ( ثم متعلق التكليف المشكوك إمّا أن يكون فعلا كليا متعلقا للحكم الشرعي الكلي كشرب التتن المشكوك في حرمته والدعاء عند رؤية الهلال المشكوك في وجوبه وإمّا أن يكون فعلا جزئيا متعلقا للحكم الجزئي كشرب هذا المايع المحتمل كونه خمرا.

ومنشأ الشك في القسم الثاني اشتباه الأمور الخارجية. ومنشأه في الأوّل إمّا عدم النص في المسألة كمسألة شرب التتن، وإمّا أن يكون إجمال النص كدوران الأمر في قوله تعالى: (حتى يطهرن) بالتشديد والتخفيف مثلا. وإما أن يكون تعارض النصين ومنه الآية بناء على تواتر القراءات إلى أن قال: فالمطلب الأوّل فيما دار الأمر فيه بين الحرمة وغير الوجوب ثم قال: وقد عرفت أن متعلق الشك تارة الواقعة الكلية كشرب التتن. ومنشأ الشك فيه عدم النص أو إجماله أو تعارضه وأخرى الواقعه الجزئية فهنا أربع مسائل. ثم ذكر أيضا للشبهة الوجوبية أربع مسائل فيكون مجموع الأقسام ثمانية.

وأمّا صاحب الكفاية فقد جعل البحث عاما لمطلق الشك في التكليف الجامع بين جميع الأقسام المذكورة. وعليه فلم يعقد للبرائة سوى مسالة واحدة جمع فيها بين الشبهة الوجوبية والتحريمية جميعا.

قال في حاشيته على الكفاية ما لفظه: ( لا يخفى ان جمع الوجوب والحرمة في فصل وعدم عقد فصل لكل منهما على حدة وكذا جمع فقد النص وإجماله في عنوان عدم الحجّة إنما هو لإجل عدم الحاجة إلى ذلك بعد الإتحاد فيما هو الملاك وما هو العمدة من الدليل على المهم واختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول لا يوجب تخصيصه بعنوان على حدة وأمّا ما تعارض فيه النصان فهو خارج عن موارد الأصول العملية المقررة للشاك على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير، كما أنه داخل فيما لا حجّة فيه بناء على سقوط النصين عن الحجّية، وأمّا الشبهة الموضوعية فلا مساس لها بالمسائل الأصولية بل فقهية فلا وجه لبيان حكمها في الأصول إلاّ استطرادا فلا تغفل)[2] . انتهى

أقول ما ذكره صاحب الكفاية أفضل بكثير ممّا ذكره الشيخ الأعظم لأن ملاك جريان البرائة في جميع الأقسام واحد وهو عدم وصول التكليف إلى المكلف، كما أن عمدة أدلة البرائة شاملة لجميع الأقسام أيضا. نعم يشكل عليه في مسألة تعارض النصين حيث أخرجها عن البرائة ولكن الإنصاف أن المشهور بين الأعلام في مسألة تعارض النصين ان لم يكن لأحدهما مرجح وان كان هو التخيير ومع وجود المرجع يتعيّن الأخذ به إلاّ أننا اخترنا التساقط والرجوع الى الأصل العملي في صورة عدم وجود المرجح ومع وجود المرجع يتعيّن الأخذ به.

وسيأتي إن شاء الله تعالى ان المرجّح عندنا محصور في أمرين: الأوّل: موافقة الكتاب.

والثاني: مخالفة العامة، وذلك لحسنة الراوندي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فإن لم تجدوه في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه)، وأّما الترجيح بباقي المرجحات التي ذكرها الأعلام فأدلتها غير تامة كما أن الأدلّة التي أقيمت في صورة عدم وجود المرجّح غير تامة أيضا وسنتعرض لذلك بالتفصيل إن شاء الله تعالى في مبحث التعادل والتراجيح.

وقبل البدء بالإستدلال على البرائة ينبغي أن نشير إلى أمر مهم وهو أنه لا ريب في أن من القضايا المسلمة بين الأخباريين والأصوليين هي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وأنه لا نزاع بينهم في أصل هذه الكبرى كما أن من القضايا المسلمة بين الفريقين قاعدة وجوب دفع الضرر الأخروي – أي العقاب – المحتمل بل هذه القاعدة أيضا كسابقتها ممّا أطبق عليه العقلاء ولا تنافي بين القاعدتبن لأن مورد كل من القاعدتين مغاير لمورد الأخرى ولا يجتمعان في مورد واحد أبدا، فمورد وجوب دفع الضرر المحتمل فرض وصول التكليف تفصيلا أو إجمالا بنفسه أو بطريقه كما في أطراف العلم الإجمالي والشبهة قبل الفحص وموارد وجوب الإحتياط الشرعي. ومورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو فرض عدم وصوله بنفسه ولا بطريقه كما في الشبهة بعد الفحص واليأس عن الحجّة على التكليف. وعليه فلا توارد بين القاعدتين في مورد واحد أصلا.


[1] كفاية الأصول، الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني، ج1، ص338.
[2] كفاية الأصول، الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني، ج1، ص338.