الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة مقالة الظن بالطريق

(قوله وفيه أولاً أن الحاكم على الإستقلال في باب تفريغ الذمّة بالإطاعة والإمتثال إنما هو العقل وليس للشارع في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشاداً إليه...ألخ)[1] .

وحاصل الجواب الأول مع توضيح منّا انا نمنع وجود الحكم المولوي في مقام الفراغ حتّى يجب عقلاً إحرازه فإنه لا معنى لقوله يجب علينا تحصيل العلم بتفريغ الذّمة في حكم المكلِف – بالكسر- فإن باب الإمتثال وفراغ الذمة ليس ممّا يقبل الجعل الشرعي والحكم بأنه حصل الإمتثال وفرغت الذّمة أو لم يحصل ولم تفرغ الذّمة فإن حصول الإمتثال وفراغ الذّمة يدور مدار فعل متعلقات الأوامر وترك متعلقات النواهي وهذا أمر واقعي غير قابل للجعل الشرعي ولا معنى لحكم الشارع بأنه فرغت ذمتك أيها المكلف من التكاليف.

ثم أن الأعجب من ذلك قوله: (الواجب علينا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بأن نأتي بمؤديات طرق نقطع بنصبها من قبله سواء حصل معه العلم بأداء الواقع أم لا ...ألخ)[2] .

مع أنه لقائل أن يقول أنه في صورة العلم بأداء الواقع، هل يكون حكم من الشارع بفراغ الذّمة وهل يحتاج المكلف إلى تحصيل العلم بحكمه ذلك بعد العلم بفعل متعلق التكليف الواقعي وأي أثر يترتب على حكمه بذلك مع أن إجزاء المأتي به عن المأمور بالأمر الواقعي قهري. والحاصل أن العقل يستقل بأن الإتيان بالمكلف به الواقعي بما هوهو مفرغ للذمّة كالإتيان بالمكلف به بما هو مؤدى الطريق. وعليه فعند الإنسداد يكون كلاً من الظن بإتيان المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري - أي مؤدى الطريق ظناً بتفريغ الذّمة ولا ينحصر الظن به بالظن بإتيان المكلف به الظاهري أي مؤدى الطريق.

(قوله سلمنا ذلك لكن حكمه بتفريغ الذمّة – فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب – ليس إلا بدعوى أن النصب يستلزمه مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى...ألخ).

حاصل هذا الجواب مع توضيح منّا أنه سلمنا أن للشارع في هذا الباب حكماً مولوياً، ولكن حكمه بتفريغ الذّمة عند الإتيان بمؤدى الطريق المنصوب ليس إلا بدعوى أن نصب الطريق ممّا يستلزم الحكم بالتفريغ، مع أن دعوى أن التكليف بالواقع أيضاً يستلزم حكمه بالتفريغ عند الإتيان به هي أولى من الدعوى الأولى، بل نقول أكثر من ذلك وهو أن الطريق ليس أمراً مغايراً للواقع وفي عرضه بل ليس مفاد جعل الطريق سوى كون مؤداه هو الواقع بالجعل والتعبد الشرعي، فإن معنى كون الشيء طريقاً سوى كون مؤداه هو الواقع بالجعل والتعبّد الشرعي فإن معنى كون الشيء طريقاً هو ان ما يحكي عنه هو الواقع.

ومن هنا قال الشيخ: (إن تفريغ الذمّة مما اشتغلت به إما بفعل نفس ما أراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية وإما بفعل ما حكم حكماً جعلياً بأنه نفس المراد وهو مضمون الطرق المجعولة فتفريغ الذّمة بهذا – على مذهب التخطئة - من حيث أنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع لا من حيث انه شيء مستقل في مقابل المراد الواقعي فضلاً عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم واليقين)[3] . انتهى

والخلاصة أنه لا معنى لجعل الطرق في عرض الواقع بل إجزاء العمل بالطرق إنما يكون بإعتبار أن مؤداها هو الواقع بجعل الشارع وعلى ذلك يبتني عدم الإجزاء ووجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف مخالفة الطريق للواقع.

(قوله ان قلت كيف يستلزم الظن بالواقع مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه كما إذا ظن بالحكم من القياس وهذا بخلاف الظن بالطريق فإنه يستلزمه ولو كان من القياس ...ألخ)[4] .

حاصله مع توضيح منّا انه كيف يستلزم الظن بالواقع الظن بحكمه بالتفريغ مع انه قد يقطع بعدم حكمه بالتفريغ مع حصول الظن بالواقع، كما إذا حصل الظن به من القياس. وهذا بخلاف الظن بالطريق فإن الظن به ممّا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ وان كان حاصلاً من القياس فإذا حصل الظن بطريقية الإجماع المنقول بخبر الواحد فهو ممّا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ وان كان الظن بطريقيته قد حصل من قياسه على الخبر الواحد الثقة.

والجواب: ان الظن بالواقع أيضاً ممّا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ وان كان حاصلاً من القياس ولا ينافي ذلك القطع بعدم حجّية القياس شرعاً. والسرّ فيه أن النهي عن الفياس ناشىء عن مخالفته للواقع غالباً، فمع المصادفة تحصل برائة الذمّة عن الواقع وبعبارة أخرى أن الحكم بالفراغ ليس مختصاً بنصب الطريق بل يترتب على إتيان الواقع أيضاً كيفما كان بل الإنصاف ان الواقع أفضل من الطريق بكثير لأن مطابقة العمل للواقع من باب المصادفة والإتفاق – وان لم نعلم به المكلف – يجزي في غير التكاليف العبادية، بل حتى فيها إذا تمشّى من المكلف قصد التعبّد والتقرّب. وأما مطابقة العمل للطريق المنصوب من باب المصادفة والإتفاق لا يجزي لأن الطريق الغير الواصل لا يقتضي التنجيز ولا المعذورية. وكيف يقتضي المعذورية مع عدم استناد المكلف إليه في العمل.

(قوله ثالثاً: سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به لكن قضيته ليس إلا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر لا خصوص الظن بالطريق وقد عرفت ان الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالباً). انتهى

وحاصله: انه سلمنا الظن بالواقع ممّا لا يستلزم الظن بتفريغ الذّمة في حكم الشارع ولكن مقتضى ذلك أن يكون كل من الظن بأنه مؤدى طريق معتبر إجمالاً والظن بالطريق حجّة لا خصوص الظن بالطريق فقط، إذ الإتيان بما ظن كونه مؤدى طريق معتبر إجمالاً من دون ظن تفصيلي بالطريق هو ممّا يوجب الظن بتفريغ الذّمة في حكمه أيضاً. وقد عرفت سابقاً أن الظن بالواقع ولو في خصوص التكاليف التي هي محل إبتلاء لا يكاد ينفك عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر إجمالاً. والله العالم.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص320.
[2] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص319.
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص457.
[4] حقائق الأصول، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج2، ص183.