الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:المقدمة الرابعة لدليل الإنسداد الكبير

(قوله : وامّا الرجوع إلى الأصول فالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن اجرائها عقلاً مع حكم العقل وعموم النقل هذا ولو قيل بعدم جريان الإستصحاب في أطراف العلم الإجمالي...ألخ).

هذه هي المسألة الثانية من المقدمة الرابعة وهي عدم جواز الرجوع إلى الأصل العملي في كل مسألة. قال الشيخ الأنصاري: (وأما الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة... إلى أن قال: فيرد هذا الوجه ان العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات يمنع عن إجراء البرائة أو الإستصحاب المطابق لها المخالف للإحتياط بل وكذا العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات في الإستصحابات المطابقة للإحتياط يمنع عن العمل بالإستصحابات من حيث إنها استصحابات وان كان لا يمنع من العمل بها من حيث الإحتياط ولكن الإحتياط في جميع ذلك يوجب العسر ...إلى ان قال: وبالجملة فالعمل بالأصول النافية للتكليف في مواردها تستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة وبالأصول المثبتة للتكليف من الإحتياط والإستصحاب مستلزم للحرج وهذا اكثرة المشتبهات في المقامين...ألخ)[1] .

وحاصل كلامه ان هناك ثلاثة أمور الأول: ان العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات يمنع عن الأصول النافية للتكليف من البرائة والإستصحاب المطابق لها الثاني: أن العسر والحرج هما يمنعان عن الأصول المثبتة للتكليف من الإحتياط والإستصحاب المطابق له الثالث هناك مانع من جريان الإستصحاب المطابق للإحتياط من جهة العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات فيها المانع عن العمل بها من حيث انه استصحاب. وفيه أما الأمر الأول فسيأتي الكلام عنه لما نتكلم عن الأصول النافية.

وأما الأمر الثاني: فيرد عليه ان العمل بالأصول المثبتة من الإحتياط والإستصحاب المطابق له ليس مستلزماً للعسر والحرج لقلة مواردهما ولكن لا يخفى عليك ان الرجوع إلى الإحتياط في موارد العلم الإجمالي – كما إذا دار الأمر بين القصر والإتمام مثلاً- والإستصحاب المثبت للتكليف لا يغني عن شيء لإنها لا تفي بأقل قليل من الأحكام المعلومة بالإجمال.

وأمّا الأمر الثالث: وهو العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات المانع من جريان الإستصحاب المثبت للتكليف فوجهه عنده (ره) هو أن حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الأطراف بمقتضى قوله (ع): (لا تنقض اليقين بالشك)، يناقض وجوب نقضه في البعض بمقتضى قوله (ع): (ولكن انقضه بيقين آخر)، وحيث انه يعلم إجمالاً بوجود غير الواجبات والمحرمات أي يعلم انتقاض الحالة السابقة في البعض فلا يصح جريان الإستصحاب للتناقض بين الصدر والذيل.

وفيه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من ان أدلة الإستصحاب ليست كلها مغيّاة بالعلم بل بعضها مطلق فيمكن الإعتماد عليه لشمول الإستصحاب لإطراف العلم الإجمالي- إذ لم يكن هناك مانع ثبوتي – فإجمال الدليل الذي فيه الغاية لا يسري إلى غيره ممّأ ليس فيه الذيل المذكور هذا أولاً. وثانياً ان المفهوم عرفاً من الأحاديث المغيّاة بالعلم هو أن العمل بالحكم الظاهري مغيّ بالعلم الرافع للشك وهو العلم الذي يكون متعلقه عين متعلق الشك وهو العلم التفصيلي.

أمّا العلم الإجمالي فهو غير رافع للشك لأن متعلقه هو الجامع بين الأطراف، بينما متعلق الشك كل طرف بخصوصه، وعليه فيكون نظر الذيل إلى العلم التفصيلي فلا يلزم من شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي المناقضة بين الصدر والذيل. فاذا كان عندنا إناءان كل منهما متنجس ثم علمنا إجمالاً بطهارة أحدهما فلا مانع من جريان استصحاب النجاسة في كل منهما لعدم المخالفة العملية القطعية وعدم المناقضة بين الصدر والذيل.

وأما صاحب الكفاية (ره) فقد ذكر مع توضيح منّا أنه لا مانع من جريان الإستصحاب المثبت للنكليف لأن تناقض الصدر والذيل انما يلزم اذا كان اليقين والشك في جميع الأطراف فعلياً ملتفتاً إليه، وامّا اذا لم يكن الشك الفعلي إلاّ في بعض الأطراف وكان الطرف الآخر غير ملتفت إليه فالإستصحاب انما يجري في خصوص الطرف الملتفت إليه الذي يكون الشك فيه فعلياً ولا يجري في الطرف الآخر في ظرف جريانه في ذلك الطرف لإنتفاء شرطه – وهو الشك الفعلي- وإذا وصلت النوبة إلى جريان الإستصحاب فيه بعد وجود شرطه وحصول الشك الفعلي فيه يكون ذلك الطرف الذي جرى فيه الإستصحاب سابقاً خارجاً عن محل الإبتلاء فلا مانع من جريان الإستصحاب فيه أيضاً.

غايته أنه بعد ذلك يعلم ان احد الإستصحابين كان مؤداه مخالفاً للواقع ولا اشكال في ذلك بعد ما لم يكن هذا العلم حاصلاً في ظرف جريان الإستصحاب والإستصحابات التي يعملها المجتهد في مقام الإستنباط تكون من ىهذا القبيل فإن إستنباط الأحكام انما يكون على التدريج وليس جميع موارد الإستصحابات ملتفتاً إليها دفعة ليكون الشك فيها فعلياً بل الإلتفات والشك يكون تدريجياً حسب تدريجية الإستنباط فلا يجري الإستصحاب في جميع أطراف الشبهة دفعة واحدة ليكون العلم بإنتقاض الحالة السابقة في بعضها مانعاً عن جريانه.

وفيه: ما لا يخفى فإنه لو تمّ هذا الكلام لكان خارجاً عن محل النزاع في ترتيب مقدمات الإنسداد فإن لازمه عدم العلم الإجمالي بالتكاليف الذي تكفلته المقدمة الأولى إذ يمتنع فرض العلم الإجمالي مع الغفلة والذهول عن بقية الأطراف.

وبالجملة فإن فعلية الشك في كل شبهة وان كانت شرطاً لجريان الإستصحاب فيها وهي تتوقف على الإلتفات إلى الشبهة إلا أن المفروض حصول العلم بفساد بعض الإستصحابات وذلك ان كل مجتهد قبل خوضه في الإستنباط يعلم بأن الأحكام الشرعية المترتبة على موضوعاتها المقدرة وجوداتها قد تنتفي بعض خصوصيات الموضوع عند تحققه خارجاً الموجب للشك في بقاء الحكم وان الوظيفة عند ذلك هي استصحاب بقاء الحكم ويعلم ايضاً بانتقاض الحالة السابقة في بعض الموارد التي يجري فيها استصحاب بقاء الحكم. والعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الإستصحابات يمنع عن جريان الإستصحاب في كل شبهة في موطنه.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص428.