الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:فصل الوجوه التي أقاموها على حجّية خبر الظن

قوله وهي أربعة الأول أن في مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنّة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم...ألخ)[1] .

قال الشيخ الأعظم:(فلنشرع في الأدلّة التي أقاموها على حجّية الظن من غير خصوصية للخبر ..إلى أن قال وهي أربعة. الأول ان في مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنّة للضرر. ودفع الضرر المظنون لازم أمّا الصغرى فلإن الظن بالوجوب ظن باستحقاق العقاب على الترك كما أن الظن بالحرمة ظن باستحقاق العقاب على الفعل أو لأن الظن بالوجوب ظّنّ، بوجود المفسدة في الترك كما أن الظن بالحرمة ظن بالمفسدة في الفعل بناء على قول العدلية تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد وقد جعل في النهاية كلا من الضررين دليلاً مستقلاً على المطالب)[2] انتهى.

أقول تصحيحاً لكلام الشيخ أن الظن بالوجوب ليس ظناً بوجود المفسدة في الترك بل ظن بوجود المصلحة في الفعل. ثم أن جوابه ناقص حيث قال أما الصغرى ...ألخ ولم يقل.. وأما الكبرى فكذا وكذا بل سكت عنها. ومهما يكن وقبل البحث عن الصغرى والكبرى لا بدّ من تقديم بعض الأمور إذ من خلالها يتضح الحال في المقام. الأول: انه عندنا قاعدتان عقليتان لا تتصادمان ولا تجتمعان في مورد. الأولى: قاعدة قبح العقاب بلا بيان. الثانية قاعدة لزوم دفع الضرر الأخروي المحتمل فضلاً عن المظنون. وأما مورد القاعدة الأولى وهي حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فموردها ما إذا أعمل العبد ما تقتضيه وظيفته من الفحص والسؤال عن مراد المولى فإذا فعل ذلك. ولم يعثر على مراد المولى قبح عقابه سواء كان للمولى مراد واقعاً أو لم يكن فإن المراد من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو البيان الواصل إلى العبد لا البيان الواقعي إذ البيان الواقعي لا يحرك العبد نحو الإمتثال وليس قبح العقاب بلا بيان ممّا دلّ عليه الدليل اللفظي حتى يستظهر منه الأعمّ من البيان الواقعي والبيان الواصل بل هو حكم عقلي ملاكه قصور الإرادة الواقعية عن تحريك إرادة العبد نحو المراد.

وأمّا مورد حكم العقل بلزوم دفع الضرر الأخروي المظنون أو المحتمل فهو أما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي وأما في الشبهات الحكمية البدوية إذا أخلّ العبد بما تقتضيه وظيفته بترك الفحص والسؤال عن مراد المولى فإن مثل هذا العبد يستحق العقاب إذا صادف فوت مراد المولى.

ومنه تعرف ان حكم العقل بوجوب الإطاعة عند تنجّز التكليف بالعلم الوجداني أو التعبّدي هو أيضاً من جهة دفع إحتمال الضرر فإن استحقاق العقاب فيها على المخالفة وان كان معلوماً إلاّ أن نفس العقاب عليها غير معلوم بل هو محتمل وذلك لإحتمال شفاعة الشافعين يوم القيامة أو إحتمال عفوه الكريم ومع هذا الإحتمال لا يعلم حينئذٍ بالعقاب. هذا وقد ذكرنا سابقاً أن كلاً من المولى والعبد له وظيفة تخصّه. أما وظيفة المولى فهي أن يكون بيان مراده على وجه يمكن وصول العبد إليها إذا لم يتوسط في البين ما يمنع عن ذلك. وأما وظيفة العبد فهي الفحص والسؤال عن مرادات المولى من مظان وجودها فعند إخلال العبد بوظيفته يستحق العقاب ويكون مورداً لحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل.

الأمر الثاني: المعروف والمشهور بين الأعلام أن ملاكات الأحكام تختلف من حيث الأهمية فقد يكون الملاك بمثابة من الأهمية في نظر الشارع بحيث يقتضي تحريم جملة من المحللات ظاهراً لإحراز الملاك والتحفّظ عليه، وقد لا يكون الملاك بتلك المثابة من الأهمية وطريق استكشاف أن ملاك الحكم من أي قبيل إنما يكون بإيجاب الإحتياط في موارد الشك فإذا أوجب الإحتياط في مورد فنعرف حينئذٍ ان الملاك بمثابة من الأهمية، وذلك كما في باب الدماء والأعراض والأموال فقد ذكر المشهور أن الشارع أوجب الإحتياط فيها، وان كانت بالإصل مورداً للبرائة أو استصحاب العدم. ولكن لم يثبت ذلك عندنا نعم احتطنا فيها استحباباً ثم إن بناءً على ما ذكروه فمّن عدم إيجاب الإحتياط في مورد يستكشف كون الملاك ليس بتلك المثابة من الأهمية.

الأمر الثالث: ان الضرر أما أن يكون أخروياً أو دنيوياً، فإن كان أخروياً فلا إشكال في حكم العقل بلزوم دفع المقطوع والمظنون والمحتمل منه يكون للإرشاد لا يستتبع حكماً مولوياً شرعياً على طبقه لأن حكم العقل في باب العقاب الأخروي واقع في سلسلة معلولات الأحكام وكل حكم عقلي وقع في هذه السلسلة لا يستتبع الحكم المولوي وعليه فحكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون بل المحتمل يكون إرشادياً لا يترتب على مخالفته سوى ما يترتب على المرشد إليه من العقاب الواقعي لو فرض مصادفة الظن أو الإحتمال للواقع وإلاّ كان من التجري في حكم العقل، وأما إن كان الضرر دنيوياً أعني به مفسدة الفعل بناءً على ما هو عليه العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد فلا يحكم العقل بوجوب دفعه ومن هنا لا يحكم بوجوب الإحتياط في الشبهات الموضوعية مع أن احتمال الضررالدنيوي من جهة إحتمال ثبوت التكليف موجود فيها بل وكذلك الحال في الشبهات الحكمية حتى بعد الفحص فإن العقاب فيها وان كان غير محتمل بعد الفحص لكونه بلا بيان إلا أن إحتمال الضرر الدنيوي من جهة إحتمال ثبوت التكليف موجود فيها أيضاً بل ذكرنا في بعض المناسبات أنه لا دليل على حرمة الإضرار بالنفس إلاّ في موارد خاصة كالإنتحار وقطع الأعضاء وسلوك طريق يظن ضرره، حيث إدعى الإجماع بل تسالم الأصحاب على أن سلوك الطريق الذي لا يؤمن من الوقوع في الضرر معصية يجب إتمام الصلاة فيه ولو تبين عدم الضرر.

وعليه فحيث كان هذا الحكم العقلي واقعاً في سلسلة علل الأحكام فيستتبع الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة على ما حكم به العقل ويظهر من كلمات الشيخ في مبحث البرائة. هو أن الظن في المضار الدنيوية يكون طريقاً مجعولاً شرعياً كسائر الطرق الشرعية فلا يترتب العقاب على مخالفته إلاّ إذا صادف الظن الواقع وكان ما أقدم عليه ضرراً واقعاً فيستحق العقاب على مخالفة الواقع لا مخالفة الطريق، ولكن ذكرنا سابقاً الإشكال على هذا الكلام في مبحث القطع فراجع.

الأمر الرابع: من المعروف بين الأعلام أن المصالح والمفاسد التي تبتنى عليها الأحكام قد تكون شخصية راجعة إلى آحاد المكلفين كالواجبات العبادية وغالب المحرمات كالصوم والصلاة والحج والزنا وشرب الخمر وغير ذلك ممّا تعود المصلحة والمفسدة إلى شخص الفاعل. وقد تكون نوعية كالواجبات النظامية من الطبابة والصياغة والخياطة ونحو ذلك ممّا يتوقف عليها حفظ النظام. وفي كلا القسمين تكون المصلحة والمفسدة في متعلق الأمر والنهي. لا في نفس الأمر والنهي فإنه لو كانت المصلحة والمفسدة في نفس الأمر والنهي كان اللازم حصولهما بمجرد الأمر والنهي ولم يبق موقع للإمتثال.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص308.
[2] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص367.