الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل العقلي على حجّية خبر الواحد

(قوله: ثالثها ما أفاده بعض المحققين بما ملّخصه أنا نعلم بكوننا مكلّفين بالرجوع إلى الكتاب والسنّة إلى يوم القيامة فإن تمكّنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلا بدّ من الرجوع إليهما كذلك وإلا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف...ألخ) [1] .

المراد من بعض المحققين هو المحقق الشيخ محمد تقي الأصفهاني صاحب هداية المسترشدين الحاشية على المعالم وهو أخو صاحب الفصول، ويظهر أن عبارة هداية المسترشدين لا تخلو من تشويش واضطراب مع ما فيها من الإطناب الممّل وتلخيص صاحب الكفاية لعبارته ليس تاماً بل هذا من الإيجاز المخلّ، وكذا تلخيص الشيخ الإنصاري لها.

نعم يمكن أن يلّخص كلامه بأن يقال أنه دلّت الأخبار القطّعية والإجماع المعلوم من الشيعة على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة، وحينئذٍ فإن أمكن الرجوع إليهما بنحو يحصل العلم بالحكم فهو وإلاّ فإن كان هناك طريق خاص للرجوع إليهما تعيّن الأخذ به وإلاّ فإن كان هناك طريق ظني للرجوع إليهما فيجب الأخذ به تنزلاّ ًمن العلم بالطريق إلى الظن به وإلاّ فيجب الرجوع إليهما بنحو يظن منهما بالحكم.

وبالجملة فالمتعيّن أولاً هو الرجوع إلى كتاب معلوم أو سنّة معلومة ومع تعذّره إلى ما عيّنه منهما طريق معلوم الإعتبار ومع تعذّره إلى ما عينه منهما طريق مظنون الإعتبار ومع تعذّره إلى مطلق ما ظن كونه كتاباً أو سنة.

ولكن يرد على هذا الوجه الذي جعله من أقوى الوجوه الثمانية التي أقامها على اعتبار الظن بالطريق. هو أنه ان كان المراد بالسنّة الروايات الحاكية لقول المعصوم (ع) وفعله وتقريره كما صرّح هو بذلك في ذيل كلامه على خلاف ما هو المصطلح عليه من السنّة. ففيه ان وجوب العمل بها لا دليل عليه لأن ما ذكر من الإجماع والضرورة إنما هو على وجوب العمل بنفس قول المعصوم (ع) وفعله وتقريره دون الروايات الحاكية لها. وعليه فلا يمكن إثبات وجوب العمل بالروايات الاّ بدعوى العلم الإجمالي بصدور أكثر ما بأيدينا من أخبار الكتب المعتبرة فيرجع حينئذٍ إلى الوجه الأول من تقرير الدليل العقلي وقد عرفت ما فيه.

وان كان المراد بالسنّة نفس قول المعصوم (ع) وفعله وتقريره كما هو المصطلح عليه فوجوب العمل بها وان كان ثابتاً بالإجماع والضرورة إلاّ أن ذلك لا يستلزم وجوب العمل بالأخبار الحاكية لها المحتمل عدم مطابقتها للواقع لأنها ليست من السنّة. وعليه فلا يمكن إثبات وجوب العمل بالروايات إلاّ بدعوى العلم الإجمالي بثبوت تكاليف واقعية التي يعلم وجوب رعايتها ومرجع ذلك إلى دليل الإنسداد الآتي بيانه ومقتضاه حجّية كل أمارة كاشفة عن الواقع لا خصوص الخبر.

والخلاصة ان ما ذكره صاحب هداية المسترشدين ليس وجهاً برأسه بل يرجع إما إلى الوجه الأول أو إلى دليل الإنسداد الآتي. وأجاب عن هذا الإشكال صاحب الكفاية بما حاصله : إن ملاك دليل المحقق التقي ليس هو العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية ليرجع إلى دليل الإنسداد ولا العلم الإجمالي بصدور جملة من الروايات المدّونة في الكتب المعتبرة ليرجع إلى الدليل الأول العقلي بل ملاكه العلم بوجوب الرجوع إلى هذه الروايات فعلاً حتى إذا لم يحصل علم إجمالي بصدور جملة منها أو علم إجمالي بتكاليف واقعية يجب التوصل إليها بالظن بعد تعذّر الوصول إليها بالعلم أو ما هو بحكمه.

وعليه فمؤديات هذه الروايات أحكام فعلية لا بدّ من امتثالها. ولكن يرد عليه ان العلم بوجوب الرجوع إلى الروايات الحاكية لا يحصل بدون سبب فلا بدّ ان يكون سببه أما الجعل الشرعي بأن يجعلها الشارع حجّة على المكلف وهذا مفروض الإنتفاء لأن الفرض عدم قيام دليل على جعلها حجّة بالخصوص أو يكون سببه العلم الإجمالي بصدور كثير منها وهذا يرجع إلى الوجه الأوّل أو يكون سببه حكم العقل بوجوب إمتثال التكاليف الواقعية المعلومة بالإجمال بنحو الظن من طريقها بعد عدم إمكان إمتثالها بنحو العلم أو العلمي وهذا يرجع إلى دليل الإنسداد الآتي. وعليه فما ذكره لم يكتب له التوفيق.

والخلاصة إلى هنا أن ما استدلوا به على حجّية خبر الواحد من الحكم العقلي بوجوه الثلاثة ممّا لم يكتب له التوفيق ولكن نحن كما عرفت في غنى عن ذلك لما عرفت من الأدلة على حجّية خبر الواحد لا سيّما السيرة العقلائية التي هي من أمتن الأدلة بحيث لو أمكن المناقشة في باقي الأدلة إلا أنه لا سبيل للمناقشة فيها والله العالم.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص363.