الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

من جملة الإشكالات الواردة في المقام هي أن المفهوم غير معمول به في الآية الشريفة لأن العمل به يستلزم خروج المورد عن عموم المفهوم مع أن العام يكون نصاً أو كان كالنص في المورد، ومورد نزولها هو الإخبار عن الإرتداد وهو لا يثبت بخبر الواحد العادل بل لا يثبت إلاّ بالعلم الوجداني أو البيّنة العادلة، وحيث أنه لا يجوز إخراج المورد عن عموم المفهوم فلا بدّ من طرح المفهوم رأساً.

وأجاب عن ذلك الشيخ النائيني(ره): بأن المورد إنما كان إخبار الوليد الفاسق بإرتداد بني المصطلق، والآية الشريفة إنما نزلت في شأنه لبيان كبرى كلية والمورد داخل في عموم الكبرى وهي قوله تعالى: ﴿إن جائكم فاسق بنبأ فتبيّنوا...﴾[1] فإن خبر الفاسق لا إعتبار به مطلقاً لا في الموضوعات ولا في الأحكام. وأمّا المفهوم فلم يرد كبرى لصغرى مفروضة الوجود والتحقق لإنه لم يرد في مورد إخبار العادل بالإرتداد بل يكون حكم المفهوم من هذه الجهة حكم سائر العمومات الإبتدائية التي لم ترد في مورد خاص قابل للتخصيص بأي مخصص فلا مانع من تخصيص عموم المفهوم بما عدا الخبر الواحد القائم على الموضوعات الخارجية ولا فرق بين المفهوم والعام الإبتدائي سوى أن المفهوم كان ممّا تقتضيه خصوصية في المنطوق استتبعت ثبوت المفهوم وإلاّ فهو كالعام الإبتدائي الذي لم يرد في مورد خاص ولا ملازمة بين المفهوم والمنطوق من حيث المورد حتى إذا كان المنطوق في مورد خاص فالمفهوم أيضاً لا بدّ وأن يكون في ذلك المورد بل القدر اللازم هو أن يكون الموضوع في المنطوق عين الموضوع في المفهوم فتأمل[2] . انتهى

ويرد عليه: أن المفهوم لا بدّ وأن يكون تابعاً للمنطوق فإذا كان الموضوع في المنطوق هو النبأ الكلّي الشامل لخبر الإرتداد فلا محيص من أخذ مثل ذلك في طرف المفهوم أيضاً ومعه لا يكون الموضوع في المفهوم كلياً غير ناظر إليه بخصوصه ليكون كسائر العمومات الإبتدائية قابلاً للتخصيص فيبقى الإشكال من عدم جواز إخراج المورد عن عموم المفهوم على حاله.

وأجاب الشيخ الأعظم بجواب آخر قال: وفيه أن غاية الأمر لزوم تقييد المفهوم بالنسبة إلى الموضوعات بما إذا تعددّ المخبر العادل فكل واحد من خبر العدلين في البيّنة لا يجب التبيّن فيه وأمّا لزوم إخراج المورد فممنوع لأن المورد داخل في منطوق الآية لا مفهومها وجعل أصل خبر الإرتداد مورداً للحكم بوجوب التبيّن إذا كان المخبر به فاسقاً ولعدمه إذا كان المخبر به عادلاً لا يلزم منه إلاّ تقييد الحكم في طرف المفهوم وإخراج بعض أفراده وهذا ليس من إخراج المورد المستهجن في شيء.[3] انتهى

وحاصله أننا نسلم العموم في طرف المفهوم ونحكم بعدم وجوب التبيّن في خبر العادل مطلقاً غاية ما هناك أنه يعتبر ضم عدل آخر إليه في الموضوعات التي منها باب الإرتداد الداخل في العموم ولا يلزم من أخذ الشرط واعتباره في بعض أفراد العام تخصيصاً للعام بما يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم.

ويرد عليه أنه بعد تسليم كون مورد المفهوم هو الخبر بإلارتداد فلا محالة يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم. وأمّا الهروب من الإشكال والتعبير عنه بإنه يقيّد في مورد الآية وغيره من الموضوعات الخارجية التي يعتبر فيها البيّنة بما إذا انضمّ إليه عادل آخر وهذا غير إخراج المورد من تحته، فلا ينفع فإن تغيير العبارة لا يفيد شيئاً إذ واقعه خروج المورد عن عموم المفهوم.

والإنصاف ان الإشكال باق على تقدير القول بالمفهوم لها، ثم أنه هناك إشكال آخر في طرف المنطوق وحاصله لزوم الإكتفاء بالخبر الفاسق في مثل الإرتداد مع التبيّن الذي يراد به الوثوق بصدقه، ومن المعلوم أنه لا يمكن الإلتزام به ولو مع التقييد بالتعدد لأن في الإرتداد لا بدّ إمّا من العلم الوجداني أو البيّنة العادلة.

والجواب عنه وان صحّ بالإلتزام بكون المراد من التبيّن هو التبيّن العملي - أي العلم الوجداني – إذ يثبت الإرتداد بالعلم الوجداني ولا يكون المراد منه الوثوق بصدقه حتى يرد الإشكال. إلاّ أنه يبقى الإشكال من جهة أخرى وهو وجوب التبيّن في خبر الفاسق ليس نفسياً وانما هو لأجل العمل بخبره وعليه فيكون الوجوب شرطياً، وإذا كان الأمر كذلك فلا معنى لشرطية تحصيل العلم بالإرتداد لجواز العمل بخبر الفاسق لأن مع العلم بالإرتداد تكون الحجّة هو نفس العلم دون خبر الفاسق، وعليه فالمناسب للوجوب الشرطي إنما هو التبيّن بمعنى الوثوق بصدقه ومعه يبقى الإشكال. والله العالم


[1] سورة الحجرات، آية٦.
[2] فوائد الأصول، محمدحسين النائيني، ج3، ص174.
[3] فرائد الأصول الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص271.