الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

قال صاحب الكفاية:(مع أنه يمكن أن يقال أن القضية – ولو كانت مسوقة لذلك- إلاّ أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق فيقتضي إنتفاء وجوب التبين عند انتفائه وجود موضوع آخر فتدبر)[1] .

حاصله أنه حتى على القول بكون القضية مسوقة لتحقق الموضوع تدل حينئذٍ على حجّية خبر الواحد الثقة وذلك لإطلاق الشرط الظاهر في انحصار سبب وجوب التبيّن في خصوص فسق المخبر، وبالجملة فوجوب التبيّن منحصر بنبأ الفاسق فينتفي وجوب التبيّن عند انتفائه ووجود الموضوع آخر وهو خبر العادل.

وفيه أن القضية إذا كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع لا تدل إلاّ على إثبات الحكم للموضوع على فرض وجوده وأمّا نفي الحكم عن موضوع آخر فهي ساكتة عنه، نعم ظهور القضية في انحصار موضوع وجوب التبيّن بنبأ الفاسق انما يصح إذا كانت القضية لها مفهوم وأمّا إذا لم يكن لها مفهوم فلا يصح القول بظهورها في الإنحصار.

قال صاحب الكفاية: (ولكنه يشكل بأنه ليس لها ها هنا مفهوم ولو سلّم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم ....ألخ).

وتوضيحه أن عموم التعليل في الآية الشريفة: وهو قوله تعالى: ﴿أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[2] يمنع عن إنعقاد الظهور للقضية في المفهوم خصوصاً في مثل المقام ممّا كان التعليل متصلاً بالقضية الشرطية فإن إحتفاف القضية بالتعليل يوجب عدم ظهور القضية في كونها ذات مفهوم، وعلى فرض تسليم ظهورها في المفهوم مع إتصال التعليل بها يقع التعارض بينها وبين عموم التعليل إذ المراد من الجهالة عدم العلم بمطابقة المخبر به للواقع وهو مشترك بين خبر العادل والفاسق فعموم التعليل يقتضي وجوب التبيّن عن خبر العادل أيضاَ.

وفي هذه الحالة لا بدّ من رفع اليد عن ظهور القضية في المفهوم لإن عموم التعليل يأبى عن التخصيص فإن إصابة القوم بجهالة لا تحسن في حالة من الحالات، وفيه أولاً: أنه مبنيّ على أن يكون معنى الجهالة عدم العلم ليشترك خبر العادل مع الفاسق في ذلك وليس الأمر كذلك بل هي بمعنى السفاهة وذلك لا بمعناها المصطلح كي يكون ذلك مستبعداً بل بمعنى الركون إلى مالا ينبغي الركون إليه بعد التأمل والتدبر.

ولا ريب في أن العمل بقول الفاسق من هذا القبيل حيث أنه من جهة فسقه الموجب لعدم الأمن من تعمّده للكذب في أخباره يكون العمل بقوله والركون إليه من السفاهة بالمعنى المزبور وهذا بخلاف العمل بقول العادل فإنه ليس الركون إليه والإعتماد على قوله عند العقلاء من الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه.

وعليه لا يشارك خبر العادل خبر الفاسق كي يندرج بذلك في عموم التعليل. فإن قلت: لو لم يصح الإعتماد على خبر الفاسق فكيف إعتمدت الصحابة على خبر الوليد الفاسق وأرادوا تجهيز الجيش على قتال بني المصطلق عند إخبار الوليد بإرتدادهم وإمتناعهم عن الصدقة.

قلت: يمكن أن يكون إقدامهم على العمل بخبره من جهة عدم إطلاعهم على فسقه وإعتقاد العدالة في حقه فأخبرهم الله سبحانه وتعالى بفسقه وان العمل بخبره عمل سفاهة ويمكن أن يكون من جهة غفلتهم عن الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه، فنزلت الآية الشريفة للتنبيه على غفلتهم.

والخلاصة أن لا إشكال في أن الإعتماد على خبر الفاسق يكون من الجهالة دون الإعتماد على خبر العادل هذا أولاً. وثانياً: على فرض أن يكون معنى الجهالة عدم العلم بمطابقة الخبر للواقع لا يعارض عموم التعليل المفهوم بل يكون المفهوم حاكماً على العموم. وتوضيحه أن المفهوم من جهة إقتضائه لتتميم الكشف وإلغاء إحتمال الخلاف في خبر العادل يجعله محرزاً وكاشفاً عن الواقع تعبداً، فيوجب خروج خبر العادل عن عموم التعليل موضوعاً ببيان عدم كونه من أفراده ومعه لا يعقل وقوع التعارض بينه وبين عموم التعليل فضلاً عن تقديم العلّة عليه بل يقدم المفهوم على العلة ولو كان ظهورها أقوى بمراتب من ظهوره كما هو الشأن في كل حاكم ومحكوم حيث يقدم الحاكم عليه ولو كان ظهوره أضعف بمراتب من ظهور المحكوم فإن أقوائية الظهور إنما تجري في موارد التخصيص والتقييد فيقدم ما هو الأقوى ظهوراً على غيره.

والسرّ فيما ذكرناه إنما هو من جهة تعرّض الحاكم بمدلوله اللفظي وشارحيته لعقد وضع دليل المحكوم بالتوسع فيه تارة بإدخال ما ليس داخلاً فيه والتضييق أخرى بإخراج ما كان داخلاً فيه كما في المقام من حيث إقتضاء المفهوم لتضييق موضوع العام وإخراج خبر العادل منه موضوعاً بعناية تتميم كشفه ومحرزيته للواقع وكونه من مصاديق العلم تعبّداً، وحينئذٍ لا منافاة بين المفهوم وعموم التعليل لأن المفهوم يوجب خروج خبر العادل عن موضوعه لا عن حكمه وعموم التعليل لا يتكفل لبيان موضوع نفسه لا رفعاً ولا وضعاً بل إنما يتكفل حكم الموضوع على فرض وجوده والمفهوم يمنع عن وجوده ويخرج خبر العادل عن موضوعه فلا يعقل التعارض بينهما.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص296.
[2] الحجرات/السورة49، الآية6.