الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

قال صاحب الكفاية:(والجواب أمّا عن الآيات فبان الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو إتباع غير العلم في الأصول الإعتقادية لا ما يعمّ الفروع...ألخ)[1] .

أشار بذلك إلى جوابين: الأول أن الآيات الشرعية ظاهرة في النهي عن إتباع غير العلم في الأصول الإعتقادية. انظر إلى قوله تعالى:﴿ وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنون [2] ، وقوله تعالى:﴿ ومايتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلاّ يخرصون [3] ، وأمّا الجواب الثاني فحاصله أن الآيات الشريفة لو سلم إجمالها بإعتبار أن موردها وهو الأصول الإعتقادية ممّا يصلح للقرينية فيوجب إجمالها، إلاّ أن القدر المتيقن منها هو خصوص أصول الدين.

ولكن الإنصاف إن التعليل في بعضها بأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً ممّا يجعلها ظاهرة في العموم فلا يكون المورد موجباً لإجمالها، ومنه يتضح أنها ليست ظاهرة في الأصول الإعتقادية بل تشمل الفروع أيضاً، هذا وقد أجاب السيد أبو القاسم الخوئي بجوابٍ آخر، وهو:(أن الآيات الناهية عن العمل بالظن ليست مولوية لتدل على حرمة العمل بخبر الواحد وانما هي آيات إرشادية ترشد إلى ما استقل به العقل من عدم جواز العمل بالظن حيث إن المكلف معه لا يأمن من العقاب لإحتمال الخطأ وعدم مصادفة الواقع ومن الظاهر أن ذلك غير جارٍ في مورد العمل بالخبر الواحد، لأن المكلف في مورده مأمون من العقاب سواء صادف الواقع أم خالفه...ألخ).

وفيه - كما ذكرناه سابقاً- أن النهي في الآيات الشريفة نهيٌ مولويٌ لا إرشادي، لأن العمل بالظن من دون الإستناد إلى الحجّة تشريع عملي، كما أن اسناد مؤداه إلى الشارع من دون حجّة تشريع قولي، وقد عرفت سابقاً أن حكم العقل بقبح التشريع يستتبعه حكم شرعي لإن حكم العقل بقبح التشريع واقعٌ في سلسلة علل الأحكام وليس واقعاً في سلسلة المعلولات بل هو حكم إبتدائي من العقل لما فيه من مفسدة من تصرّف العبد فيما ليس له. فراجع ما ذكرناه عند الكلام عن حرمة العمل بالظن.

قال صاحب الكفاية:(ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية الدالة على إعتبار الأخبار...ألخ).هذا هو الجواب الثالث لصاحب الكفاية، وحاصله أنه لو سُلّم دلالة الآيات الشريفة فهي ليست إلاّ بنحو العموم فتشمل خبر الواحد وغيره، وعليه فتخصص بالأدلة الآتية الدالة على حجّية خبر الواحد.

قال الشيخ الأعظم:(والجواب أمّا عن الآيات فبأنها بعد تسليم دلالتها عمومات مخصصة بما سيجىء من الأدّلة)[4] انتهى. أقول إن أدلة حجّية خبر الواحد انما تكون مخصصة للآيات الشريفة إذا كان مفادها جعل الحكم الظاهري أو جعل المنجّزية والمعذّرية. فحينئذٍ يكون العمل بخبر الواحد عملاً بالظن ويكون مخصصاً للآيات لأن النسبة بين أدلة الحجّية والآيات الناهية عموم مطلق، فإنّ الآيات تعمّ كل ما يكون العمل معه عملاً بغير علم سواء كان المورد من موارد قيام الخبر أم غيره، وسواء كان من الأمور الراجعة إلى أصول الدين أم فروعه.

وهذا بخلاف أدلّة الحجّية، فإنها تدل على جواز العمل بخصوص خبر الثقة فتخصص الآيات بغير مورد الخبر. وأمّا إذا قلنا بأن مفاد أدلة الحجّية جعل الطريقية وتتميم الكاشفية بجعل الخبر علماً تعبداً كما هو المختار فتكون أدلة الحجّية حينئذ حاكمة على الآيات، وبعبارة أخرى ليست نسبة تلك الأدلة إلى الآيات نسبة التخصيص بل نسبة الحكومة فإن تلك الأدلة تقتضي إلغاء إحتمال الخلاف، وجعل الخبر محرزاً للواقع فيكون حاله حال العلم في عالم التشريع فلا يمكن أن تعمّه الأدلة الناهية عن العمل بالظن لنحتاج إلى التخصيص لإنه ليس عملاً بالظن بل هو عمل بالعلم، وعليه فسواء كانت الآيات الناهية عن العمل بالظن آبية عن التخصيص أم لا، يخرج المورد عن كونه عملاً بالظن .

ثم ان هذا كله فيما عدا السيرة العقلائية القائمة على العمل بخبر الواحد، وأما السيرة فقد يقال بصلاحية الآيات الناهية عن العمل بغير العلم للردع عنها، فإنها بعدم اقتضائها الحجّية في نفسها وإناطة حجّيتها بإمضاء الشارع وعدم ردعه عنها تصلح حينئذ الآيات الناهية من جهة عمومها للردع عنها، فتخرج عن الحجّية.

وفيه ان ذلك يتّم إذا كان بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة من باب العمل بالظن وأما إذا كان عملهم به من جهة انكشاف الواقع لديهم بقيام خبر الثقة وعدم إعتنائهم بإحتمال الخلاف لبنائهم على تتميم الكشف المقتضي لإلغاء إحتمال الخلاف فلا تصلح الآيات الناهية للردع عنها لخروج العمل بخبر الثقة عن موضوع الآيات الناهية وهو العمل بالظن. نعم لو قطعنا النظر عن ذلك وقلنا ان عمل العقلاء بخبر الثقة هو عمل بالظن وليس بالعلم فلا يرد الإشكال على رادعية الآيات بلزوم الدور.

بتقريب ان الردع عن السيرة بالآيات الناهية يتوقف على ان لا تكون السيرة مخصصة لعمومها وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على كون الآيات رادعة عنها. وجه عدم ورود الإشكال، هو أن حجّية السيرة بعد أن كانت معلقة على عدم الردع عنها يكون عدم الردع في المرتبة السابقة على حجّيتها لأنه بمنزلة شرطها، وحينئذٍ ففي المرتبة السابقة على حجّيتها تجري أصالة العموم في الآيات الناهية فتوجب خروج مثلها عن الحجّية فلا يلزم الدور.

ثم ان ما ذكرناه من صلاحية الآيات للردع عن السيرة انما هو في السيرة العقلائية غير الراجعة إلى أمور معادهم وإلاّ فيرجع إلى سيرة المتشرعة وفي مثله لا تصلح هذه النواهي للردع عنها لمضادتها حينئذٍ لأصل وجود السيرة وتحققها إذ من المستحيل تحقق السيرة منهم بما هم متدينون مع ثبوت الردع من الشارع.

وعليه فمن قيام السيرة واستمرارها يستكشف بمقتضى المضادة المزبورة عدم صلاحية الآيات الناهية للردع عمّا بنوا عليه من العمل بخبر الثقة، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً مزيد بيان لذلك عند تعرض صاحب الكفاية لإشكال لزوم الدور.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني ص295.
[2] سورة الجاثية، آية24.
[3] سورة الآنعام، آية116.
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص252.