الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/02/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية الإجماع المنقول

هذا كلّه في نقل السبب والمسبب. وأمّا إذا نقل السبب فقط فإن كان النقل عن حسّ كما هو الغالب فلا بدّ من الأخذ بما يحكيه من السبب ويكون مشمولاً لأدلّة حجّية خبر الواحد فإن كانت الحكاية لتمام السبب في نظر المنقول إليه فهو، وإلاّ أُحتيج إلى ضمّ ما يكون تمام السبب وهذا يتخلف بإختلاف الحاكي والمحكي له فإن كان الحاكي للإجماع من المتقدمين على العلاّمة والمحقق والشهيد (ره) فلا عبرة بحكايته لإن الغالب فيهم حكاية الإجماع على كل ما ينطبق على أصلٍ أو قاعدةٍ في نظرهم.

ولا عبرة بنظر الغير في تطبيق المورد على الأصل أو القاعدة وان كان نفس الأصل والقاعدة مورد الإجماع، وأمّا إذا كان الحاكي من قبيل الشهيد والمحقق والعلاّمة فالإنصاف اعتبار حكايتهم لأنهم يحكون نفس الفتاوى وبلسان الإجماع الكاشفة عن وجود دليل معتبر مع عدم وجود أصلٍ أو قاعدةٍ أو دليلٍ في البين وإلاّ كان الإجماع مدركياً أو محتمل المدركية.

ولكنك عرفت سابقاً ان حكايتهم وان كانت كاشفة عن دليلٍ معتبر عندهم. إلاّ أنه لا يلزم منه أن يكون معتبراً عندنا لإختلاف الأنظار في السند والدلالة إذ لعلّه لو وصل إلينا هذا الدليل لما فهمنا منه كما فهم المتقدمون، وفِهمُ فقيهٍ ليس حجة على الآخرين، ثم أنه لا بدّ في الضميمة التي يتم بها السبب عدم إحتمال كونها هو المقدار الذي استند إليه ناقل الإجماع وإلاّ فلا يفيد هذه الضميمة شيئاً أصلاً.

وأمّا إذا كان نقل السبب عن حدس كما إذا لاحظ إتفاق جمع من أساطين الفقهاء على حكمِ فحصل له الحدس بإتفاق الكل وأدعى الإجماع في المسألة كما هو الحال في كثير من الإجماعات المنقولة. وعلى كل حال فأدلة حجّية خبر الواحد تشمل فقط ما حكاه الناقل لفتاوى الأعلام عن حسّ ولا تشمل ما حدس به من فتاواهم وعليه فلا بدّ للمنقول إليه من ضمّ بقية أقوال العلماء ليتمّ به السبب ويحكم بثبوت اللازم وهو قول الإمام (ع).

وبالجملة فيختلف الحال في استكشاف رأي الإمام(ع) بإختلاف الحاكي من حيث قرب عهد الحاكي بزمان الإمام (ع) ومن حيث كثرة تتبعه وطول باعه ومن حيث دلالة اللفظ وصراحته في إتفاق الكّل وعدمه ومن جهة كون المسألة معنونة في كلمات الأصحاب أو غير معنونة، وهكذا يختلف الحال بإختلاف نظر المحكي له فلا بدّ له من لحاظ تلك الخصوصيات في الحكم بالحجّية وعدمها.

قال صاحب الكفاية :(وينبغي التنبيه على أمور. الأوّل أنه قد مرّ أن مبنى دعوى الإجماع غالباً هو إعتقاد الملازمة عقلاً لقاعدة اللطف وهي باطلة أو إتفاقاُ بحدسِ رأيه (ع) من فتوى جماعة وهي غالباً غير مسلمة ...ألخ)[1] .

قد عرفت سابقاً بطلان كل الوجوه المذكورة لإستكشاف قول المعصوم (ع) وكأن الغرض من بيان هذا الأمر هو تلخيص ما ذكره من الطرق لتحصيل الإجماع وبيان بطلانها.

كالملازمة العقلية المبنيّة على قاعدة اللطف والتي هي باطلة وذلك لعدم الدليل عليها لا من الشرع ولا من العقل وأمّا من الشرع فواضح بل بعض الآيات الشريفة تدل على عدم وجوبها انظر إلى قوله تعالى :﴿ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلل مبين [2] .

فإنه يستفاد منها ان إرسال الرسل والذي هو لطف من الله تعالى تفضّل ومِنّة منه سبحانه على عباده لا انه كان أمراً واجباً. ويتفرع عليه عدم وجوب اللطف على الإمام (ع) بإظهار الحق. وأمّا عقلاً فلعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الإمام كما ذكره السيد المرتضى سابقاً حيث قال : (إنه يجوز ان يكون الحق فيما عند الإمام (ع) والأقوال الأخر تكون كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لإنّا إذا كنّا نحن السبب في استتاره فكلّما يفوتنا من الإنتفاع به وبتصرفه من الأحكام نكون قد أوتينا من قبل نفوسنا ولو أزلنا سبب الإستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الذي عنده)[3] . انتهى

بل لو سلّمنا بوجوب اللطف على الإمام (ع) إلاّ أنه مع ذلك لا يكفي في وجوب إظهار الحق عليه، وذلك لإحتمال أن يكون إظهار الحق مقروناً بمانع أو بمصلحة أهم في الإخفاء.

هذا بالنسبة للملازمة العقلية وأمّا الملازمة العادية فقد عرفت أيضاً عدم ثبوتها وأن الإجماعات الموجودة ليست مبنيّة على الملازمة العادية نعم هي مبنيّة على الملازمة الإتفاقية، ولكنك عرفت عدم شمول أدلة حجّية خبر الواحد لمثلها وامّا الإجماعات المبنيّة على العلم بدخول الإمام (ع) بشخصه في الجماعة – وهو ما يسمّى بالإجماع الدخولي- فقد ذكرنا أيضاً أنها غير متحققة في زمان الغيبة، وعليه فلا يجدي نقل الإجماع من حيث المسبب، بل يجدي فقط من حيث كونه نقلاً للسبب ولا بدّ حينئذٍ من ملاحظة ظاهر النقل ولو من جهة القرائن المكتنفة به حالية أو مقالية، فإن كان ظاهراً فيما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم (ع) كان حجّة على رأي المعصوم(ع) ويكتفي به، وان لم يكن ظاهراً في ذلك وحصل له من غير جهة النقل ما يوجب العلم به، العلم برأي المعصوم (ع) كان حجّة وإلاّ فلا يفيد شيئاً.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص291.
[2] سورة آل عمران، آية١٦٤.
[3] العدة، الشیخ الطوسي، ج2، ص631.