الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الإجماع المنقول

الثالث : أن يكون سبب القطع هو الحدّس بقوله:(ع) من جهة الملازمة العادية بين إتفاق المرؤسين المنقادين على شيء وبين رضا الرئيس بذلك الشيء، وتوضيحه ان إتفاق وزراء السلطان على شيء كما أنه يستلزم موافقة السلطان لهم عادة في ذلك الشيء كذلك إتفاق العلماء على قول في مسألة يستلزم موافقة الإمام(ع) لهم عادة في تلك المسألة حيث أنه(ع) رئيسهم .

الرابع: أن يكون سبب القطع هو الحدس بقوله (ع) أيضاً من جهة الملازمة العادية بين أقوال المجمعين وقوله (ع): لإجل تراكم الظنون بتقريب ان قول فقيه في مسألة يوجب حصول مرتبة الظن بموافقته لقوله (ع) ثم يضّم قول فقيه آخر إليه يوجب تأكده وهكذا حتى يبلغ إلى مرتبة ينعدم احتمال الخلاف بالمّرة ويحصل القطع بموافقة أقوالهم لقوله (ع)كما هو الحال في الخبر المتواتر فإن خبر شخص واحد في واقعة يوجب حصول مرتبة من الظن بوقوع تلك الواقعة في الخارج ثم يضم خبر شخص آخر إليه يوجب تأكد الظن وهكذا حتى يبلغ إلى مرتبة ينعدم احتمال الخلاف بالمّرة ويحصل القطع بوقوع المخبر به خارجاً.

الخامس: ان يكون سبب القطع هو الحدّس بقوله أيضأً ومن باب الملازمة العادية أيضاً وهو ما نسبه المحقق القمي(ره) إلى جماعة من محققي المتأخرين ونسبه في الفصول إلى معظم المحققين، قال (ره) في الفصول الثالث وهو الطريق المعزى إلى معظم المحققين أن يستكشف عن قول المعصوم بإتفاق علمائنا الأعلام الذين ديدنهم الإنقطاع إلى الإئمة (ع) في الأحكام وطريقهم التحرز عن القول بالرأي ومستحسنات الأوهام فإن إتفاقهم على قول وتسالمهم عليه مع ما يرى من إختلاف انظارهم وتباين أفكارهم ممّا يؤدي بمقتضى العقل والعادة عند أولي الحدس الصائب والنظر الثاقب إلى العلم بأن ذلك قول أئمتهم ومذهب رؤسائهم وانهم انما اخذوه منهم واستفادوه من لدنهم اما بتخصيص او بتقرير انتهى .

والظاهر انه يعتبر في هذا الطريق اتفاق جميع العلماء في جميع الأعصار والأمصار من الأول إلى الآخر فإن إتفاقهم كذلك مما يوجب الحدّس واليقين برأيه (ع) وان قولهم نشأ من قوله(ع) ورأيهم من رأيه لا مجرد إتفاقهم في عصر واحد.

السادس: ان يكون سبب القطع هو الحدّس بقوله(ع) بإعتبار ان اتفاق العلماء كاشف عن وجود دليل معتبر عند المجمعين، فإنه لا يمكن الإتفاق في الفتوى إقتراحاً وبلا مدرك، وهذا يوجب القطع بقوله(ع) .

السابع :ان يكون سبب القطع هو الحدس بقوله (ع) من جهة الإجتهادات والأنظار بأن يكون وجود أصل أو قاعدة أو رواية في المسألة موجباً لحصول القطع بإتفاق العلماء فيها بحسب إجتهاده ونظره فيحصل من ذلك القطع بقوله (ع) .

الثامن: أن يكون مستندأ القطع هو تشّرف مدعي الإجماع بحضوره (ع) ويسّمى بالإجماع التشّرفي، وقد يتفق ذلك لبعض أوحدي زمانه فيأخذ الفتوى من جنابه (ع) وانما ينقل عنه مباشرة بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء كالتقيّة في بعض الأزمان او لما ورد من تكذيب من يدعي رؤيته (ع) في زمن الغيبة مثل ما رواه الشيخ الصدوق(ره) في إكمال الدين: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنّك ميت ما بينك وبين ستّة أيام فاجمّع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذِكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وإمتلاء الأرض جوراً وسيأتي في شيعتي من يدعي المشاهدة ألاّ فمن إدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفترٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. قال أبو محمد الحسن بن أحمد المكتٍّب ان الشيخ أبا الحسن علي بن محمد السمري أخرج إلى الناس هذا التوقيع فنسخناه وخرجنا من عنده وكانت وفاته سنة 329 للهجرة)[1] .

إعلم ان هذه الرواية لم ينقلها إلاّ الحسن بن أحمد ابن المكتّب فهي منحصرة فيه وبما أنه مهمل لا يوجد له ذكر في كتب الرجال فتكون الرواية ضعيفة.

قال العلامة المجلسي(ره) في البحار ولعلّه محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وايصال الأخبار من جانبه (ع) إلى الشيعة على مثال السفراء لئلاّ ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه (ع) والله يعلم انتهى. وهناك بعض الطرق أيضاً لتحصيل الإجماع فمن أراد الوقوف عليها فليراجع رسائل الشيخ الأعظم(ره).

ثم ان بيان حكم هذه الأمور الثمانية وأن أيّا منها مشمول الأدّلة حجّية خبر الواحد فسيأتي ان شاء الله تعالى قريباً في الأمر الثالث ترتيب صاحب الكفاية(ره).

قال صاحب الكفاية : (الأمر الثاني انه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع فتارة ينقل رأيه في ضمن نقله حدساً كما هو الغالب او حساً وهو نادر جداً ...ألخ)[2] .

اعلم ان الحاكي للإجماع تارة ينقل السبب والمسبب - والمراد بالسبب فتاوى الإعلام واقوالهم والمسبب قول الأمام (ع) ورأيه – فيقول أجمع المسلمون عامّة او المؤمنون كافة ونحو ذلك. وظاهر هذا الكلام دخول الامام (ع) في ضمنهم فيكون قد نقل السبب والمسبب واخرى ينقل السبب فقط كأن يقول أجمع أصحابنا أو فقهاؤنا مما هو ظاهر في غير الإمام (ع) فيكون قد نقل السبب فقط وهو فتاوى الإعلام، ثم ان نقل السبب والمسبب قد يكون كلاهما حسييّن كالإجماع الدخولي والتشّرفي، وقد يكون السبب حسيّاً فقط والمسبب – وهو رأي الإمام (ع)حدسياً.

كما في غير الإجماع الدخولي والتشّرفي، والمراد بالحدّس كل ما لم يستند الى احدى الحواس الظاهرة ثم اعلم أيضاً ان نقل السبب قد يكون أيضاَ بتمامه حدّسياً ، كما اذا اعتقد أن الأعلام يقولون كذا بلا اطلاع على أقوالهم وفتاواهم ثم ينقلها، واخرى قد يكون بعض السبب حدّسياً كما اذا كان الاطلاع على أقوال بعض الأعلام موجباً للحدّس بأقوال الآخرين وسيأتي ان شاء الله تعالى حكم هذه الأمور.


[1] كمال الدّين وتمام النّعمة، الشيخ الصدوق، ص516.
[2] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص289.