الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/02/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حجّية الإجماع المنقول

وعليه فبما أنه لا دليل على حجّية الإجماع المنقول الاّ توهم إندراجه في حجّية خبر الواحد، فنقول أنه يعتبر في الخبر أن يكون المخبر به محسوساً إمّا بنفسه أو بسببه المستلزم له عقلاً أو عادة دون ما يستلزمه إتفاقاً أو إجتهاداً، وبيان ذلك : إن الإخبار بالشيء تارة يكون مستنداً إلى الحسّ بأن يكون المخبر بنفسه محسوساً بإحدى الحواس الظاهرية كما إذا شاهد حادثة ما بنفسه أو سمع شيئاً ما فأخبر به، ولا إشكال في حجّية هذا الخبر لأن السيرة العقلائية قد استقرت على الخبر الحسّي. ويلحق به ما إذا احتمل استناداً المخبر في إخباره إلى حدسه واجتهاده مع كون المخبر به أمراً محسوساً في نفسه فإن السيرة العقلائية قد استقرت على العمل بالخبر في مثله وحمله على استناد المخبر إلى حسّه وعدم الإعتناء بإحتمال إستناده إلى حدسه.

وأخرى يكون مستنداً إلى الحدس الناشىء من ثبوت الملازمة العقلية الضروريّة بين ما أحسّه وما أخبر به من الأمر الحدسي بحيث يُعد الخطأ فيه خطأ في الحسّ كما إذا أخبر بطلوع الشمس من مشاهدة نورها المشرق على الجبل وهذا أيضاً مشمول لدليل حجّية من السيرة العقلائية الممضاة من الشارع المقدس إذ احتمال خطأه في الحدس مدفوع بثبوت الملازمة العقلية بينه وبين ما أحسّه.

وثالثة يكون مستنداً إلى الحدس الناشىء من ثبوت الملازمة العادية بينهما بحيث لو اطلع المخبر إليه على ما أحسه لحصل له القطع بالمخبر به كما إذا أخبر بشجاعة شخص من مشاهدة أثارها المستلزم لها عادة وهذا أيضاً مشمول لدليل الحجّية من السيرة العقلائية لإن إحتمال خطأه في الحدس مدفوع بثبوت الملازمة العادية بينه وبين ما أحسّه حتى بنظر المخبر إليه على تقدير إطلاعه على ما أحسّه، ورابعة يكون مستنداً إلى الحدس الناشىء من ملازمة إتفاقية بحيث لو إطلع المخبر إليه على ما أحسّه المخبر لما حصل له القطع بالمخبر به كما إذا أخبر بكرم شخص لحسنه وجماله وهذا غير مشمول لدليل الحجّية لعدم ثبوت السيرة العقلائية على عدم الإعتناء بإحتمال الخطأ في الحدس فيما إذا لم يكن بينه وبين ما أحسه ملازمة عقلية أو عادية، وهذه المقدمة التي ذكرناها لها الأثر الكبير في معرفة القول بحجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها.

ثم قال صاحب الكفاية: ( وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور الأول : أن وجه اعتبار الاجماع هو القطع برأي الإمام (ع) ومستند القطع به لحاكيه – على ما يظهر من كلماتهم – هو علمه بدخوله (ع) في المجمعين شخصياً ولم يعرف عيناً أو قطعه بإستلزام ما يحكيه لرأيه (ع) عقلاً من باب اللطف أو عادة أو إتفاقاً من جهة حدس رأيه(ع) ...)[1] .

قد عرفت فيما سبق ان الإجماع بنفسه ليس بحجّة في مقابل الكتاب والسنة والعقل وانما يكون حجّة لكشفه عن رأي الإمام (ع) على نحو القطع وعليه فيقع الكلام في منشأ هذا القطع.

وبعبارة أخرى يقع الكلام في مدرك حجّية الإجماع المحصل الذي هو أحد الأدلة الأربعة وهو أحد أمور ثمانية الأول :هو دخول المعصوم في المجمعين ويسمّى بالإجماع الدخولي وحكي ذلك عن السيد المرتضى ومن تبعه بإحسان قال الشيخ الأنصاري (ره) وعلى أي تقدير فظاهر اطلاقهم إرادة دخول قول الإمام (ع) في أقوال المجمعين بحيث يكون دلالته عليه بالتضمن فيكون الإخبار عن الإجماع إخباراً عن قول الإمام(ع) ...ألخ .

وعليه فنعتبر في هذا الإجماع ان يكون في المجمعين مجهول النسب ليمكن انطباق الإمام عليه وان يكون مجهول النسب فوق الواحد كي لا يتميز الإمام (ع) من بين المجمعين بعينه فيعدم الفائدة الإجماع وأيضاً لا يضّر بهذا الإجماع خروج معلوم النسب إذا كان واحداً أو اثنين أو ما يقرب من ذلك. اذا فرض العلم بدخول الإمام في البقيّة . الثاني ان يكون سبب القطع بقول الإمام هو قاعدة اللطف وهي طريقة الشيخ الطوسي(ره) وأتباعه وحاصلها ان اللطف واجب على الله كما ذهب إلى ذلك اكثر الشيعة والمعتزلة وهو ما يقرّب العبد الى الطاعة ويبعدّه عن المعصية وعليه فإذا وجب اللطف على الله سبحانه وتعالى فلازمه ان يردع الإمام الأمة عند اتفاقهم على الخطأ بالقاء الخلاف بينهم إمّا بنفسه او يبعث اليهم من يثق به فيظهر لهم الحق.

قال الشيخ الطوسي(ره) في العدّة : (ومتى فرضنا ان يكون الحق في واحد من الأقوال ولم يكن هناك ما يميز ذلك القول من غيره فلا يجوز للإمام المعصوم حينئذٍ الإستتار ووجب عليه ان يظهر ويبيّن الحق في تلك المسألة او يعلم بعض ثقاته الذي يسكن إليه، الحق من تلك الأقوال حتى يؤدي ذلك إلى الأمّة ويقترن بقوله علم معجز يدل على صدقه لإنه متى لم يكن كذلك لم يحسن التكليف ..الى ان قال فان كان القول الذي انفرد به الإمام عليه دليل من كتاب او سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور ولا الدلالة على ذلك لإن الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف ومتى لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور او اظهار من يبيّن الحق في تلك المسألة إلى ان قال: لإنه لو كان قول المعصوم مخالفا اي للقول الآخر لوجب ان يظهره والاّ لكان يقبح التكليف الذي ذلك القول لطف فيه) انتهى كلام الشيخ في العدّة.

ولا يخفى انه يعتبر في هذا الإجماع إتفاق علماء عصر واحد فإنهم ما لم يتفقوا كذلك لم يحصل العلم بموافقته معهم عقلاً من باب قاعدة اللطف وعليه فيقدح في هذا الإجماع خروج احد العلماء سواء عُلم نسبه او جهل بخلاف الإجماع الدخولي فلا يضّره معلوم النسب.

 


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص288.