الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:حجيّة قول اللغوي

قد عرفت سابقاً أنّه لا دليل على حجيّة الظن بالظواهر إلاّ أنّه استثني من ذلك الظن الحاصل من قول اللغوي، حيث ذهب المشهور إلى كونه من الظنون الخاصة التي ثبتت حجيَّتها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية.

وقد أشار صاحب الكفاية إلى جملة من الأدّلة منها ما ذكره الشيخ الأعظم حيث قال (ره): وكيف كان فاستدلوا على اعتبار قول اللغويين بإتفاق العلماء بل جميع العقلاء على الرجوع إليهم في استعلام اللغات والإستشهاد بأقوالهم في مقام الإحتجاج ولم ينكر ذلك أحد على أحد انتهى.

ومنها:ما ذكره الشيخ الأعظم أيضاً حيث قال(ره): وقد حكي عن السيد(ره) في بعض كلماته دعوى الإجماع على ذلك بل ظاهر كلامه المحكي إتفاق المسلمين انتهى. والفرق بينه وبين الدليل الأول (أي إتفاق العلماء) هو أنّ إتفاق العلماء يراد به الإجماع العملي المعبّر عنه بالسيرة بخلاف الدليل الثاني أي الإجماع، فإنه إجماع قولي بمعنى صدور الفتوى من جميع العلماء.

وقد أجاب صاحب الكفاية عن هذين الدليلين، أمّا الدليل الأول فبقوله (ره): (وفيه أن الإتفاق - لو سلم اتفاقه – فغير مفيد، مع أن المتيقّن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة)[1] . حاصل جوابه:

أولاً، لم يثبت إتفاق عملي على الرجوع إلى قول اللغوي.

ثانياً، لو سلّم هذا الإتفاق إلا أنّه غير مفيد لإن حجيّة مثله تتوقف على الإمضاء من قبل الشارع المقدس وهوغير معلوم، إذ لم تثبت السيرة في زمن المعصوم(ع)حتى يستكشف منها الإمضاء.

وثالثاً، ما أشار إليه الشيخ الأعظم حيث قال(ره): وفيه ان المتيقن من هذا الإتفاق هو الرجوع إليهم مع إجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ونحو ذلك لا مطلقاً ألا ترى أن أكثر علمائنا على إعتبار العدالة فيمن يرجع إليه من أهل الرجال بل وبعضهم على إعتبار التعدّد والظاهر اتفاقهم على اشتراط التعدّد والعدالة في أهل الخبرة في مسألة التقويم وغيرها انتهى.

وقد أجاب صاحب الكفاية عن الدليل الثاني بقوله (ره): (والإجماع المحصل غير حاصل، والمنقول منه غير مقبول).

أقول أمّا أنّ المحصّل غير حاصل فلإحتمال عدم الإتفاق كما في الجواب الأول عن الدليل الأول أو لإحتمال عدم كشفه عن قول المعصوم(ع) لإحتمال إستناد المجمعين إلى بناء العقلاء ومع هذا الإحتمال فيكون الإجماع مدركياً أو محتمل المدركية ويشترط في الإجماع المحصل أن يكون الإتفاق بنفسه كاشفاً عن رأي المعصوم (ع) وهو المعبّر عنه بالإجماع التعبّدي وأمّا الإجماع المنقول بخبر الواحد فهو غير حجّة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وسنبيّن ان أدلة حجّية خبر الواحد لا تشمل الإجماع المنقول بخبر الواحد، ثم إنّ احتمال المدركيّة كما يضرّ في الإجماع المحصل أيضاً يضرّ في الإجماع المنقول كما لا يخفى إلا أن تخصيص صاحب الكفاية ضرر احتمال المدركيّة في الإجماع المنقول حيث قال (ره): ( خصوصاً في مثل المسألة مما احتمل قريباً...ألخ) في غير محله لأن احتمال المدركيّة كما يضّر بالإجماع المنقول يضّر أيضاً في الإجماع المحصّل.

ومنها ما ذكره صاحب الكفاية حيث قال(ره): (خصوصاً في مثل المسألة ممّا احتمل قريباً أن يكون وجه ذهاب الجلّ لولا الكل، هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها. والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والإطمئنان، ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع ...ألخ).

هذا هو الدليل الثالث وهو أوسع من الدليلين السابقين، وحاصله: إن قول اللغوي معتبر لأنه من أهل الخبرة فيما يختص به. ومن المعلوم ان الرجوع إلى أهل الخبرة والاعتماد على قولهم ممّا قد استقرت عليه طريقة العقلاء واستمرت عليه السيرة ولم يردع عنها الشارع ولا يعتبر في الرجوع إليهم شرائط الشهادة من التعدد والعدالة بل ولا الاسلام فان اعتبار قولهم ليس من باب الشهادة حتى يحتاج إلى ذلك لأن الشهادة هي الإخبار عن حسّ وقول أهل الخبرة يتضمّن إعمال الرأي والحدس ولكن القدر المتيقن من بناء العقلاء هو ما إذا حصل من قولهم الوثوق لا مطلقاً إذ ليس بناء العقلاء على التعبّد بقول أهل الخبرة مع الشك وعدم الوثوق بل التعبّد انما هو من وظائف المتشرعة وليس بناء العقلاء في شيء من المقامات على التعبّد فلا بدّ من حصول الوثوق من قول أهل الخبرة.

نعم المراد من الوثوق هو الوثوق النوعي لا الشخصي إذ هو الذي استقّر عليه بناء العقلاء وأما قول صاحب الكفاية(ره): (ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع ...ألخ) ففي غير محله إذ حصول الوثوق الشخصي فضلاً عن النوعي كثير في حدّ نفسه كما أنّه لا يحصل ذلك كثيراً فلا يصح الإنكار مطلقاُ كما لا يصح الإثبات كذلك.

نعم الذي يرد على هذا الدليل ما ذكره جماعة من الأعلام منهم صاحب الكفاية من أن اللغوي ليس من أهل الخبرة لأن الخبرة تحتاج إلى إعمال النظر والرأي أي هي من الأمور الحدسيّة وأهل اللغة شأنهم بيان موارد الإستعمالات وهي من الأمور الحسيّة لأن اللغوي ينقلها على ما وجده في الإستعمالات وليس له إعمال النظر فيها وعليه فيكون إخبار اللغوي عن معاني الألفاظ داخلاً في الشهادة المعتبر فيها العدالة نعم في استخراج المعنى الموضوع له من بين المعاني المستعمل فيها اللفظ قد يحتاج إلى إعمال نحو من الرأي والإجتهاد وبهذا الاعتبار يحكي اندراج قول اللغوي في أهل الخبرة.

إلا أن الرجوع إلى كتب اللغة غالباً لا يفيد شيئاً من حيث تمييز المعنى الحقيقي عن المعنى المجازي لان الموجود فيها بيان موارد الاستعمالات والاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز، نعم بعض الكتب قد يكون فيها تمييز المعنى الحقيقي عن المجازي كأساس البلاغة للزمخشري ويظهر من بعضهم أيضاً كونه بصدد بيان المعنى الموضوع له امّا بالتنصيص على عدم تعرّضه لغير المعنى الحقيقي أو التنصيص على أن المذكور أولاً من المعاني هو المعنى الحقيقي كما نسب ذلك إلى القاموس.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص286.