الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظهور

الأمر الثاني: هل يجوز الإستدلال بكل قراءة مطلقاً أو من السبع وان لم يثبت تواترها. ذهب جماعة من الأعلام إلى جواز الإستدلال بها ومن هنا استدلوا على حرمة وطىء الحائض بعد نقائها من الحيض وقبل أن تغتسل بقراءة الكوفيين – غير حفص- قوله تعالى ﴿ولا تقربوهن حتى يطهّرن[1] بالتشديد ولكن الإنصاف عدم جواز الإستدلال بهذه القراءات لعدّة أمور:

أولاً- ان القراءات لم يتضح كونها رواية منقولة عن النبي(ص) حتى تشملها أدلة حجيّة خبر الواحد فلعلها إجتهادات من القّراء أنفسهم بل قد صرّح بعض الأعلام بذل

وثانياً ان رواة كل قراءة من هذه القراءات لم تثبت وثاقتهم أجمع فلا تشمل أدلة حجيّة خبر الثقة روايتهم.

وثالثاً : لو سلمنا ان هذه القراءات كلها تستند إلى الرواية وان جميع رواتها ثقات إلا أنا نعلم علماً إجمالياً ان بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبي(ص) قطعياً ومن الواضح أن مثل هذا العلم الإجمالي يوجب التعارض بين تلك الروايات فتسقط جميعها عن الحجيّة فإن تخصص بعضها بالاعتبار دون بعض ترجيح بلا مرجح، وهكذا الحال إذا قلنا بتواتر القراءات فإن تواتر القرائتين المختلفتين عن النبي(ص) يورث القطع بأن كلاً من القرائتين قرآن منزل من الله فلا يكون بينهما تعارض بحسب السند بل يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة. وفي هذه الحالة يكون مقتضى القاعدة هو التساقط ولا وجه لملاحظة الترجيح والتخيير بينهما أصلاً لإختصاصها بالروايات المتعارضة ولا تشمل سائر الأمارات المتعارضة. وبعد التساقط يرجع إلى العموم أو الأصل العملي على حسب إختلاف المقامات ففي المرأة الحائض التي انقطع عنها الدم وشك في جواز وطئها قبل الإغتسال بعد تساقط قرائتي يطهرن بالتشديد والتخفيف، هل يبنى على عدمه لإستصحاب الحرمة أو على جوازه لقوله تعالى :﴿فأتوا حرثكم أنّى شئتم[2] لدلالته على جواز الوطىء في كل زمان خرج عنه زمان وجود الدم قطعاً ويبقى غيره مشكوك الخروج فيشك في التخصيص الزائد فيرجع إلى العام أو لا يتمسك بشيء منهما بل يرجع إلى أصل البراءة المقتضي للجواز.

إن قلت ان جواز القراءة بالقراءات السبع وغيرها في الصلاة يلازم جواز الإستدلال بها. قلت لا ملازمة بينهما وأما الدليل على جواز القراءة بها في الصلاة فهو الإجماع بين الأعلام بل هناك تسالم بين الفريقين على جواز القراءة بها في الجملة. عند علماء الإمامية هو جواز القراءة بأية قراءة من القراءات المعروفة في زمانهم(ع) حيث أقرّوا شيعتهم على ذلك وكانت هذه القراءات معروفة في زمانهم(ع)ولم يرد عنهم انهم (ع)ردعوا عن بعضها بل ورد عنهم أيضاً هذه القراءات بقولهم (ع) : (إقرأ كما يقرأ الناس) كما في رواية سالم بن سلمة عن الصادق (ع) أصول الكافي ،كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح 13

قال: (قرأ رجل على أبي عبد الله(ع) إلى أن قال (ع): كفّ عن هذه القراءة إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم)[3] . ولكنها ضعيفة بسالم بن سلمة واما وجه عدم الملازمة بين جواز القراءة وجواز الاستدلال بها فواضح لإن جواز الإستدلال بها على حكم شرعي متوقف على كون القارىء راوياً للقرآن عن النبي(ص) وليس الأمر كذلك بل هي قراءة من حيث كونها قراءة. والله العالم.

قال صاحب الكفاية(ره): ( قد عرفت حجيّة ظهور الكلام في تعيين المرام:فإن أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزماً - بحسب متفاهم أهل العرف – هو ذا فلا كلام، وإلا فإن كان لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الأصل عدمها لكن الظاهر أنه معه يُبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهراً فيه إبتداءً...ألخ)[4] .

كان الكلام فيما سبق في حجيّة الظواهر وقد عرفت أن بناء العقلاء قائم على العمل بها ولم يردع الشارع المقدس عن ذلك. بل أمضى ذلك البناء ومشى على طريقتهم في بيان مراده. وأما الكلام في هذا الفصل فإنما هو فيما لو شك في مراد المتكلم. وسبب الشك فيه تارة يكون ناشئاً من الجهل بالمعنى الموضوع له اللفظ، وأخرى من احتمال وجود القرينة على الخلاف، وثالثة من احتمال قرينيّة الموجود.

فإن كان سببه الجهل بالمعنى فسيأتي الكلام عنه قريباً، وإن كان سببه احتمال وجود القرينة فلا إشكال في البناء العقلائي على عدم الإعتناء بإحتمال وجودها فيحمل حينئذ على المعنى الظاهر منه، ولكن وقع الكلام بين صاحب الكفاية (ره) والشيخ الأنصاري(ره) فذهب صاحب الكفاية ...إلى أن أصالة عدم القرينة ليس أصلاً عقلائياً غير أصالة الظهور بحيث تكون أصالة الظهور مترتبة على أصالة عدم القرينة إذ بها يثبت الظهور وبعد إثباته بأصالة عدم القرينة يترتب على ذلك أصالة الظهور أي أن هذا الظاهر مراد جدّي له بل ليس للعقلاء إلا اصل واحد وهو حمل اللفظ على معناه أي أنه مراد جدّي له سواء أحرز كونه ظاهراً أم شك في ذلك للشك في وجود القرينة الصارفة عنه. هذا ما يفهم من كلام صاحب الكفاية(ره).


[1] البقرة/السورة2، الآية222.
[2] البقرة/السورة2، الآية223.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص633، ط الاسلامية.
[4] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص286.