الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/01/12

بسم الله الرحمن الرحيم

قال صاحب الكفاية:(لا شبهة في لزوم إتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة، لإستقرار طريقة العقلاء على إتباع الظهورات في تعيين المرادات مع القطع بعدم الردع عنها، لوضوح عدم إختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه، كما هو واضح)[1] .

الفصل الأول في حجّية الظواهر. ولا يخفى أنّ البحث عن ذلك من أهم المباحث التي ينبغي تنقيحها، واعلم أنّ البحث في باب الظهورات، تارة يكون صغراوياً كالبحث عن الأوضاع اللغويّة والقرائن العامة من وقوع الأمر عقيب الحظر والإستثناء عقيب الجمل المتعددة، ونحو ذلك مما يوجب انعقاد الظهور لمفردات الكلام أو للجملة التركيبيّة، وعليه فالبحث عن جميع ذلك، يكون بحثاً عن المبادىء، وتارة أخرى يكون البحث كبروياً كالبحث عن حجّية الظواهر بعد فرض انعقاد الظهور للكلام. فإنّ البحث عن حجّية الظهور يكون من المباحث الأصوليّة، خلافاً للسيد أبو القاسم الخوئي(ره)، حيث ذكر أنها ليست من مسائل علم الأصول، لإنّ حجّية الظواهر من الأمور المسلّمة، ولم يقع فيها خلاف فلا حاجة حينئذٍ للبحث عنها.

ولكن ذكرنا سابقاً أنّ التسالم على حجيتها لا يخرجها عن كونها مسألة أصوليّة، إذ ليس الملاك في أصوليتها وقوع الخلاف فيها، فراجع ما قلناه في أوائل مباحث علم الأصول. وبالجملة فالبحث عن حجّية الظواهر من مسائل علم الأصول وليس من المبادىء كما توهم، بتخيل أنّ البحث عن دليليّة الدليل لا يرجع إلى البحث عن العوارض بل من المباحث الراجعة إلى أصلٍ تحقّق الموضوع.

ولكنك عرفت سابقاً أيضاً أنّ الموضوع في علم الأصول ليس خصوص الأدلة الأربعة القرآن، والسنّة، والإجماع، والعقل، بما هو حجة كما عن صاحب القوانين وجماعة أخرى، ولا الأدلة الأربعة بما هي هي كما عن صاحب الفصول وبعض الأعلام ممّن وافقوه، بل قد عرفت سابقاً أنّ الذي يُبحث في علم الأصول هو كل مسألة داخلة في طريق الإستنباط أو التي ينتهي إليها في مقام العمل، وكانت عنصراً مشتركاً سيّالاً في أغلب الأبواب الفقهيّة وان احتاجت إلى كبرى أصوليّة أخرى. إذا عرفت ذلك، فنقول إنّ حجّية الظواهر ممّا تسالم عليه العقلاء، واستقر بناؤهم على العمل بها في جميع أمورهم بل عليه يدور رحى معاشهم ونظامهم، فإنّه لولا إعتبار الظهور والبناء على أنّ الظاهر هو المراد لأختل النظام، والشارع قررّهم عليه ولم يردع عنها بل اتخذها طريقة له أيضاً، لإّنه أحدهم وليس للشارع طريق خاص في بيان مراده بل يتكلم على طبق تكلم العقلاء.

وأما قول صاحب الكفاية :(لا شبهة في لزوم ...في الجملة)، فهو في مقابل التفصيل الآتي، أي أنّه لا شبهة في حجّية الظواهر على الإيجاب الجزئي في مقابل تفصيل المحقق القمي(ره) وتفصيل بعض الإخباريين. وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

قال صاحب الكفاية :(والظاهر أن سيرتهم على إتباعها من غير تقييد بإفادتها للظن فعلاً ولا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعاً ضرورة أنّه لا مجال عندهم للإعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف)[2] .

أشار صاحب الكفاية إلى التفصيل في المسألة – غير التفصيلين الأتيين، وهذا التفصيل أشار إليه الشيخ الأعظم (ره) في الرسائل، حيث قال: ثم إنك قد عرفت أنّ مناط الحجّية والاعتبار في دلالة الالفاظ، هو الظهور العرفي، وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفاً على ذلك المعنى ولو بواسطة القرائن المقاميّة المكتنفة بالكلام من دون فرق بين إفادة الظن بالمراد وعدمها ولا بين وجود الظن الغير المعتبر على خلافه وعدمه، لإّن ما ذكرنا من الحجّية على العمل بها جارٍ في جميع الصور المذكورة ...[3] إلى أن قال: نعم ربما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين من المعاصرين عدم الدليل على حجّية الظواهر إذا لم تفد الظن أو إذا حصل الظن غير المعتبر على خلافها لكن الإنصاف أنه مخالف لطريقة أرباب اللسان والعلماء في كل زمان انتهى.

وما ذكره الشيخ الأعظم(ره) في غاية الصحة والمتانة، كما أنّ دليل صاحب الكفاية (ره) لا غبار عليه، إذ العقلاء لا يعذّرون العبد المخالف لظاهر كلام المولى إذا اعتذر عن المخالفة بعدم الظن بالوفاق أو بحصول الظن بالخلاف.

والخلاصة، أنه لو اعتبر الظن بالوفاق في حجّية الظهورات لإنسد باب التعارض في الأخبار بالمّرة، وللزم إلغاء مبحث التعادل والتراجيح من علم الأصول رأساً لإستحالة الظن الفعلي بالمتنافيين كي ينتهي الأمر إلى الترجيح أو التخيير، إذ لا يخلو إما أن لا يفيد واحدٌ الظن بالمراد وإما أن يفيده أحدهما دون الأخر وعلى الحالتين لا ينتهي الأمر فيهما إلى التعارض لإنتفاء ملاك الحجّية فيهما في الأول وكونه من باب تعارض الحجّة باللاحجّة في الثاني، وعليه فيتعين القول بحجّية الظواهر مطلقاً لقيام السيرة على الأخذ بالظواهر والعمل بها مطلقاً حتى في صورة قيام الظن الفعلي على الخلاف على نحو غيره من الأمارات التي حجّيتها بإعتبار الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن بالخلاف.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص281.
[2] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص281.
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص169.