الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

جواب الميرزا:
        ومن جملة الأجوبة على إشكال المحذور الخطابي للتعبد بالأمارة بلزوم اجتماع الضدين، هو جواب الميرزا النائيني، وقد فصّل في الجواب بين الأمارات والأصول العملية.
        أما بالنسبة إلى الأمارات، فيقول ما حاصله: إن المجعول فيها ليس حكما تكليفيا حتى يتوهم التضاد بينه وبين الحكم الواقعي، بناء على ما هو الحق عندنا من أن الحجية والطريقية من الأحكام الوضعية المتأصلة بالجعل، ومما تنالها يد وضع والرفع ابتداءا ما عدا الجزئية والشرطية والمانعية والسببية، خلافا للشيخ الأنصاري؛ حيث ذهب إلى أن الأحكام الوضعية كلها منتزعة عن الأحكام التكليفية التي يكون في موردها، وهو في غير محله؛ فإن الزوجية من الأحكام الوضعية، ويستتبعها جملة من الأحكام التكليفية؛ كوجوب الإنفاق على الزوجة، وحرمة تزويج الغير بها، وحرمة ترك وطئها أكثر من أربعة أشهر، ونحو ذلك.
        وعليه، فأي حكم تكليفي يمكن انتزاع الزوجية منه، وأي جامع بين هذه الأحكام التكليفية ليكون منشأ لانتزاع الزوجية، وهكذا غير الزوجية من الأحكام الوضعية، ومنها الطريقية والوسطية في الإثبات، فلا محيص عن القول بتأصل مثل هذه الأحكام الوضعية. وعليه، فالطريقية بنفسها مما تنالها يد الجعل ولو إمضاء. وقد عرفت أنه ليس فيما بأيدينا من الطرق والأمارات ما لا يعتمد عليه العقلاء في محاوراتهم وإثبات مقاصدهم، بل هي عندهم كالعلم، لا يعتنون باحتمال مخالفة الطريق للواقع.
وليس عمل العقلاء بالأمارة من باب الاحتياط؛ لأنه ربما يكون طرف الاحتمال تلف النفوس والأموال وهتك الأعراض، فلو كان اعتمادهم على الطرق والأمارات لمحض إدراك الواقع، لكان الاحتياط بعدم الاعتماد عليها في مثل هذه الموارد. كما أنه ليس عمل العقلاء من باب أنها تفيد القطع، فإن هذا مرفوض وجدانا؛ لأن أقصى ما تفيده الأمارة بما هي هو الظن، بل عملها بها ليس إلا لمكان تنـزيل احتمال المخالفة منـزلة العدم، فالشارع تمم كشفها ولو إمضاء بإلغاء احتمال الخلاف في عالم التشريع، فكان الشارع أوجد في عالم التشريع فردا من العلم، وجعل الطريق منجزا للواقع كالعلم، ولذا قامت الطرق والأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية، وإذا كان الأمر كذلك، فقد ظهر لك أنه ليس في باب الطرق والأمارات حكم حتى ينافي الحكم الواقعي لنقع في إشكال التضاد، بل ليس حال الأمارة المخالفة إلا كحال العلم المخالف، فلا يكون في البين إلا الحكم الواقعي فقط مطلقا، أصاب الطريق أو أخطأ. هذا بناء على المختار من أن الحجية مجعولة للأمارة بالجعل الاستقلالي، وليست منتزعة من حكم تكليفي، فينتفي إشكال اجتماع الضدين.
أما على مبنى الشيخ الأنصاري ومن تبعه من أن كل حكم وضعي منتزع من حكم تكليفي، فالإشكال وارد. وقد حاول دفعه بما حاصله: إن المجعول في باب الطرق والأمارات إنما هو الحكم بأن المؤدى هو الواقع النفس الأمري وأنه هو، فليس المجعول فيها أمرا مغايرا للواقع، بل المجعول فيها هو الحكم بأن المؤدى هو الواقع، فإن أصابت الأمارة الواقع فهو، وإن أخطأت يتبين أنه ليس المؤدى هو الواقع، وعلى كلا التقديرين لا يكون في البين إلا الحكم الواقعي.
        وبالجملة؛ حيث كان المؤدى هو الوجوب أو الحرمة الواقعية، فيكون المجعول هو وجوب المؤدى أو حرمته على أنه هو الواقع، فليس ما وراء الواقع حكما آخر حتى يقع التضاد بينهما، ولا إشكال في أنه للشارع جعل الهوهوية، والحكم بأن المؤدى هو الواقع في صورة الجهل به والشك فيه.
وفيه: أما بالنسبة لكون الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية، فقد عرفت أن دعوى كل حكم وضعي منتزع من حكم تكليفي في غير محله؛ فإنا نرى الكثير من الأحكام الوضعية غير منتزعة من أي حكم تكليفي، بل تترتب عليها الأحكام التكليفية؛ مثل الزوجية، فهي غير منتزعة من حكم تكليفي، بل هي مجعولة استقلالا، ويترتب عليها أحكام تكليفية عدة كما تقدم، وكذا الطريقية في المقام، فإنها مجعولة استقلالا.
نعم، لو سلمنا بمبنى الشيخ الأنصاري، لما كان لإشكال اجتماع الضدين دافع؛ لأن الحكم بأن المؤدى هو الواقع لا يمكن أن يكون إخبارا، بل لا بد أن يكون إنشاء، وإنشاء الحكم بالهوهوية، وكون المؤدى هو الواقع، لا يصح إلا بإعطاء صفة الوجوب أو الحرمة للمؤدى، فيعود إشكال التضاد عند مخالفة الأمارة للواقع.