الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الأصول
36/12/16
بسم الله الرحمن الرحيم
نقول: وجه الإشكال في بعض الأصول العملية؛ كأصالة الإباحة[1] [2] [3] ، أن الحكم الظاهري المجعول فيها، وإن كان ناشئا عن مصلحة في نفسها، لا في متعلقها، إلا أنها مع ذلك تنافي الحرمة الواقعية الثابتة للفعل على تقدير حرمته واقعا؛ فإذا شك في خمرية مائع مثلا، فالترخيص والإذن في شربه ظاهرا، وإن فرض أنه كان لأجل مصلحة في نفس الإذن، لا لعدم مفسدة في الفعل، ولكن مع ذلك ينافي الحرمة الواقعية الثابتة للمانع المشكوك على تقدير كونه خمرا واقعا.
وأما تخصيص الأصول العملية بالبعض؛ حيث قال: "نعم يشكل الأمر في بعض الأصول العملية"[4] ؛ فلأن مثل الأصول العملية المحرزة؛ كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة، لها نظر إلى الواقع وإن لم يعتبرها الشارع من هذه الجهة، فيكون حكمها حكم الأمارة؛ حيث يمكن الالتزام فيها بجعل أحكام ظاهرية طريقية، فتدخل في الجواب الثاني. وهذا بخلاف مثل قاعدة الحل وأصل البراءة ونحوهما مما لا نظر له إلى الواقع أصلا، فيختص الإشكال به دون ما له نظر إلى الواقع.
ثم إن حاصل هذا الجواب الثالث الذي هو نافع لمجموع الأمارات والأصول قاطبة من غير اختصاص ببعض الأصول العملية، هو إنكار انقداح الإرادة والكراهة في بعض المبادئ العالية، وتوقف هذا الانقداح على عدم الإذن لمصحلة فيه؛ لأنه على تقدير انقداحها يلزم اجتماع الضدين؛ لتضاد الإباحة مع الحرمة أو الكراهة، ومناقضة الإرادة أو الكراهة؛ لعدمهما المنكشف بالإباحة الظاهرية.
وبالجملة، فلا بعث ولا زجر في الحكم الواقعي؛ لتوقفهما على الإرادة والكراهة. وقد عرفت عدم انقداحهما. كما أنه لا تنجز له أيضا، وفعليته - أي تنجزه - معلقة على قيام الأمارة عليه. وأما الحكم الظاهري، فهو فعلي حتمي، فيجمع بين الحكم الواقعي والظاهري؛ بأن كلا الحكمين فعلي، غاية الأمر أن الواقعي فعلي تعليقي، والظاهري فعلي حتمي، ولا مضادة بينهما؛ لاختلاف رتبتهما.
وفيه: أولا: كيف يكون الحكم الواقعي بلا إرادة وكراهة وبالتالي بلا بعث وزجر والفرض أنه فعلي؟
وبعبارة أخرى: إن الالتزام بعدم انقداح الإرادة والكراهة اللتين هما من مبادئ الحكم، يستلزم كون الحكم اقتضائيا أو إنشائيا محضا؛ إذ لا معنى للفعلية بمعنى التنجز في ظرف العلم به مع فرض عدم الإرادة والكراهة؛ إذ معنى التنجز هو استحقاق المؤاخذة على مخالفة الحكم. ومن المعلوم توقف هذا الاستحقاق على بعث المولى أو زجره التابعين للإرادة والكراهة؛ فمع عدمهما لا بعث ولا زجر ولا مخالفة.
وثانيا: يظهر من كلام صاحب الكفاية أن فعلية الحكم متوقفة على العلم به، وهذا في غير محله؛ لأن فعلية الحكم متوقفة على فعلية موضوعه، ولا ربط لها بالعلم بالحكم، بل لا يمكن أخذ العلم بالحكم قيدا في موضوعه؛ لاشتراك الأحكام بين العالم والجاهل.
وعليه، فحال هذا الجواب كسابقيه لم يكتب له التوفيق، ولعل هذا الجواب أسوأ حالا؛ للزومه نسف الحكم الواقعي بنفي الكراهة والإرادة والبعث والزجر عنه.