الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

أما الامتثال الإجمالي في التعبديات فيما لو أمكن الامتثال التفصيلي، فهي تارة لا تقتضي التكرار، وأخرى تقتضيه. أما إن لم تكن تقتضي التكرار؛ كما لو شك أن السورة جزء من الصلاة أم لا، فهنا يجزي الاحتياط والامتثال الإجمالي بإتيان السورة حتى وإن كان المكلف قادرا على التحقق من وجوبها؛ لأن المانع من الإجزاء إما هو الإخلال بقصد الوجه - أي قصد الوجوب في الواجب وقصد الاستحباب في المستحب -، أو الإخلال بقصد التمييز - أي قصد أن المأتي به هو المأمور به -، وسيأتي عاجلا إن شاء الله تعالى أنه لا دليل قوي على اشتراطهما أصلا، مضافا إلى منع الصغرى؛ إذ لا إخلال بقصد الوجه ولا قصد التمييز؛ ضرورة إمكان قصد الوجه والتمييز بما علم دخله في نفس العبادة من الأجزاء والشرائط، فيأتي بالعبادة لوجوبها في الأجزاء والشرائط المعلومة، ويأتي بها أيضا بعنوان أن المأتي به من الأجزاء والشرائط المعلومة هو المأمور به. نعم، يلزم الإخلال بقصد الجزئية المشكوك فيه على تقدير كونه جزئيا واقعا، لكن الإخلال بقصد جزئية المشكوك لا يضر في العبادة أصلا؛ لعدم احتمال دخل هذا القصد في حصول الغرض.
كما أن من اعتبر شرطيتهما اعتبرهما في الواجبات الاستقلالية؛ كما إذا شك في وجوب غسل الجمعة واستحبابه؛ فلو كان قصد الوجه والتمييز معتبرين، لما أمكن الاحتياط؛ للإخلال بهما حين الامتثال. وأما على تقدير عدم اعتبارهما - كما هو الصحيح - فلا مانع من الاحتياط حينئذ.
وبالجملة، فمن اعتبر شرطيتهما إنما اعتبرها في التكليف الاستقلالي لا الضمني، كما فيما نحن فيه.
وعليه، لا مانع من إجزاء الامتثال الإجمالي في الواجبات التعبدية التي لا تقتضي التكرار فيما لو أمكن الامتثال التفصيلي.
أما الامتثال الإجمالي في الواجبات التعبدية التي تقتضي التكرار فيما لو أمكن الامتثال التفصيلي؛ كما لو شك بوجوب القصر أو التمام، فهل يجزي الاحتياط والامتثال الإجمالي حينئذ أم لا؟ قال صاحب الكفاية: ( وأما فيما احتاج إلى التكرار، فربما يشكل من جهة الإخلال بالوجه تارة، وبالتمييز أخرى، وكونه لعبا وعبثا ثالثة. وأنت خبير بعدم الإخلال بالوجه بوجه في الإتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه، غاية الأمر أنه لا تعيين له ولا تمييز، فالإخلال إنما يكون به، واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف؛ لعدم عين منه ولا أثر في الأخبار )[1].
يذكر صاحب الكفاية ثلاثة إشكالات قد ترد على عدم إجزاء الامتثال الإجمالي في الواجبات التعبدية فيما لو أمكن الامتثال التفصيلي:
الأول : أنه يلزم من الامتثال الإجمالي الإخلال بقصد الوجه؛ إذ لا يمكن للمكلف أن يقصد الوجوب في صلاته قصرا؛ لاحتمال أن تكون الصلاة الواجبة هي الصلاة تماما، ولا يمكن أن يقصد الوجوب في صلاته تماما؛ لاحتمال أن تكون الصلاة الواجبة هي الصلاة قصرا.
الثاني : أنه يلزم من الامتثال الإجمالي الإخلال بقصد التمييز؛ لأن المكلف لا يعلم أيًّا من الصلاتين هي المأمور بها ليأتي بها مع قصد أنها عين المأمور بها.
الثالث : أنه يلزم من الامتثال الإجمالي اللعب والعبث بأمر المولى؛ إذ طالما المكلف قادر على تعيين الواجب تفصيلا، فلا معنى للتكرار حينئذ إلا العبث بأمر المولى؛ حيث لا يمكن مع ذلك أن يتحقق منه قصد القربة.
وقد أضاف الميرزا النائيني إشكالا رابعا، وهو أن العقل الذي يدرك حسن الطاعة، يدرك أنه يجب أن يأتي العبد بالعبادة عن قصد أمرها وبعثها، فلا يكتفي بالإتيان بها عن قصد احتمال أمرها مع إمكان قصد أمرها؛ لأن قصد احتمال أمرها احتياطا في طول قصد أمرها تفصيلا.
ولا يخفى أن الإشكال الأول والثاني غير مختصين بالواجبات التعبدية التي تقتضي التكرار، بل يسريان في التي لا تقتضي التكرار أيضا، والجواب عنهما: إن حقيقة الطاعة عبارة عن الإتيان بما أمر به المولى بجميع أجزائه وشرائطه مضافا إلى المولى. وأما معرفة كون الأمر إلزاميا أو غير إلزامي أو كون المأتي به هو عنوان المأمور به، فلا دخل لهما في الطاعة أصلا.
وأما الإجماع المحكي في المقام، فمما لا اعتبار به؛ لما عرفت من عدم حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد، مضافا إلى احتمال كونه مدركيا؛ إذ يحتمل أن يكون مدركه كلام المتكلمين من أن بعض الأفعال إنما تكون حسنة إذا قصد عنوانها الخاص. وفي المقام يحتمل أن يكون حسن الفعل منوطا بعنوان خاص لا يعرفه المكلف ولا يميزه، فلا بد من الإتيان به مع إشارة إجمالية إلى ذلك العنوان بأن يأتى به بعنوان الوجوب أو الندب، فإنه عنوان إجمالي لكل ما له دخل في حسن الفعل. أضف إلى ذلك أن قصد الوجه والتمييز لو كانا معتبرين، فلا بد أن يكون اعتبارهما بأمر شرعي، وليس فيما بين أيدينا من الأدلة ما يدل على اعتبار ذلك، مع أنهما مما تعم بهما البلوى وتكثر الحاجة إليهما.
وعليه، فالمقام يكون من أظهر المقامات التي كان عدم الدليل فيها دليل العدم، بل مما يقطع بعدم اعتبارهما شرعا، وإلا لاستفاضت فيهما الروايات. ثم لو شككنا في وجوبهما، فالأصل يقتضي البراءة لا الاشتغال؛ لأن الشك في اعتبارهما يرجع إلى الشك في اعتبار قيد زائد في المأمور به شرعا، والأصل البراءة؛ لما عرفت من جريانه في الأقل والأكثر الارتباطيين.


[1]کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص274.