الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/28

بسم الله الرحمن الرحیم

إشكال ودفع:
        قال صاحب الكفاية: "إشكال ودفع: لعلك تقول: كيف يكون المناطفيالمفهوم هو سنخ الحكم؟ لا نفس شخص الحكم في القضية، وكان الشرط فيالشرطيةإنماوقعشرطابالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره، فغاية قضيتهاانتفاءذاكالحكمبانتفاءشرطه،لاانتفاءسنخه،وهكذاالحال في سائر القضايا التيتكونمفيدةللمفهوم. ولكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط، إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه، كما لا يخفى، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه إخبارا لا إنشاءً".
        حاصل هذا الإشكال: إن المعلق في مثل قضية (إن جاءك زيد فأكرمه) هو شخص الحكم لا كليه، وبالتالي لا تكون هذه القضية وأمثالها دالة على انتفاء كلي الحكم عند انتفاء الشرط، كما هو مفاد المفهوم، وإنما تدل على انتفاء شخص الحكم عقلا عند انتفاء الشرط؛ والسر فيه أن المعلق على الشرط هو مفاد هيئة (أكرم)، وهي معنى حرفي، والمعنى الحرفي جزئي حقيقي من الوضع العام والموضوع له الخاص، وبالتالي فتعليقه على الشرط تعليق لشخص الحكم لا كليه، فتنتفي ضابطة المفهوم المتقدمة، وهي أن يكون كلي الحكم معلقا على الشرط لا شخصه.
جوابصاحبالكفاية: إن المعنى الحرفي معنى كلي من الوضع العام والموضوع له العام، وبالتالي فالمعلق هو كلي الحكم لا شخصه، فينتفي الإشكال.
أما الخصوصية، وهي لحاظ الآلية، فقد جاءت من الاستعمال؛ لأنها تلحظ حال الاستعمال، فلا تكون داخلة في الموضوع له والمستعمل فيه؛ إذ الاستعمال متأخر عن الوضع، ولا يدخل المتأخر في المتقدم، وإلا لزم أن يكون متقدما ومتأخرا في آن واحد، وهو محال.
جواب الشيخ الأنصاري: قال صاحب الكفاية: "وبذلك قد انقدح فسادما يظهرمنالتقريراتفي مقام التفصي عن هذا الإشكال، من التفرقة بين الوجوب الإخباري والإنشائي، بأنه كلي في الأول، وخاص في الثاني؛ حيث دفع الإشكال بأنهلايتوجهفيالأول؛لكونالوجوبكليا،وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية؛ حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها، فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف".
حاصل هذا الجواب: إن الجزاء في القضية الشرطية على نحوين؛ فإن كان على نحو الجملة الإخبارية؛ كما في (إن جاءك زيد فيجب أن تكرمه)، فهنا يكون الحكم المنشأ في الجزاء معنى كليا، وبالتالي لا يكون إشكال تعلق شخص الحكم على الشرط واردا. وإن كان على نحو الجملة الإنشائية؛ كما في (إن جاءك زيد فأكرمه)، فصحيح أن الحكم في الجزاء معنى جزئي، إلا أنه بملاحظة أداة الشرط الدالة على العلية الانحصارية، يكون المنتفي بانتفاء الشرط هو كلي الحكم لا شخصه؛ إذ معنى الانحصار أنه لا علة أخرى للإكرام غير المجيء، فإذا انتفى المجيء انتفت كل مصاديق الإكرام.
وفيه: إن هذا الجواب لا يخلو من شائبة إشكال، فصحيح أننا استفدنا العلية الانحصارية من إطلاق الشرط أو الجزاء من خلال أداة الشرط، إلا أنه يبقى المعلق على الشرط هو المنشأ بالهيئة، وهو شخص الحكم. وبالتالي، فما أتى به الشيخ الأنصاري  مجملا؛ إذ لم يبين منشأ اكتساب الحكم الكلية.
جوابنا: أولا: أما ما أجاب به صاحب الكفاية، فهو في غير محله؛ إذ حتى لو سلمنا معه بأن المعنى الحرفي معنى كلي، إلا أنه لما كان ملحوظا كآلة، فلا يكون قابلا للتقييد؛ لأن الإطلاق والتقييد إنما يعرضان على المعاني الاستقلالية فحسب، وهي المعاني الاسمية.
ثانيا: بيَّنا بما لا مزيد عليه أن الإنصاف كون "التعليق في الجملة الشرطية، هو تعليق جملة على جملة؛ فحاصل مجموع الجملة الثانية معلق على الجملة الأولى؛ أي المعلق على المجيء هو وجوب الإكرام المنتسب إلى الفاعل؛ أي المحمول المنتسب إلى الفاعل وليس المحمول وحده؛ يعني ليس المنشأ بما هو معنى أفرادي، وهو المحمول وحده، فلا ترد الإشكالات المتقدمة"[1].
وبناء عليه، لا يكون الإشكال واردا علينا؛ إذ المعلق هو كلي الحكم لا شخصه، سواء كان الجزاء في القضية الشرطية على نحو الجملة الإخبارية أم الإنشائية.


كلام للنائيني في مفهوم الحكم الانحلالي:
        بقي شيء أشار إليه الميرزا النائيني، وحاصله: علمنا أن كل ما يؤخذ في المنطوق يؤخذ في المفهوم أيضا، سوى الإيجاب والسلب، فإن الحكم في المفهوم مخالف للحكم في المنطوق إيجابا وسلبا، وهذا ما عبرنا عنه في مقدمة هذا الفصل ﺑ(مفهوم المخالفة).
وهنا يأتي البحث؛ فإن الحكم في المنطوق تارة يكون غير انحلالي؛ بمعنى أن يكون المراد إيجاد صرف وجود متعلقه؛ كما في وجوب الصلاة التي لها أفراد طولية وعرضية، وإنما المطلوب من المكلف إيجاد صرف طبيعي وجودها. وأخرى يكون الحكم في المنطوق انحلاليا؛ بمعنى أن المراد إعدام كل أفراد المتعلق؛ كما في حرمة السرقة؛ فإن المطلوب ترك جميع أفرادها، لا فرد واحد منها.
فإن كان الحكم في المنطوق على النحو الثاني؛ كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله: "إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء"[2]، فهل يكون المفهوم (إذا لم يكن الماء قدر كر ينجسه شيء)، وذلك على حساب المناطقة بأن نقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية، أم يكون (إذا لم يكن الماء قدر كر ينجسه كل شيء)، كما ذهب إليه الميرزا النائيني ؟!
هذا ما سنترك الكلام عنه إلى العام المقبل إن أبقانا الله تعالى من الأحياء.
وقع الفراغ منه ليلة الخميس الثامن والعشرين من رجب سنة 1435ﻫ، الموافق 28 أيار سنة 2014م بيد العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني، حسن بن علي الرميتي العاملي (عامله الله بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه) إنه سميع مجيب.



[1]  راجع التقسيم الأول في المبحث الثالث من الفصل الرابع من المقصد الأول.
[2]  وسائل الشيعة، العاملی، ج1،ص158، أبواب الماء المطلق،باب9، ح1، ط ال بیت.